ومن حيث انه قد خلصت المحكمة إلى إن القانون رقم 100 لسنة 1971 لم تنفذ أحكامه إلا من تاريخ نشرة1976 لم تنفذ أحكام القانون رقم 323 لسنة 1955 والقانون رقم 159 لسنه 64 لعد نشرها فإن صفة الضبطية القضائية لم تكن قائمة في رجال المخابرات العامة حتى 1976 فإن ما قام به هؤلاء الرجال من تحريات ومتابعة وإجراءات ضبط وتفتيش وتسجيلات وغبر ذلك من أفعال التى تخولها صفة الضبطية القضائية وذلك في نطاق الدعوى رقم 10 لسنه 1975 قد صدرت ممن لا يملك اتخاذها قانونا مما يترتب عليه بطلانها بما نشا عنها من آثار وما قام عليها من دليل ويكون الدفع ببطلان الذي ابناه الدفاع قد قام على سند صحيح من الواقع و القانون ويتعين الحكم بقبوله
ومن حيث إن الدفاع عن المتهمين قد دفع ببطلان أذن الضبط والتفتيش الذي صدر من رئيس نيابة امن الدولة العليا وأسس في مذكراته ذلك الدفع على إن النيابة قد اثبت في محضره انه اصدر بناء على اتصال تليفوني بينه وبين اللواء مفتش فرع القاهرة لمباحث امن الدولة وذلك رغم إن العقيد منير محيسن قد قرر انه هو الذي حرر محضر التحريات وهو الذي استصدر الأذن بناء على اتصال تليفوني أجراه مع السيد رئيس النيابة هذا فضلا عن انه لم يتم إتباع الإجراءات القانونية لاستصدار الأذن ولم توافر حالة الاستعجال التى تستدعى استصداره بطريقة التليفون كما لم تتوافر أيضا الدلائل الكافية اللازمة لصدوره
ومن حيث انه من المقرر انه لا يشترط القانون إلا إن يكون الأذن شأنه في ذلك شأن سائر إجراءات التحقيق ثابتا بالكتابة وفى حال الاستعجال قد يكون إبلاغه بالمسرة أو ببرقية أو بغيرة ذلك من وسائل الاتصال
كما إن الأذن الصادر من السلطة القضائية أذا لم يكن نوطا بشخص معين جاز لكل رجل من رجال الضبطية القضائية تنفيذه كما إن تقدير جدية التحريات وكفايتها لا صدار الامر بالتفتيش آمر موضوعي تقدره سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع
ومن حيث انه وبطالعه الأوراق تبين إن العقيد منير محيسن بإدارة مباحث امن الدولة فرع القاهرة قد حرر محضرا بتاريخ 19/1/1977 الساعة الواحدة صباحا اثبت به انه بالنسبة لإحداث الشغب والمظاهرات التى حدثت بالمدينة صباح أمس 18 الجاري فقد ثبت من التحريات والمعلومات التى توفرت لدى الفرع إن المتزعمين والمحركين لتلك الأحداث من العناصر الماركسية ومدعى الناصرية وهم صلاح الدين عيسى وآخرين 44 متهما وانتهى إلى إقفال المحضر مع العرض واثبت في نهاية ذلك المحضر تأشيرة مفادها للعرض على السيد رئيس نيابة امن الدولة العليا رجاء الأذن بضبط المذكورين وتفتيشهم وتفتيش منازلهم ومن يتواجد معهم ثم اثبت بتاريخ 19/1/77 الساعة 3.45 تم الاتصال بالأستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة العليا تليفونيا وتلي عليه المحضر وما تضمنه من أسماء المطلوب ضبطهم وتفتيشهم فأفاد بأنه اصدر إذنا كتابيا بذلك في تاريخ وساعة الاتصال وأملى تليفونيا مضمون هذا الأذن لسرعة تنفيذةلدواعى الاستعجال التى تقتضيها حاله الأمن على إن يرسل فيما بعد الأصل المكتوب لهذا الأذن وبتاريخ 19/1/77 الساعة 3.45 صباحا حرر السيد الأستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة العليا محضر اثبت به أنة اتصل به أمس اللواء مفتش المباحث العامة بفرع القاهرة وتلا عليه تليفونيا فحوى محضر التحريات الفرع عن أحداث الشغب التى وقعت في ذلك اليوم بالقاهرة متضمنا أسماء من ذات هذه التحريات على تحريضهم عليها ومشاركتهم فيها ومجموعهم أربعه وأربعين ( ذكرت أسمائهم )
وإذ تقوم هذه التحريات على دلائل معقولة على ارتكاب المتهمين جرائم الإثارة والتحريض على التجمهر والتظاهر والمساهمة مما يسوغ معه ضبطهم وتفتيشهم فقد أذن لاى من السادة ضباط مباحث امن الدولة بضبط المذكورين وتفتيش اشخاصهم ومساكنهم ومقار عملهم وتفتيش اى شخص يتواجد معهم حال التفتيش مت قامت على اتهامه أمارات قوية وبضبط ما لديهم من أوراق ونشرات أو غيرها متصلة بالجريمة على إن يتم ذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ إصدار الأذن وقد حرر الأصل المكتوب للإذن وأملى مضمونه تليفونيا في حينه لتفيد مقتضاه لدواعي الاستعجال وحمل الأذن توقيع رئيس النيابة 328
والذى تستخلص المحكمة من استعراضها لوقائع وملابسات إصدار الأذن سالف الذكر إن محرر المحضر المتضمن للتحريات العقيد منير السيد محيسن وتم عرضه على السيد اللواء مدير الفرع الذي اتصل تليفونيا بالسيد رئيس النيابة امن الدولة العليا وتلا عليه ما احتوى عليه ذلك المحضر فاصدر السيد رئيس النيابة إذنا التفتيش واتلاة تليفونيا
وقد توافرت لهذا الأذن أركانه القانونية وشرائط صحته فقد صدر بناء على تحريات تتسم بالجدية والكفاية لتسويغ طلب إصداره وتوصل إليها فرع مباحث امن الدولة بالقاهرة بالنسبة لمن تزعم أحداث 18 و 19ينير 1977 وتحقق ظرف الاستعجال المتمثل في اضطراب حالة الأمن ووقوع جرائم الحريق والإتلاف والسرقات والذى استرعى الاتصال تليفونيا بالسيد رئيس النيابة وعرض المحضر عليه وتلقى أذن الضبط والتفتيش بطريق التليفون أيضا مع وجود الأصل المكتوب لهذا الأذن ثم إن ذلك الأذن قد خول ضباط مباحث امن الدولة إجراء الضبط والتفتيش دون تحديد أشخاص معينين مما يضحى معه الجدل حول تحديد الشخص الذي اتصل تليفونيا وتلقى الأذن بلا أهمية ولا طائل وراءه
ومن ثم فأن أذن التفتيش سالف الذكر قد صادف صحيح القانون ويكون الطعن عليه بالبطلان في غير محله ويتعين رفض الطعن الذي أبداه الدفاع عن المتهمين بالبطلان
ومن حيث إن المادة 98 أعقوبات تنص على إن يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لأتزيد على عشر سنين وبغرامة لا تقل عن مائه جنيه ولاتتجاوز ألف جنيه كل من انشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعيات أو هيئات أو منظمات ترمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب النظم الاساسبة الاجتماعية والاقتصادية وان يكون استعمال القوة والإرهاب أو أية وسيله أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك 0
ولا يكفى في مجال التجريم والعقاب وفقا لنص المادة سالفة الذكر إن يقوم من يواجه الاتهام بإنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة الجمعية أو الهيئة أو المنظمة وان ترمى اى منها إلى سيطرة طبقة على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظام الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم اى نظام من النظم الأساسية بل لا بد إن يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف غير المشروعة عن طريق وسائل محددة هي القوة والإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة
ويتحقق استعمال القوة بجميع وسائل العنف المادي على الأشخاص أو التهديد باستعمال السلاح كما يتحقق الإرهاب بكافة وسائل الضغط الادبى والإتلاف أو التخريب أو تعطيل المرافق ويعتبر مفهوم القوة حسبما سبق القول عن الحديث عن ركن القوة الذي نصت عليه المادة 98 أ عقوبات هو مدلول القوة حسبما نصت عليها المادة 87 عقوبات
ولقد تولى الفقه والقضاء تحديد تلك الوسائل وتبيانها فاتحة الرأي بداءة إلى إن يكفل توافر شرط استعمال القوة أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة إن تقوم الدعوى إلى نظام أو مذهب يرمى إلى التغيير بالقوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ولو لم يدر بخلد الحض على القوة أو على استعمال وسائل غير مشروعة وكان سند هذا الرأي الحكم الذي أصدرته محكمة النقض بجلسة 16/13/1935 وجاء به أذا كان ما جاء بالمنشور تحبيذا للنظام السوفيتي وإنه هو النظام الوحيد الذي يقضى على النظم الرأسمالية فإن هذه العبارات تتضمن تحبيذا وترويجا لمذهب يرمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية بالقوة أو بالإرهاب أو بوسائل أخرى غير مشروعة وذلك لان النظام السوفيتي أو المذهب الشيوعي كما هو مطبق في روسيا يقوم على أساس استيلاء العمال مباشرة على مقاليد الحكم في الدولة إذ كانت تعتبر كل وسيلة أخر لبسط النظام الشيوعي غير فعالة
إلا انه قد عدل عن هذا الرأي الذي يعتبر مجرد العودة إلى النظام الشيوعي ينطوي على تحقق ركن القوة المنصوص عليه في المادة98أ عقوبات واعتنق وجهه نظر أخرى تتفق ومقتضيات العقل والمنطق وتتوافق مع قصد المشرع فيما اشترطه من وجوب إن يكون استعمال القوة والإرهاب أو الوسائل الأخرى غير المشروعة ملحوظا فاشترط انه يجب إن يكون مفهوما وبطريق اللزوم القطعي إن تحقيق الدعوة إلى إحداث تغييرات اجتماعية أو اقتصادية يتوقف على استعمال القوة أو أية وسيلة غير مشروعة وإن كان لا يشترط إن تبدأ المنظمة في استعمال هذه القوة أو تلك الوسيلة بل يكف مجرد التحقق من إن المنظمة قد لاحظت هذه الوسيلة واعتمدت عليها في تنفيذ أهدافها
وقد عبرت محكمة النقض عن اعتناقها لهذا الرأي في حكمها الصادر بجلسة 27/2/1961 والذى ذهبت فيه إلى انه أذا كان الحكم وان أورد في بيانه لمضمون الأوراق والكتب المضبوطة بعض الإغراض المنشودة فإنه لم يوضح مطابقتها للأهداف المؤثمة في القانون فهو لم يستظهر من واقع المضبوطات أو من ظروف الدعوى وأقوال الشهود التى حصلها إن الالتجاء إلى القوة أو الإرهاب أو إلى أية وسيلة أخرى غير مشروعة كان ملحوظا في تحقيقها الأمر الواجب توافره للعقاب على جريمتي الانضمام إلى اى جمعية ترمى إلى قلب نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية بالقوة والترويج لاى مذهب يهدف إلى ذلك ولا يغير من الأمر مذاهب إليه الحكم منة نسبة تهمة الشيوعيةاليه لان ذكر هذا الاصطلاح الذي لم تتضمنه نصوص القانون ولم تورد له تعريفا لا يغنى عن بيان العناصر التى تتألف منها الجرائم التى استند إليها الحكم في الإدانة كما هي معرفة به في القانون
ولقد تبنى الفقه هذا الرأي
كما إن هذه المحكمة تلتزم في قضائها فى هذه الدعوى بهذا النظر الذي ترعى إن يتمشى مع اعتبارات العدالة ويجسد بصدق ما قصد إليه المشرع عندما تحدث عن القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة كما انه يتلاءم مع المنطق والمعقول
وتبدأ المحكمة باستعراض الاتهام المنطبق على نص المادة 98أ عقوبات ثم الأدلة التى سبقت للتدليل على صحة ذلك الاتهام
ومن حيث إن النيابة العامة قد وجهت للمتهمين من الأول حتى الحادي والثمانين أنهم أنشأوا منظمة ترمى إلى قلب النظم الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية باستعمال القوة والإرهاب والوسائل الأخرى غير المشروعة بأن شكلوا منظمة شيوعية سرية باسم حزب العمال الشيوعي المصري تروج لهدم النظام الاساسى المقرر والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد عن طريق عودة الجماهير بواسطة النشرات السرية وغيرها من أساليب الدعاية المثيرة إلى القيام بثورة شعبية للإطاحة بالسلطة الشرعية وفرض النظام الشيوعي بالقوة بأن دبرت وشاركت عناصرها في اطارتنفيذ المخططات الهدامة لحزبهم في التجمهر وقيام المظاهرات والاضطرابات على نطاق شامل من خلال يومى 18و 19 يناير 1977 بإثارتها جماهير الدهماء بالهتافات والنشرات وغيرها من ألوان الدعاية المغرضة ودفعها إلى ارتكاب جرائم التظاهر والتخريب ومقاومة السلطات وسواها من الجرائم الجسيمة التى وقعت خلال هذين اليومين وانتظمتها تحقيقات النيابة العامة المشار إليها بالأوراق
مستهدفين من ذلك إشعال ثورة شعبية تقضى على نظام الحكم القائم وتفرض الشيوعية بالعنف والإرهاب وخاب اثر محاولتهم نتيجة إحباطها بما تم اتخاذه من تدابير الأمن والنظام ٍ
كما نسبت إلى المتهمين من الخامس والثمانين حتى الثامن والعشرين بعد المائة أنهم أنشأوا منظمة ترمى إلى قلب النظم الأساسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والوسائل غير المشروعة ملحوظا في ذلك بأن شكلوا منظمة شيوعية باسم الحزب الشيوعي المصري تسعى إلى القضاء عل الأنظمة الأساسية السياسيةوالاجتماعيةوالاقتصادية القائمة عن طريق مناهضة السلطة الشرعية والدعوة لإقامة تحالفات معادية لمجابهتها وتأليب الجماهير ضدها بالنشرات السرية وغيرها من الوسائل التشهير والدعاية التى تشتمل على تحبيذ الإضراب والتظاهر بهدف تغيير السلطة بهذه الوسائل غير المشروعة وتحقيق يةالنظام الشيوعي
ومن حيث إن النيابة العامة قدمت في مجال إثبات هذا الاتهام المسند إلى المتهمين سالفى الذكر الأدلة والقرائن ودلائل الثبوت الآتية
1. مذكرات ومعلومات وتحريات مباحث امن الدولة
2. شهاه ضباط مباحث امن الدولة
3. شهادة الشهود الذين قدمتهم مباحث امن الدولة وهيئة الأمن القومي
4. شهاه غير هؤلاء وأولئك من الشهود
5. اعترافات من اعترف من المتهمين
6. الأوراق والنشرات والمطبوعات التى قدمتها مباحث امن الدولة مرفقة بمحاضر التحريات والمعلومات المقدمة منها
7. الأوراق والنشرات والمطبوعات والمخططات التى ضبطت مع المتهمين
8. التسجيلات
9. الصور الشمسية
ومن حيث إن المحكمة سوف تتولى فيما يلى استعراض كل دليل من أدلة الثبوت سالفى الذكر ومناقشته وتمحيصه لتستبين مدى سلامة هذا الدليل وجديته ومطابقته للقانون حتى تستخلص عقيدتها حول توافر أركان الجريمةالمسنده للمتهمين سالفى الذكر
ولتعمل فيه حكم القانون لتقضى في الدعوى بما يطمئن أليه وجدانها ويتحقق به العدل على هدى من الواقع والقانون 0
ومن حيث إن المحكمة وقبل مناقشتها لأدلة الثبوت لابد لها إن تعرض بالبحث والدراسة لإحداث يومى 18و19 يناير تلك الأحداث التى أورد قرار الاتهام إن المتهمين المنتمين إلى حزب العمال الشيوعي قد حرضوا عليها وشاركوا فيها سواء بالتجمهر أو قيادة المظاهرات وما صاحب ذلك من تحريض وتخريب وإتلاف وجرائم أخرى عديدة
ولكن المحكمة وهى تتصدى لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها إن تستكشف عللها وحقيقة أمرها لابد إن تذكر ابتداء إن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصري
فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول على طعامهم وشرابهم ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعودا مستمرا في الأسعار مع ثبات مقدار الدخول ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية وتمتزج بها امتزاجا فهم مرهقون مكددون في تنقلهم من مكان إلى أخر بسبب أزمة وسائل النقل وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص في الخدمات وتعثر فيها
وفوق ذلك كان إن استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلى قلوب الناس والشباب منهم خاصة من الحصول على مسكن وهو مطلب اساسى تقوم عليه حياتهم وتنعقد أمالهم في بناء أسرة ومستقبل
وسط هذه المعاناة كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة في ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء وتعرض عليهم الحلول الجذرية التى سوف تهىء أزماتهم وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم
وبينما أولاد هذا الشعب غارقون في بحار الأمل التى تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباح مساء إذ بهم وعلى حين غرة يفاجئون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التى تمس حياتهم واقواتهم اليومية
هكذا دون إعداد أو تمهيد
فأى انفعال زلزل قلوب هؤلاء واى تناقص رهيب بين الآمال وفد بثت في قلوبهم قبل تلك القرارات وبين الإحباط الذي أصابهم به صدورهم
ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل إن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون
وإذ بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير
وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق إن يجدا لهما متنفسا
وإذ بالإعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلى الطرقات والميادين وكان هذا الخروج توافقيا وتلقائيا محضا
وإذ بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات إلى وأدت الرجاء وحطمت الآمال
وحاولت جهات الأمن إن تكبح الجماح وتسيطر على النظام ولكن أنى لها هذا والغضب متأجج واللآلآم مهتاجة
ووسط هذا البحر الهادر وجد المخربين والصبية سبيلا إلى إرضاء شهواتهم الشريرة فإذا بهم ينطلقون محرقين ومخربين ومتلفين وناهبين للأموال وهم في مأمن ومنجاة
وقد التهبت انفعالات هاته الجموع وتأجج حماسهم عندما تعرض لهم رجال الأمن المركزي بعصيهم ولدروعهم وقنابلهم المسيلة للدموع فكان إن اشتعلت الأحداث وسادت الفوضى ولم يكن من سبيل لكبح الجماح وإعادة الأمن والنظام إلا فرض حظر التجول ونزول رجال القوات المسلحة إلى الميدان وأمكن حينئذ وبعد جهد خارق استعادة الأمن والنظام
والذى لا شك فيه وتؤمن به المحكمة وطمئن إليه ضميرها ووجدانها إن تلك الأحداث الجسام التى وقعت يومى 18 و 19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار قرارات الاقتصادية برفع الأسعار فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب
ولا يمكن في مجال العقل والمنطق إن ترد تلك الأحداث إلى سبب أخر غير تلك القرارات
فلقد أصدرت على حين غرة وعلى غير توقع من احد
وفؤجىء بها الناس جميعا بما فيهم رجال الأمن فكيف يمكن في حكم العقل إن يستطيع احد إن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلى الشارع للناس محرضا ومهيجا
إن هذا الفرض غير مقبول ولا معقول ذلك أنه لم يقع اى فاصل زمني بين إعلان القرارات وخروج الناس فما كادوا يقرؤون ويسمعون حتى خرجوا مندفعين من تلقاء أنفسهم لم يحرضهم احد ولم يدفعهم فرد أو تنظيم ليعلنوا سخطهم وغضبهم
وهذا التلاحم الزمني بين إعلان القرارات واندفاع الجماهير ينفى تماما احتمالات التحريض والإثارة أو استغلال الموقف أو ركوب الموجه لأن فردا مهما بلغت قوة ودراية وتنظيما ومهما كانت سرعته ودقة تخطيطه لايستطيع إن يحرك هذه الجموع الحاشدة في لحظات ولا يسيطر على مشاعرها ليوجهها إلى تحقيق أغراضه ثم هو لا يستطيع إن يدفعها لتقوم بأعمال حرق والتخريب والنهب والإتلاف ذلك إن مثل هذه الإعمال الشريرة لابد إن تصاحب بطريق اللزوم العقلي والتلقائية المحضة لابد وان تصاحب مثل هذه الاضطرابات الأمنية الكبيرة فيقع الكثير منها بحكم اندساس اللصوص والمنحرفين ليمارسوا نشاطاتهم في ذلك الخضم الهائج امنين مطمئنين إن يمسك بهم احد
وإذن أذا قالت سلطة الاتهام إن هناك من المتهمين من حرضوا على تلك الأحداث مما أدى إلى اشتعالها ووقع ما صاحبها من جرائم وإنهم كانوا يريدون إشعال الثورة الشعبية فإن قولها هذا ليساير مقتضيات المنطق
كما إن مجريات الأحداث في هذين اليومين لا تتفق مع هذه القالة بل تناقضها تماما من ناحية أسبابها وما وقع فيها من أفعال
وتنتهي المحكمة من ذلك كله إلى إن القول بوقوع تحريض من المتهمين المنسوب إليهم الانتماء إلى حزب العمال الشيوعي هو قول لا ينهض عليه دليل بالأوراق
ويدحضه تماما ملابسات الأحداث وأسبابها ونتائجها ومما يدل على سلامة هذا النظر أن الحكومة قد سارعت وأعلنت بكل الوسائل عدولها عن تلك القرارات أملا منها في أن هذا العدول سوف يهدئ النفوس
واستنادا إلى ذلك فإن المحكمة ترى إن ما ذهبت أليه سلطة الاتهام حسبما سلف ذكره لا يجد سندا من واقع الأوراق ولا من واقع الأحداث ذاتها والتي أخذت في أسبابها ودوافعها حسبما انتهت إليه المحكمة أنفا حكم العلم العام وأصبح ذلك حقيقة يقينية لامراء فيها
مما يقتضى إن تلتفت المحكمة عما ذهبت اليه سلطة الاتهام في هذا الخصوص
ومن حيث إن المحكمة تبدأ بإستعراض ادلة الثبوت التى استندت اليها النيابة العامة وتبدأ بالتحريات
ومن حيث انه من المستقر عليه قضاء انه وان كان الأصل إن للمحكمة إن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من ادلة ما دامت إنها كانت مطروحة على بساط البحث
إلا أنها لاتصلح وحدها لان تكون قرينة معينة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة 0
وسوف تناقش المحكمة المذكرات ومحاضر المعلومات والتحريات المقدمة من إدارة مباحث أمن الدولة لتستبين مدى فاعليتها في تعزيز ادلة الدعوى
وتلاحظ المحكمة على تلك المحاضر ابتداء أنها قد أعدت وقدمت للنيابة العامة التى قدمتها بدورها إلى المحكمة على أساس إن ضباط مباحث امن الدولة قد استقوها من مصادرهم التى لم يفصحوا عنها 0
فهي أذن معلومات وتحريات ذات مصدر مجهول وهذا التجهيل الذي أحاط بالمصدر تثور معه الظنون حول سلامة وجدية المعلومات التى قدمها إلى رجال المباحث فقد تكون تلك المعلومات قد اتسمت بالمبالغة أو التهويل أو التجسيد أو استغلال المواقف
ثم إن هؤلاء الضباط عندما تلقوا هذه المعلومات التى أحاطت السرية بمصادرها قد أضافوا اليها معلومات سابقة ليقدموا جماع ذلك إلى النيابة العامة في صورة محاضر بالمعلومات والتحريات
ومن هذا الخليط من المعلومات التى اعتمدت على مصادر مجهولة ومعارف وأراء تقوم على الاستنتاج والاستنباط كان هذا الحصاد من المحاضر والتحريات وهو ما لا يمكن التعويل عليه في مجال تعزيز الدليل المثبت للفعل المؤثم 0
ومع ذلك قد اتسمت تلك التحريات بالعجلة التى أفقدتها ما ينبغي لها من دقة وتمحيص ثم انه قد اعتراها التناقض والتضارب والغموض بل إن هذه التحريات في بعض مناحيها كانت مستحيلة الحدوث والتصديق 0
في ظل تلاحق الأحداث يومى 18 و19 يناير 1977 اندفع رجال المباحث في تقديم محاضرهم متلاحقة مثبتين فيها تحليلا للإحداث وتحديدا للقائمين بها أو المحرضين عليها بإعداد كبيرة
فصدرت لهم أذون الضبط والتفتيش
وإذ بالنيابة العامة تستبعد جل هؤلاء الأشخاص فلم تستبق منهم في مجال الاتهام إلا ذلك العدد من المتهمين 176 متهما
ثم أن هذه المحاضر وهى في عجلة من أمرها أوردت أسماء أشخاص باعتبارهم مشاركين في الأحداث وتبين أنهم كانوا بالخارج عندما وقعت
بل إن تلك التحريات قد انصبت على أشخاص لا صلة لهم بالإحداث من قريب أو بعيد هذا فضلا عن التضارب والاختلاف في تحديد ذلك من واقع الأوراق
1. احمد لطفي حسونة وحسن عبد المنعم حسين الحيوان 00جاء بكتاب مباحث أمن الدولة إلى النيابة بتاريخ 8/2/1977 إنهما من المتعاونين مع الإدارة رغم إن اسميهما جاء بمحاضر التحريات 0
2. محمد احمد يوسف ورد بشأنه الكتاب رقم 1357 إلى النيابة انه من المتعاونين مع احد السادة ضباط الفرع في متابعة النشاط 0
3. على السيد مشال وهو من مصادر مباحث أمن الدولة قبض عليه وفتش منزله
4. صدر أذن النيابة العامة بضبط وتفتيش محمد خليل خليل بإعتبارة عضوا بحزب العمال الشيوعي المصري وقبض عليه فعلا إلا إن إدارة المباحث تبينت فيما بعد إن هذا الشخص لا صلة له بالنشاط وانه موظف بالقوات المسلحة وان المطلوب هو محمد حسن خليل الطالب بكلية الطب
5. فتش منزل احمد رفاعي السيد بتاريخ 22/1/77 وثبت انه بالخارج
6. فتش منزل عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل بتاريخ 21/1/77 وثبت انه معار الى ى ليبيا منذ مدة طويلة
7. فتش منزل محمد على يوسف بتاريخ 22/1/77 وثبت انه معار إلى الكويت منذ ستة شهور
8. ذكرت مذكرة مباحث امن الدولة المؤرخة 21/1/77 إن عدد اعضاء اللجنة المركزية لحزب العمال الشيوعي تسعة اعضاء بينما ورد بالمذكرة المؤرخة 19/1/77 أن عددهم اثنا عشر عضوا
وإيراد أسماء الغائبين عن البلاد ضمن من حرضوا على الأحداث أو شاركوا فيها يجعل المعلومات التى حوتها محاضر التحريات في بعض مناحيها مستحيلة التصديق
وإلا فكيف يمكن إن يطمئن ضمير القاضي إلى تحريات يقدمها له رجال الضبط ثم يتضح إن بعض الأسماء الواردة بها كان أصحابها خارج البلاد وقت وقوع الأحداث 0
إنه ليس هناك صورة أوضح ولا أكثر جلاء على عدم جدية التحريات وسلامتها من هذه الصورة بل إن تلك التحريات قدمت أشخاصا باعتبارهم مشاركين في الأحداث والقي القبض عليهم وفتشت منازلهم ثم تبين بعد ذلك أنهم من مصادر مباحث امن الدولة
وكأن العجله التى قدمت فيها محاضر التحريات والاندفاع الشرير قد حال بين مقدميها وبين تمحيص ما تلقوه من معلومات واستبعاد الزائف والكاذب منها وتقديمها صورة مقبولة عقلا فإذا بهم يخلطون بين الغائب والحاضر وبين مصادرهم وغيرهم من المشاركين في الأحداث فأي شطط لحق بتلك التحريات والمعلومات يضعف منها بل ويهدرها إهدارا
ومن حيث إن المبادئ القانونية التى استقرت واطردت عليها أحكام لقضاء إن الأصل في الأحكام الجنائية أنها تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجرية المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود مادام سماعهم ممكنا
كما إن الأصل إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزلة المنزلة التى تراها وتقدرة التقدير الذي تطمئن اليه
إلا أنة يشترط في أقوال الشاهد التى يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيارا وهى لاتعتبر كذلك إذا صدرت أثر إكراه ايا كان نوعه وكلئنا ما كان قدرة
كما إن الشهادة في الأصل هى تقدير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه 0
كما إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها الشهادة متروك لمحكمة الموضوع بغير معقب 0
كما انه من المقرر إن لمحكمة الموضوع أن تنزل أقوال الشهود وتقدرها التقدير الذي تطمئن اليه دون إن تكون ملزمة ببيان سبب اطرحاها إلا انه متى أفصحت عن الأسباب التى من اجلها لم تعول على أقوال الشاهد فإنه يلزم إن تكون ما أوردته واستدلت به مؤديا لما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل والمنطق
ومن حيث إن المحكمة على هدى المبادئ القانونية المستقرة سالفة الذكر فأنها سوف تناقش أقوال الشهود الإثبات الذين قدمتهم النيابة العامة في مجال التدليل على ثبوت الاتهام معولة في ذلك على ما اجرتة من تحقيق شفوي في مجلس القضاء بالإضافة إلى شهادتهم التى أدلوا بها في التحقيقات
ومن حيث انه بالنسبة لشهود الإثبات من رجال مباحث امن الدولة فإن المحكمة سوف تتناول شهادتهم استعراضا وتقييما ومقارنة مع مقتضيات العقل والمنطق ومع المعايير التى حدد تها أحكام القضاء حتى يتم التعويل عليها أو اطراحها في مجال التدليل والإثبات
وتبدأ المحكمة بشهادة العميد محمد فتحي قتة رئيس النشاط الخاص بمباحث أمن الدولة
ومن حيث انه باستعراض الشهادة إلى أدلى بها العميد محمد فتحي قتة فإنها تجمل في أنه قد تكونت تنظيمات شيوعية منها حزب العمال الشيوعي والحزب الشيوعي المصري تهدف إلى إسقاط النظام القائم وذلك من خلال النفاذ إلى التجمعات الطلابية والعمالية لإثارتها وتحريضها على التظاهر والإضراب واستغلال المطالب الفئوية وإصدار النشرات التنظيمية والجماهيرية مثل الانتفاضة والانتصار
وكذلك من خلال تجنيد عناصر وتسكينها في خلايا 0
ويعتبر إسقاط النظام وتطبيق النظام الشيوعي هو الهدف النهائي لكلا التنظيمين 0
إلا انه هناك أهدافا مرحلية تسبقة ولكنه لا يستطيع تحديد المرحلة التى وصل اليها اى منهما 0
إلا إن المنتمين إليهما قد وصلا إلى ذروة تلك المراحل عند أحداث 17 و 18 يناير 1977 ووسيلتهم هى التحريض والتظاهر تخريب المرافق العامة وذلك بدليل قيادتهم للمظاهرات وهم من اعضاء الحزبين المسجلين بالإدارة كما أنهم لا يمكن لهم الوصول إلى إغراضهم بإسقاط النظام وتغيير النظم الأساسية عن طريق السلم والمجلس النيابى0
ولا يقطع بوقوع اتفاق بين الحزبين ولكن هناك توافق بينهما 0
كما لايمكن لاى من أعضائهما التحرك إلا بناء على تكليف حزبي مسبق إذ من سمات التنظيمات الشيوعية نظام التدرج بالمستويات 0
ويشير التحرك في توقيت معين ومناسبة محددة انه تحرك حزبي وليس عفويا و إن كان لا يوجدليه دليل أو وقائع معينة على التحرك التظيمى
وأعضاء التنظيمين يتوصلون إلى هدفهم النهائي عن طريق مراحل بالتجنيد ونشر الفكر والإضراب المحدود ثم إلى تفجير الموقف الداخلي بما يجعل الحكومة في حالة عجز ولا بد للوصول إلى هذه النتيجة من استعمال العنف الذي يتمثل في الحريق والتخريب , هذا فضلا عن إن الماركسية تحمل في طياتها العنف وأضاف هذا الشاهد انه لولا نزول القوات المسلحة لكان ممكنا إن يصل الحزبان الشيوعيان إلى هدفهما بإسقاط النظام وبسط الحكم الشيوعي ثم ذكر هذا الشاهد إن معلوماتهم تستقى من المصادر والتسجيلات والاجتماعات التنظيمية للحزبين 0
ومن حيث إن المحكمة بعد استعراضها لشهادة العميد محمد فتحي قتة ليستوقفها على تلك الشهادة الملاحظات التالية :
1- انه رد المعلومات التى أدلى بها إلى مصادر جندتها إدارة مباحث امن الدولة أو تطوعت بتقديم المعلومات والى المعارف المدونة في السجلات لدى الإدارة والى المتابعة السابقة للنشاط الشيوعي فضلا عن المعلومات التى نقلت اليه من رجال الإدارة إبان الأحداث ونفى إن يكون قد نزل إلى الميدان ليتابع بنفسه ويرى
ومعلوماته استنادا إلى ماقررة هو نسه هى معلومات منقولة وليست شهادة الناقل كشهادة المدرك بحواسه 0
2- إن ذلك الشاهد قد اعتمد في كثير من تقريراته على الاستنتاج والاستنباط فهو يقرر انه لا يمكن إن يتحرك احد من اعضاء الحزبين إلا بناء على تكليف حزبي كما يقرر انه لا يمكن لهذين الحزبين إن يتوصلا إلى هدفهما النهائي بإسقاط النظام إلا بالعنف كما انه لابد وان يتوافق الحزبان في أهدافهما ووسائلهما وتحركمهما فكل هذا الرأي الذي قرره الشاهد إنما
جاء بطريق الاستنتاج والاستنباط دون إن يقوم عليه دليل يدعمه ولما كان الإثبات في المواد الجنائية إنما يقوم على الدليل اليقيني وما يعززه من قرائن مما تطمئن اليه المحكمة وتقتنع به كما إن الأحكام الجنائية إنما تبنى على الجزم واليقين
فأن ما قرره الشاهد استنتاجا وما قد يعتور الاستنتاج والاستنباط من احتمالات الخطأ والبعد عن الحقيقة والواقع فإن ذلك يخرج عن مجال الشهادة التى تعتمد على الإدراك الحسي ومن ثم فأن المحكمة لا تعول كثيرا على ما أدلى به الشاهد في شهادته مستنتجا ومستنبطا 0
3-إنه رغم ما أحاط بشهادة هذا الشاهد من عوامل الضعف فإن استعراض المحكمة لها لا ينبئ على إن المتهمين المنسوب إليهم الانتماء للحزبين الشيوعيين اللذين يقصدان قلب نظام الحكم أو تخيير النظم الأساسية للمجتمع قد استعملوا القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة أو حتى كان في مخططهم استعمالها 0
فهو لم يجزم بأن اى من المتهمين الذين قادوا المظاهرات كان موجهها من ذلك الحزب الذي ينتمي إلية كما لم يجزم بأن الحزب الشيوعي المصري كان مشاركا في الأحداث هذا فضلا عما سبق إن انتهت اليه المحكمة من اقتناعها إن تلك الأحداث كانت تلقائية ونتيجة مباشرة لقرارات رفع الأسعار ولايمكن إن يدخل بعد ذلك في مجال استعمال القوة المادية أو المعنوية تعليق مجلة حائط في جامعة وضعت لها ضوابط محددة أو الخروج ى مسيرة سلمية إلى مجلس الشعب للمطالبة ببعض الإصلاحات أو باعتناق المنتمين إلى هذا التنظيم أو ذاك أفكار لكر معين مادام لم يصحب ذلك مظاهر للعنف والإرهاب في صورة مادية كاستعمال السلاح والتهديد باستعماله أو ارتكاب فعل من أفعال التخريب أو الإتلاف أو تعطيل المرافق وهذا بالاضاة إلى انه لم يرد في أقوال هذا الشاهد إن ثمة تحريضا على الإضراب أو التظاهر ارتكبه هؤلاء المتهمون واتخذ شكل واقعة محددة حاكمه سوى ما قرره بشأن التحريض على الأحداث خاصة وانه نفى انه شاهد بنفسه وسمع ورأى ومن ثم فأن المحكمة لاتحد في طيات شهادة هذا الشاهد دليلا يقينيا أو قرينة مقنعة على إن ايا منة الحزبيين الشيوعيين قد توافرت في حقه ركن استعمال القوة أو الإرهاب أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة وإنما جاءت شهادته منقولة لمعلومات مرتكزة على الاستنتاج خالية من الوقائع المحددة التى تضمنها حكم المادة 98 أ من قانون العقوبات