جرائم ضد الإنسانية

إن تُهم الجرائم ضد الإنسانية مطلوبة كذلك لعرض النطاق الكامل للنشاط الإجرامي في دارفور منذ عام ٢٠٠٣، تحديدًا أعمال القتل والاغتصاب والتهجير القسري والإهلاك المرتكبة في حق كل من أفراد الجماعات المستهدفة والجماعات العرقية الصغيرة الأخري مثل التنجر، والارينقا، والبرقد، والمسيرية جبل، والميدوب، والداجو، والبرقو. بالرغم من أن الهجمات ضد هذه الجماعات شُنت علي خلفيات عنصرية، لا توجد في الوقت الراهن أدلة كافية لتوجيه تُهمة ارتكاب الإبادة الجماعية ضد هذه الجماعات.
جرائم الحرب
في جميع مراحل الفترة المتعلقة بالتُّهم، كانت الحكومة السودانية تشن حملة عسكرية في دارفور ضد قوات التمرد المسلح، منها حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وتُجند كل من الحركتين قواتها، بشكل أساسي، من قبائل الفور والمساليت والزغاوة. ومن المعلوم جيدًا أن الحكومة السودانية اعتمدت علي المليشيا/ الجنجويد.
لقد ارتكب أيضًا البشير، من خلال أشخاص آخرين، جريمة حرب بنهب البلدات والقُري في دارفور شملت، مثالاً وليس حصرًا، كُدوم، وبنديسي، ومُكجر، وأرولا، وشطاية، وكيلي، وبُرام، ومُهاجيرية، وسيراف جداد، وسيلا، وسيربا، وأبو سُروج، وقُري في منطقة جبل موون.
ج -المسؤولية الشخصية لعمر حسن أحمد البشير
إن البشير يسيطر علي الجُناة ويوجههم. إن ارتكاب جرائم بمثل هذا النطاق ولمثل هذا الوقت الطويل، واستهداف المدنيين لاسيما الفور والمساليت والزغاوة، والحصانة التي يتمتع بها الجُناة، والتستر المستمر علي الجرائم من خلال التصريحات الرسمية العلنية، يعتبر بمثابة أدلة علي وجود خُطة قائمة علي تعبئة أجهزة الدولة، من بينها القوات المسلحة، والأجهزة الاستخباراتية، والبيروقراطيات الدبلوماسية والإعلامية، والجهاز القضائي.
وضع البشير خطة تتضمن: فصل الموظفين الذين يعترضون علي ارتكاب الجرائم وتعيين موظفين أساسيين لتنفيذ ارتكاب الجرائم - أبرزهم أحمد هارون، دمج الميليشيا/ الجنجويد بالتعيين الرسمي لزعمائهم في هيكل السلطة السودانية، التنفيذ الموحد للهجمات ضد الجماعات المستهدفة في القري من خلال اللجان الأمنية علي مستوي كل عملية، رفع تقارير إلي اللجان الأمنية الولائية، رفع التقارير لأحمد هارون خلال الفترة من ٢٠٠٣ إلي ٢٠٠٥ بصفته مسؤولاً عن «مكتب أمن دارفور» وعضوًا بمجلس الأمن الوطني، نظام العقبات المعرقلة لتوزيع العون الإنساني، حملةالتضليل الإعلامي، التعمد في عدم مُعاقبة الجُناة.
إن البشير يشرف علي تنفيذ مثل هذه الخُطة من خلال موقعه الرسمي علي قمة كل هياكل الدولة وبصفته القائد الأعلي، كما أنه يتأكد من أن رؤساء المؤسسات المتورطة يرفعون تقاريرهم مباشرة له وذلك من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية. إن سيطرته مُطلقة.
مع أن جسامة الجرائم المرتكبة جذبت الاهتمام الوطني والدولي، إلا أن البشير مازال ينفي ويخفي باستمرار الجرائم المرتكبة ويبرئ نفسه ومرؤوسيه منها. طوال الفترة المتعلقة بهذا الطلب، ينفي البشير شخصيا ومن خلال مرؤوسيه وقوع هذه الجرائم. يستخدم البشير الأجهزة الاستخباراتية والأمنية السودانية لتضليل أكبر للرأي العام المحلي والدولي حول دارفور،
وذلك من خلال مركز السودان للإعلام الذي أسس في عام ٢٠٠٢ والذي يوجه توجيهات إلي كل المسؤولين للمساهمة في الحملة عبر إثارة قصص حول العودة الطوعية للمُشردين داخليا وبالقول إن دارفور مكان آمن يستطيع الناس أن يعيشوا فيه عيشة طبيعية.
نظرًا للاهتمام الدولي بدارفور، تُعتبر الإبادة الجماعية إستراتيجية فعالة لتحقيق التدمير الكامل بفرض ظروف ترمي عمدًا إلي الإهلاك المادي المقرون بإستراتيجية التضليل الإعلامي المدروس.. بمنع كشف الحقائق المتعلقة بالجرائم، وبإخفاء جرائمه تحت ذريعة «إستراتيجية مكافحة التمرد» أو الصراعات القبلية أو «أفعال مليشيا مستقلة خارجة عن نطاق القانون»، وبتهديد المواطنين السودانيين، وبمحاولة ابتزاز المجتمع الدولي في صمت، يمهد البشير لارتكاب المزيد من الجرائم.
يحرم البشير الضحايا من بلوغ نظام العدالة الجنائية، في حين يستخدم هذا النظام ضد الذين لا يمتثلون لأوامره الرامية إلي الإبادة. يحمي البشير مَرؤُوسيه ويرفعهم ويوفر لهم الإفلات من العقاب حتي يضمن رغبتهم في الاستمرار في ارتكاب الجرائم.
ويمكنه أن يأمر بإجراء تحقيقات مع منتسبي القوات المسلحة وقوات الأمن، ولكن لا يخضع للتحقيق سوي الذين يرفضون المشاركة في ارتكاب الجرائم، قام البشير بترفيع جُناة سيئي السمعة (موسي هلال، شكر اللّه، عبداللّه مسار، الجنرال عصمت)، ولكن أبرز أفعاله تتعلق بأحمد هارون المطلوب لدي المحكمة الجنائية الدولية.
قام أحمد هارون، بصفته وزيرًا للدولة بوزارة الداخلية ومسؤولاً عن «مكتب أمن دارفور»، بتجنيد وتعبئة المليشيا/ الجنجويد معتمدًا في ذلك علي الخبرة التي اكتسبها في تعبئة المليشيات القبلية في جنوب السودان في تسعينيات القرن الماضي.
في عدة مناسبات، أقر أحمد هارون علنًا بمهمته الرامية إلي القضاء علي الجماعات المستهدفة، قائلاً إن البشير قد منحه السلطة لقتل من يود قتله. وذكر قائلاً: «من أجل دارفور، مستعدون لقتل ثلاثة أرباع سكان دارفور حتي ينعم الربع الباقي بالعيش».
بعد قرار المحكمة بتاريخ ٢٧ أبريل ٢٠٠٧، سافر البشير إلي دارفور برفقة أحمد هارون وأعلن علي الملأ أنه لن يسلم علي الإطلاق أحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية، وأنه علي العكس سيستمر هارون في العمل في دارفور لتنفيذ أوامره.
إن قرارات إبقاء هارون في مثل هذه المناصب - وزير دولة بوزارة الشؤون الإنسانية حيث استطاع الإضرار بالضحايا في المخيمات، رئيس لجنة انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب وشمال السودان حيث يستطيع أن يضمن للجُناة الإفلات من العقاب، وعضو مجموعة المراقبة الوطنية بالـ «يوناميد» حيث استطاع التأثير علي نشر قوات حفظ السلام - كلها مُؤشرات واضحة للحماية التامة التي يوفرها البشير للذين ارتكبوا أفعال الإبادة الجماعية بناء علي أوامر مباشرة صدرت عنه.
د - النية الإجرامية للبشير
يضمر البشير نية الإبادة الجماعية، إذ أخضع عناصره وقواته جزءًا لا يستهان به من كل جماعة مُستهدفة، تعيش في مخيمات المشردين داخليا، لظروف ترمي إلي التدمير الجزئي لكل جماعة.
أثناء الهجمات، كانت قوات البشير تدلي باستمرار بتصريحات من قبيل: «إن أهل الفور عبيد، سنقتلهم»، «أنتم من قبيلة الزغاوة، فأنتم عبيد»، «أنتم من المساليت. لماذا تأتون إلي هنا؟ لماذا تأخذون مراعينا؟ لن تأخذوا شيئًا اليوم».
كان كلام المغتصبين يبين أيضًا بوضوح نيتهم في الإبادة الجماعية التي كانت تختفي وراء أفعالم» لما كانوا يغتصبوننا، كانوا يقولون إننا سنضع أطفالاً عربًا، وأنهم إذا التقوا بامرأة من أهل الفور سيغتصبونها من جديد لتغيير لون أطفالها».
وكان مرتكبوالجرائم الأخري يستعملون لغة، ليست فقط لغة حاطة من الجانب العرقي، بل كانت أيضًا لغة تنمّ عن نية الإهلاك: «أنتم سود.
لا يمكن أن يبق أي أسود هنا، ولا يمكن أن يبق أي أسود في السودان... إن سلطة البشير هي سلطة العرب، وسنقتلكم حتي آخركم»، «سنقتل جميع السود»، «سنطردكم من هذا البلد»، «نحن هنا للقضاء علي السود النوبة»، «لقد جاء ميعادكم، إن الحكومة قد سلحتني».
إن استهداف الضحايا المنتظم استنادًا إلي انتمائهم إلي مجموعة معينة، وعمليات التدمير الحقيقية، وانعدام التمييز عمدًا بين المدنيين والأشخاص ذوي المركز العسكري، وارتكاب الأفعال التي تهدّم أساس المجموعات، مثل أفعال الأغتصاب المعمّمة، أو الطرد علي نطاق واسع من الأراضي ومن دون إمكانية العودة أو إعادة تشكيل المجموعة،
والكلام الذي ينطق به مرتكبو الهجمات بشأن انتماء الضحايا العرقي، والاستراتيجية المصوغة التي ترمي إلي إخفاء الجرائم، والدليل علي وجود خطة، كل هذا يمثل مؤشرات تدلّ علي أنه لا يمكن الانتهاء إلا إلي استنتاج واحد، ألا وهو النية الإجرامية التي ترمي إلي الإبادة الجماعية.
استنادًا إلي هذه العوامل، يعد الاستنتاج المعقول الوحيد من الأدلّة هو أن البشير ينوي إهلاك جزء كبير من مجموعات الفور والمساليت والزغاوة بصفتها هذه.
ثالثًا - ضمان امتثال البشير أمام المحكمة
عملاً بمتطلبات المادة ٥٨ من نظام روما الأساسي، إذا كانت الدائرة التمهيدية مقتنعة بأن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جرائم تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، قد تصدر هذه الدائرة، بطلب من الادّعاء، أمرًا بإلقاء القبض أو تأمر بالحضور.
بموجب هذا الطلب، يدّعي الادعاء بأن الأدلّة والمعلومات الموجزة أعلاه، تمنح أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن الشخص، البشير، قد ارتكب الجرائم المزعومة. ويطلب الادعاء، بكامل الاحترام.
إصدار أمر بإلقاء القبض
قد تظهر ظروف من شأنها أن تغير هذا التقييم. وبالتالي يري الادعاء أن إصدار أمر بالحضور قد يمثل خيارًا بالنسبة للمحكمة إذا عبرت الحكومة السودانية، وهي التي قد تصدر الأمر بالحضور، وتضمن متابعته، وكذلك الشخص المعني، عن الرغبة في السير في هذا السبيل.

نقلا عن جريدة المصري اليوم العدد 1499