ومن حيث أن الشاهد الثاني من مباحث امن الدولة هو العميد منير السيد محيسن رئيس فرع النشاط الشيوعى بمدينة القاهرة وتخلص شهادته فى أن بعض العناصر من حزب العمال الشيوعى قد انخرطت فى الأحداث وتم ضبط بعضهم مثل شوقيه الكردي مع زميلة لها توزعان المنشورات كما ضبط آخرون داخل المظاهرات ويقصد هذا الحزب إلى الاستيلاء على السلطة إذا أن غرضهم النهائي هو الإطاحة بالنظام وهم يستغلون اى حدث وهى لا يستطيع أن يقطع بان الحزب هو الذي صنع الأحداث ولكن الشيوعيين ومدعى الناصرية دخلوا المظاهرات مع استغلالهم للمناخ السائد للوصول إلى هدفهم النهائي
وقد تضمنت الأحداث الهجوم على مراكز الشرطة والتعدي على أملاك الدولة وكذلك ما حدث من توحد الشعارات والهتافات فى إرجاء الجمهورية كل ذلك يدل على توجيه الأحداث للوصول إلى الهدف المنشود وقد تم التقاط صور شمسية لقيادات الحزب فى المظاهرات وهم بحكم إلمامهم بالأمور قد توقعوا صدور قرارات تعديل المسار الاقتصادي ورسموا خططهم على أساس توقعاتهم وكان نشاطهم فى إصدار مجلات الحائط بالجامعات وترتيب اللقاءات وإعداد المنشورات والنشرات وتسيير المسيرات التي تعرض لبعض المطالب الفئوية ومن خلال ذلك يتم تهيئة المناخ المناسب لما يريدون أحداثة من تغيير عن طريق القوة وبالنسبة للحزب الشيوعى المصري فقد تم ضبط بعض اعضائهالمشاركين فى الأحداث لكنة لم يقطع بأن ما قام به هؤلاء الأعضاء كان بصفة فردية أو بصفة حزبية وأضاف هذا الشاهد انه لم ينزل لمواقع الأحداث بل انه كان يتلقى المعلومات من زملائه الضباط ومن المصادر الذين كانوا ينقلونها إليه شفويا أو كتابيا ثم تخضع بعد ذلك للتمحيص والتحليل ثم تقدم بهذه المحاضر إلى نيابة امن الدولة
ومن حيث انه فى مجال تقييم شهادة هذا الشاهد فان ما تلاحظه المحكمة أنها مثل شهادة الشاهد السابق شهادة منقولة من زملائه ومن المصادر وخضعت بعد ذلك للتحليل والتمحيص وقد عرضت المحكمة فيما سبق لتقييم هذه الشهادة ثم أن ذلك الشاهد أيضا قد اعتمد على الاستنتاج عندما تحدث عن الهدف النهائي الذي تقصده التنظيمات الشيوعية ومدعى الناصرية والمراحل المختلفة التي تسبق هذا الهدف والوسائل التي يتبعونها
ولما كانت المحكمة قد سبق لها أن ردت إحداث 18 و 19 يناير 77 إلى سبب مباشر هو إصدار القرارات الاقتصادية فأن حديث الشاهد عن دور التنظيمات الشيوعية فى تلك الأحداث يضحى غير مجد التعرض له بالبحث ولا يبقى بعد ذلك إلا الادعاء بلجوء التنظيمين الشيوعيين إلى القوة لتحقيق هدفهما وهذا الشاهد لم يخرج فى أقوالة عما ردده الشاهد الأول ولم يأت بجديد وقد سبق للمحكمة أن انتهت إلى أن ما نسبه إلى المتهمين المدعى بانتمائهم للتنظيمين الشيوعيين من اعتناق الفكر الماركسي أو إصدار مجلات حائط أو الخروج فى مسيرات سلمية لا يعد انه من قبيل القوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة التي نصت عليها المادة 98 أ عقوبات باعتبار أن تلك الأفعال لا تطوى على استعمال السلاح أو التهديد باستعماله أو على تخريب أو إتلاف أو إحراق أو تعطيل مرافق عامة أو إرهاب فكرى أو ادبى أو معنوي ومن ثم فأن الشهادة التي أدلى بها هذا الشاهد لا تنهض دليلا قبل المتهمين المسندة إليهم التهمة التي تضمنتها المادة 98 أ سالفة الذكر
ومن حيث أن المحكمة قبل أن تعرض بالدرس والمناقشة لأقوال الشهود والمصادر لا بد لها من مقدمة تطرحها بين يدي هذا الدرس وهذه المناقشة تضع بها تقييما سليما ومعيارا عادلا لهؤلاء الشهود تسير على هديه وهى تستعرض شهادتهم منها للحق والنصف سواء بالنسبة لهؤلاء الشهود أو بالنسبة للمتهمين
وتلاحظ المحكمة أن الشاهد المصدر هو الذي تقدم إلى جهات الأمن بمعلومات شفوية ومكتوبة عن نشاط فردى أو حزبي يرى انه معاد قادا ارتأت فيه جهات الأمن صلاحية وكفأة لواصلة إمدادها بالمعلومات اعتبرته مصدرا لها وأصرت إليه التكليفات يؤديها ثم يوالى تقديم تقارير بالمعلومات كتابة وشفاهة تأخذ طابع الدورية والاستمرار وسواء أكان هذا الشاهد المصدر متطوعا بتقديم المعلومات أو قابلا لمال قل أو كثر يستعين به على أداء مهمته أن شهادته تحوطها عوامل الشك والريبة كما أنها تفتقر إلى النزاهة والحيدة التي يلزم توافرها لتكون محل ثقة القضاء
ذلك أن الشاهد المصدر لا بد له أن يندس بين أفراد الناس وجماعتهم ويكسب ثقتهم ويوهمهم بأنه يؤمن بما يؤمنون ويعتنق ما يعتنقون حتى أذا وثقوا به وباحوه أسرارهم أسرع إلى جهات الأمن يقدم لهم ما تلقاه من أفكار وما تسقطه من إخبار وما لاحظه من تصرفات وهو فى أدائه لهذه المهمة قد يتناول تلك المعلومات بالتعديل زيادة أو نقصا حتى يلبسها لباس المعقولية ضمان لاستمرار صلاحيته كمصدر وقد يكون مدفوعا فى أداء مهمته بدافع من الانتقام أو الدس أو الإضرار بالغير أو المعاداة لفكر من ينقل عنهم الإخبار والمعلومات كما أن ذلك الشاهد وهو يرى نفسه قد حاز ثقة رجال الأمن وبالتالي ملتزم وحريص على استمرار صلته بهم قد يخالطه ظل من الإكراه المعنوي يتمثل فى وجوب تقديم تقارير دورية قد يضطر إلى اصطناع ما حوته من معلومات أو تهويلها
وأخيرا فأن هذا الشاهد المصدر قد يخالطه ذلك الإحساس بالإكراه المعنوي وهو يدلى بشهادته أمام جهات التحقيق وإما القضاء وذلك بسبب خوف أو رجاء وكل هذه الظروف والملابسات التي تكتنف شهادة الشهود المصادر تجعل تلك الشهادة محل شك فى نزاهتها وحيدتها عند الإدلاء بها فى مجلس القضاء
وتبدأ المحكمة بأول شهود المصادر وهو محمد حاتم زهران وهو قد اقر انه شاهد مصدر وصادق رجال مباحث أمن الدولة الذين أدلوا بشهادتهم أمام المحكمة على ذلك
وذلك تستبينه المحكمة بالنسبة لهذا الشاهد بصفة عامة أنه شاهد متلون لا يستقر على حال ولا يثبت على رأى فهو يمثل أمام النيابة العامة ليدلى بشهادته على نحو معين سواء صدر فى تلك الشهادة عن التزام بالحقيقة أم عن التزام للجهة التي يمدها بالمعلومات اوعن اى واقع أخر
حتى أذا ما ذاع أمر هذه الشهادة وأحس به أولئك الذين تمسى شهادته مواقفهم واتصلوا به راجين أو مهددين وطالبين منه أن يعدل عن موقفه قبلهم قولا للحق أو دفعا للاتهام الذي يسلط عليهم
أذا به تحت تأثير الخوف اوالشفقه اواغراء مادي أو تيقظ ضمير يسارع ليعلن عدوله عن شهادته ويتصل ببعض أشخاص منهم مبديا آسفة ومحررا على نفسه إقرارا أمام النيابة لا تمثل الحقيقة والواقع بل انه اجترائه للشهادة أمام جهات التحقيق يصل إلى حد انه عندما تعرض عليه نصوص شهادته مكتوبة يؤثر قرين فقراتها بخط يده بعدم صحة الوقائع الواردة بها وعندما يحس بأن أمره بات متناقضا مخزيا بين قول صدر منها أمام جهات التحقيق وعدول عن ذلك القول أمام المتهمين أو ذويهم أذا به وبعد اتصالات من رجال المباحث يمثل أمام النيابة العامة ليعاود ترديد الأقوال التي أدلى بها أولا
وأصبح موقف هذا الشاهد مثالا للعبث وصورة ناشئة لمن يتجرد مما تفرضه آداب وأخلاقيات ونزاهة الشهادة أمام جهات القضاء
وإذا تأملنا فى أمر هذا الشاهد مليا فلن يستوقفنا هذا الموقف الشائن من أداء للشهادة وعدول عنها ثم إصرار عليها تحت تأثير الدوافع المختلفة فقط ولكننا وسوف تقابلنا صور أخرى منافية لمقتضيات العقل والمنطق ومواقف يضفى فيها على نفسه خارق القرارات وخرافي الملكات فهذا الشاهد الذي يقرر عن نفسه أمام المحكمة انه لا يعرف حقيقة الشيوعية والشيعة وانه كان يظن أن الشيوعيين هم الشيعة دامغا نفسه بالجهالة أو بادعائها نجده فى موقف أخر يخلع على نفسه أردية الذكاء والقدرة الفائقة على النفاذ بين اعضاء حزب العمال الشيوعى واكتساب ثقتهم فهو يستطيع أن ينضم إليهم ويزاول أنشطتهم ويحضر اجتماعاتهم ويساير خطتهم فى تجنيد ه وتثقيفه ويشارك فى تحركاتهم بل وأن يكون محل ثقة بعض قيادتهم ولا يتسرب الشك فى ولائه إلى قلوبهم ولا يصدر منه خطأ أو سهو يكشف عن حقيقة أمره رغم انه مثل تلك التنظيمات السرية تصنع لنفسها أقسى الاحتياطات والضمانات حتى لا ينضم إليها إلا من تطمئن تماما إلى اعتناقه عن صدق وإيمان لمبادئه
فهل يعقل أن ينطلي عليهم موقف هذا الشاهد مدعى الجهالة فيولونه ثقتهم ويطلعونه على أسرارهم رغم حداثة عهد اتصاله بهم بل تبلغ بهم السذاجة واختلال العقل أن يخبره احد قادتهم باعتزامهم على ضرب ضربتهم الكبرى مخالف بذلك ما تفرضه متطلبات السرية وإحكام الخطة والاحتفاظ بعنصر المفاجأة بل أن هذا الشاهدالذى لا يفرق بين الشيوعية والشيعة أوتى حسبما يقرر من خارق القدرات ما مكنه أن يقوم بما لا قبل لبشر به فنجده يوم 18/1/77 مصاحبا لمظاهرة قادمة من جامعة عين شمس مخترقا شوارع القاهرة حتى ميدان التحرير ووسط هذه الجموع الحاشدة والبحر المتلاطم من البشر يستطيع أن يتبين الأشخاص ويتعرف عليهم ويحدد نشاطهم رغم اختلاف مواقفهم
فهذا المتهم كان مرفوعا على الأعناق وثان خرج من مطعم ليهتف بالشعارات وثالثا ورابع وخامس وكانوا يحاولون ضم الناس إلى التظاهر وغير هذا وهؤلاء كانوا يقودون المظاهرات وقد ظلت متابعته لتلك الأحداث يومين متتالين متنقلا فى إرجاء القاهرة رغم تباعدها ورغم انقطاع المواصلات راصدا تحركات أفراد بعينهم لا يكل ولا يمل حتى يلم بالإحداث وتفاصيلها على نحو مذهل لا تقوى عليه طاقات البشر
ولا يكتفي هذا الشاهد بذلك كله بل انه يحاول أن يضفى على نفسه الأهمية القصوى حسبما يصور له تفكيره فإذا به وسط الآلاف من البشر تقع عليه عين احد كبار رجال المباحث امن الدولة اللواء فؤاد فريد وعلى مرأى ومسمع من كل هاته الحشود يناديه لينتحي به جانبا طالبا الاستمرار فى متابعة الأحداث وكأن الضابط وعلى خلاف مقتضيات العقل وما يمليه الحذر وإخفاء المصدر أمام الجميع أن هذا الشاهد وضعا خاصا يقتضى سرعة استدعائه وإسرار الحديث اليةه وكأن هذا الجهاز الضخم الدقيق ليس له من ملاذ إلا حاتم زهران يلجأ إليه فى هذا الوقت العصيب ليتابع له ما يجرى من أمور وكأ،ه قد عدمه الوسائل كلها والإمكانيات الهائلة التي تتيح له المتابعة والمراقبة فلم يجد إمامه إلا هذا الشاهد المصدر الوحيد
وبرغم ما أحاط بشهادة هذا الشاهد من عوامل الضعف والتهالك فأن استعراض أقواله لا ينبئ عن توافر ركن القوة الذي نصت علية المادة 98أ وذلك وان كن قد استمد معلوماته عن قيام حزب العمال الشيوعى وعلم بقصده من تسويد طبقة العمال وامتلاكها لزمام السلطة مما كان يتناثر من الأشخاص الذين كان يخالطهم والذين أطلق عليهم مجموعة روض الفرج والمتصلين بهم مما كان يتناثر منهم من أقوال هنا وهناك دون أن ترتد هذه المعلومات التي أدلى بها إلى مصادر ينتظم ترتيب وتخطيط يؤكد على وجه اليقين قيام هذا الحزب وسعيه إلى اقتناص السلطة
على الرغم من ذلك فأن هذا الشاهد قد نفى نفيا قاطعا أن يكون قادوا المظاهرات من المتهمين يومي 18 و 19 يناير 1977 قد ارتكبوا إعمال تخريب أو تحريق أو إتلاف أو حرضوا عليها أو اظهروا سلاحا أو تعرضوا لرجال الشرطة با أنهم حرصوا كل الحرص على سلمية المسيرات حتى أن احدهم ( صلاح عيسى ) قد القي بجسمه فوق إحدى السيارات ليحول بين المخربين وبين تحطيمها ثم أكد جازما أن من قام بالتخريب هم صبية صغارا أو أناس لم يوجههم احد بل انطلقوا يرتكبون آثامهم من تلقاء أنفسهم فى ظل الفوضى التي سادت خلال هذين اليومين
ثم أن هذا الشاهد فى مجال سرده لوسائل الحزب للوصول إلى هدفه بإسقاط النظام ذكر وسيلة إقناع الناس والعمال خاصة بأفكارهم وضرورة التغيير وتعميق الصراع الطبقي بالتحدث عن غنى الأغنياء وفقر الفقراء ونقد قرارات الحكومة وتصرفاتها فى بعض المجالات مثل سياسة الأجور والأسعار وعقد الاجتماعات والندوات بالجامعة وإلقاء الأشعار والأزجال وتأليف المسرحيات وتعليق مجلات الحائط بالكليات الجامعية ولا ترى المحكمة أن هذه الوسائل إلى عددها الشاهد تنطوي على استعمال القوة سواء فى صورها المادية أو المعنوية أو التهديد باستعمالها ولا على استعمال للإرهاب أو الوسائل الأخرى غير المشروعة فهي وسائل لا تعدو محاولة الإقناع بالكلمة المقرؤة أو المسموعة أو المشاهدة فى المسرح أو الملقاة فى صورة شعر وزجل وهى لا تدخل فى عداد الوسائل التي عددتها المادة 98أ عقوبات
بل أن هذا الشاهد قد ذكر فى أقواله أن حزب العمال الشيوعى قد حدد لنفسه عشرين عاما خلالها يتحقق هدفه النهائي بسيادة الحكم الشيوعى حينما ينضج فكر الناس ويعتنقون الفكر الماركسي إما عندما وقعت الأحداث فلا يكن ذلك الحزب قد حقق من برنامجه شيئا وهذا القول من الشاهد ينفى عن هذا الحزب حتى مجرد التفكير فى تغيير نظام الحكم أو تسويد طبقة العمال إلى اللحظة التي قامت فيها الأحداث والتي يشملها قرار الاتهام بل أنهم على حد قوله حددوا لأنفسهم عشرين عاما قادمة ينضج فيها فكر الناس حتى يتسنى لهم تحقيق هدفهم سالف الذكر
ومن حيث أن المحكمة تستبين من عرضها سالف الذكر بالنسبة لشهادة محمد حاتم زهران أنها مع كونها شهادة صادرة من مصدر تحوطه الريبة وعدم الاطمئنان بنزاهتها وحيدتها ومع أنها قد اتسمت بمجافاة مقتضيات العقل والمنطق وشابها عوامل الضعف والوهن فأن هذه الشهادة قد جاءت خالية مما يقطع بأن حزب العمال الشيوعى قد استعمل القوة أو الإرهاب أو هدد باستعمالها أو استعمل الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة حسبما أوجبت المادة 98 أ عقوبات
ومن حيث أن الشاهد الأول من مصادر هيئة الأمن القومي هو حسن إبراهيم درويش ويجمل شهادته فى انه فى حوالي سنة 1971 التقى فى احد المقاهي بأحد الشيوعيين القدامى ويدعى احمد عثمان وكان قد زامله من قبل فى المعتقل خلال الفترة من 1959 إلى سنه 1964 وحاول تجنيده فى تنظيم شيوعي جديد فأبلغ هيئة الأمن القومي بذلك فطلبت منه تلك الهيئة مجاراته وإبلاغها بنشاط هذا التنظيم
واتصل بعدد من التنظيم المتهم منهم زكى مراد فى أماكن متفرقة وكان الحديث يدور حول تجنيد عناصر من يعملون فى الصناعات الثقيلة لأنهم مثقفون وبصفته عضوا فى خلايا التنظيم فقد تسلم مطبوعات خاصة بها ومنها مجلة الانتصار –كما انه اتصل بتنظيم أخر يدعى الشروق يتزعمه المتهم محمد على عامر الزهار الذي كان يهاجم التنظيمات الشيوعية الأخرى ثم عقب عودته من زيارة لموسكو عمل على توحيد تلك التنظيمات وكان قد طلب منه ترشيح من يصلح لإعمال الطباعة وحفظ أرشيف الحزب الشيوعى المصري فابلغ هيئة الأمن القومي التي رشحت محمد إبراهيم طنطاوي لحفظ الأرشيف ومصطفى احمد يوسف لأعمال الطباعة وفعلا تم تقديمهما للحزب وأضاف انه انقطع عن تنظيم الشروق وعاود الاتصال بالحزب الشيوعى المصري ويقصد التنظيم الشيوعى الهادف إلى الاطاحه بنظام الحكم وتولى الحزب الشيوعى السلطة والوسائل إلى ذلك هي تكوين الخلايا فى النقابات والوحدات الجماهيرية والاتصال بالتكتلات العمالية والطلابية والقوات المسلحة والسيطرة على المجموعة الناصرية والتركيز على المشاكل الكبيرة وعما إضرابات تؤدى بالحزب إلى الإمساك بالسلطة
ثم استطرد هذا الشاهد انه كان قد اعتقل مرتين بسبب اعتناقه للشيوعية والمرة الثانية كان خلال الفترة من سنه 1959 إلى سنه 1964 وكان فى معتقل الواحات الذي كان يحاول الشيوعيون فيه فرض فكرهم على غيرهم من المعتقلين فقام رجال الأمن بعمل دورات غسيل مخ لإنقاذ من لايؤمن بتلك الأفكار وقد ترتب على حضوره تلك الدورات انه تمسك بوطنيته فقط ونشاطه النقابي
وتلاحظ المحكمة بادئ ذي بدء أن ذلك الشاهد قد أعلن انه إبان اعتقاله حتى سنه 1964 فى معتقل الواحات قد شارك فى دورات غسيل مخ إقامتها أجهزة الأمن وخلع استجابته لها عن نفسه الانتماء إلى التنظيمات الشيوعية وطرح الأفكار الماركسية وأعلن أن نشاطه سوف يكون نقابيا ووطنيا ومنذ خروجه من المعتقل سنه 1964 وحتى سنه 1971 ظل ملتزما بما اتخذ من قرار إلا انه التقى فى إحدى المقاهي ببعض الشيوعيين من زملاء المعتقل فقاموا بتجنيده فى الحزب الشيوعى المصري وبعد رسوخ قدمه فى ذلك الحزب واكتسابه ثقة اعضائة تلقى منهم تكليفات هامه منها تجنيد من يحفظ الأرشيف ويجيد الطباعة ٍ
وكيف يمكن أن يسبغ العقل أو يتقبل المنطق أن يعتمد حزب شيوعي ناشي يحرص على السرية وتجنب أعين أجهزة الأمن إلى محاوله تجنيد ذلك الشاهد الذي له أن استجاب لتأثير دورات غسيل المخ التي إقامتها جهات الأمن فأعلن انشقاقه عن التنظيمات الشيوعية وتنكره للأفكار الماركسية ثم لا يكفى ذلك الحزب بمحاوله تجنيده بل يصدر إليه تكليفات تتصل بنشاط الحزب وحفظ وثائقه وأوراقه
اى عقل أو منطق ممكن أن يسبغ هذا القول أو يصدق هذا الادعاء
ثم لا يكتفي هذا الشاهد بادعاء ذلك بل يزعم انه كان محل استقطاب التنظيمات الشيوعية فالحزب الشيوعى المصري يضمه إليه وتنظيم الشروق يجنده وهو يتنقل بين كلا التنظيمين وليكشف أيا منهما أمره 0
أن المحكمة وهى تستعرض أحاديث هذا الشاهد يستقر فى وجدانها وتقوم قناعتها على أن ذلك الشاهد قد حلق به خياله فأملى عليه تلك الروايات غير المعقولة فرضا يدل بها أمام جهات التحقيق وإمام المحكمة 0
وبرغم ذلك كله فإن مضمون أحاديث الشاهد وروايته عندما تتطرق إلى أهداف الحزب الشيوعى المصري ووسائل تحقيق تلك الأهداف لا يكشف بصورة واضحة وصريحة عن حقيقة تلك الأهداف والوسائل فهي أهداف غامضة ووسائل ينحصر فيها القول عن قصد الاستيلاء على السلطة عن طريق التجنيد والاتصال بالعمال والطلاب والتركيز على المشاكل والإضراب الذي لم يرد بأقوال الشاهد ما يفيد حدوثه
وهذه الوسائل أن صح لجوء الحزب إليها لا تنطوي على استعمال للقوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة على النحو الذي تستلزم المادة 98 أ ومن ثم فأن المحكمة ترى انه شهادة هذا الشاهد والتي تتسم بالغموض والتجهيل خليقة أن تطرح تماما ولا معول عليها
ومن حيث أن الشاهد الثاني من مصادر هيئةالامن القومي هو محمد إبراهيم طنطاوي الذي قرر فى شهادته أمام المحكمة انه موظف بالمخابرات العامة إلى جانب عمله كرئيس لإدارة تموين مدينه نصر وتلخص أقواله أن الحزب الشيوعى المصري طلب من احد اعضائة حسن درويش وهو من المتعاونين مع هيئة الأمن القومي ترشيح شخص لحفظ الأرشيف لديه على أن تتوافر فيه صفات معينه وقد عرضت عليه الهيئة تلك المهمة فقبلها وتم ترتيب لقاء بينه وبين المتهم عبد القادر احمد شهيب بأحد المحلات ألعامه ضم خلاله إلى عضويه الحزب وبعد تعدد اللقاءات بينهما عرض عليه حفظ أرشيف الحزب لديه وبعدم وافقته تم اللقاء فى سيارة فولكس واجن كان من ركابها المتهم محمد محمود توفيق وكان الأرشيف فيها وطلبوا إحراق بعض الأوراق فى صحراء مدينة نصر إلا انه أقنعهم بعدم صحة هذا التصرف وانه سوف يتولى عمليه الإحراق بنفسه وتم نقل الحقائب الخمس التي تحتوى على الأرشيف إلى شقته ألكائنه بالدور الرابع وقد تم تسليم الحقائب لأداره المخابرات والتي احتفظت بثلاث منها كان مقررا حرقها وأعادت اثنين منها وقد تم إنزال الحقائب لنقلها إلى أداره المخابرات عن طريق إلقائها من مسكنه بالدور الرابع إلى ارض الطريق ضمانا لسرعة النقل وعدم انكشاف أمره
وكان قد اطلع على بعض محتويات الحقائب وتبين أن من بينها مجلة الانتصار وأوراق أخرى لم يقرأها
ثم قام المتهم عبد القادر احمد شهيب باسترداد باقي الأرشيف واحضر له آله طباعه كانت معطله وقام رجال الأمن بإصلاحها
وان كان قد أوهمه بأنه هو الذي أصلحها وتم طبع منشورا عليها لم يطلع عليه
وأضاف أن لقاءات تكررت بينه وبين عبد القادر احمد شهيب وآخرين من اعضاء الحزب وكانت الأحاديث تتناول مواضيع سياسية شتى بالتحليل وفهم من تلك الأحاديث أن هدف الحزب هو الإطاحة بنظام الحكم القائم وسيادة طبقة العمال ووسائلهم إلى تحقيق هذا الهدف إنشاء الخلايا داخل النقابات وتجنيد اكبر عدد وخاصة الشباب الصغير والتغلغل داخل طبقات العمال والطلاب وإحداث توافق بينهم وحينئذ يمكن بسبب التأثير الادبى والمعنوي شل الحركة لاقتصادية وإظهار الحكومة بمظهر العجز عن تلبيه مطالب الجماهير وإحداث ارتباك سياسي واقتصادي عن طريق المظاهرات ضد الحكومة التي تقوم بتصفية القطاع العام وقضية فلسطين وبذلك يمكن حدوث ثوره شعبية دموية تؤدى إلى تغيير النظام
وتلاحظ المحكمة أن كثيرا من الوقائع التي ذكرها الشاهد لا يمكن استساغتها عقلا وقبولها منطقا
وأول هذه الوقائع إقدام قيادة الحزب على حظ الأرشيف لدى ذلك الشاهد مع حداثة صلته باعضائة وذلك رغم خطورة تلك الأوراق واحتوائها على نشاطات الحزب وخططه وأسماء قياداته وأعضائه
وكان أولى بهذا الحزب أن يختار من بين اعضائه من هم أكثر ولاء له وأقواهم تصالحا به فيودع لديه تلك الأوراق الهامة
ثم أن هذا الحزب الذي يزاول نشاطا سريا يكسبه خبرات واسعة فى هذا المجال لن يعدم وسيله مأمونة فى التخلص مما يريد الخلاص من أوراقه ووثائقه دون ما اضطرارا إلى اللجوء فى أداء هذه المهمة إلى عضو حديث التجنيد لو اجري استقصاء دقيقا عنه لكشف عن صلته بهيئة الأمن القومي أو التشكك فى ولائه الحقيقي للحزب على اقل تقدير
والواقعة الثابتة هي واقعه استلام الأرشيف وان من غير المعقول أن تسع سيارة (( صغيرة)) فولكس (واجن ) أربعه أفراد وتسع فى نفس الوقت خمس حقائب كبيرة
إما واقعه نقل الأرشيف إلى إدارة المخابرات ألعامه وذلك بإلقائه من المسكن فى الدور الرابع تحقيقا لسرعه وعدم لفت الأنظار فأن تلك الطريقة هي التي تلفت الانتباه
إذ كيف يتصور أن يكون إلقاء لا يلفت النظر فا، تلك الطريقة هي التي تلفت الانتباه إذ كيف يتصور أن يكون إلقاء هذا الحمل الثقيل من ارتفاع كبير دون أن يجذب ذلك أنظار وإسماع المارة والجيران ويثير شكوكهم حول كنه الشيء الملقى به فضلا عن احتمال تناثر ما به من أوراق فتبين نتيجة ارتطامه بالأرض عند سقوطه
وبالرغم مما شاب شهادة ذلك الشاهد من مجافاة للعقل والمنطق فى بعض المواضيع فانه بالنسبة للوسائل التي يحقق بها الحزب الشيوعى المصري أهدافه الاطاحه بالنظام ذكر ذلك الشاهد أنها التجنيد وإنشاء الخلايا والنفاذ إلى طبقات العمال والطلاب والتأثير الادبى والمعنوي على تلك الطبقات حتى يستطيع إحداث شلل اقتصادي تظهر الحكومة بمظهر العجز وهذه الوسائل التي ذكرها هذا الشاهد لا يدخل فيها استعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو الإرهاب أو اى وسيلة غير مشروعه خاصة وان مثل هذه الوسائل تعتمد أكثر على استماله والإقناع والتأثير المعنوي دون أن يتداخل فيها استعمال السلاح أو غيرة من أدوات العنف ومن ثم فأن شهادة هذا الشاهد رغم العوار الذى شابها وعدم اتساقها مع طبيعه الأمور فإنها لا تنطوي على دليل يطمئن إليه وجدان المحكمة وتقوم عليه عقيدتها بأن القوة كانت من وسائل لحزب فى تحقيق أهدافه حسب ما نصت عليه المادة 98أ عقوبات