السبب الثامن : القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع

السبب الثامن : القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع
‏(لما كان تسبيب الأحكام يعد من أعظم الضمانات التى فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم ‏بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التى يعلنوها فيما يفصلون فيه من الأقضيه ‏وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والاستبداد ، لأنه كالعذر فيما يرتأونه ويقدمونه بين يدي الحضور ‏والجمهور ،  وبه يرفعون ما قد يرين على الأذهان من الشكوك والريبة ، فيدعون الجميع إلي عدلهن مطمئنين ‏ولا تنفع الأسباب إذا كانت عباراتها مجمله لا تقنع أحدا ، ولا تجد محكمة النقض فيها مجالا لتبين صحة ‏الحكم من فساده ).‏

( نقض 21/2/1929 القواعد القانونية ج 1 رقم 170 ص 178 ) ‏
‏( نقض 20 نوفمبر سنة 1950 مجموعة الأحكام س 2 رقم 70 ص 272 )‏
 

والتسبيب لاغني عنه لتوضح كلمه القانون وتكييف معناه وفقا للواقع الاجتماعي . ومن خلال التسبيب السليم ‏يمكن تحقيق وحدة في مفهوم القانون لدى جميع المحاكم وذلك تحت رقابة محكمة النقض ).‏

( د / أحمد فتحي سرور النقض الجنائي – الطبعة الرابعة . دار الشروق ص 249 ) ‏

وبمطالعه الحكم الطعين نجد أن دفاع الطاعن قد قدم مذكره بدفاعه تمسك فيها بالدفع بمشروعية ما تم نشرة ‏بجريدة الموجز لتوافر الإباحة المنصوص عليها في المادة 60 من قانون العقوبات والمادة 47 من الدستور ‏والمادة 3 من القانون رقم 96 لسنة 96 الخاص بتنظيم الصحافة ودفع بانعدام الجريمة بركنيها المادي ‏والمعنوي كما أنه قدم المستندات التى تؤيد صحة ما تم نشره إلا أن الحكم الطعين لم يقم ببحث هذه الدفوع أو ‏الرد عليها أو بحث المستندات المقدمة من الطاعن وهذا يعد إخلالا بحق الدفاع وذلك لكون هذ الدفع يعد دفعا ‏جوهرية يترتب على قبوله انعدام التهمة فى حق الطاعن وبراءته لذلك كان لزاما على الحكم أن يتعرض له ‏ويرد عليه وكذلك فحص المستندات المقدمة ومدى تعلقها بإثبات صحة الوقائع وتناسبها مع الألفاظ المنشورة.‏

وقد قضت محكمة النقض  ‏
‏ ( أن يقدم المتهم مستندات هامة مؤيدة لدفاعه الجوهري فلا تفطن المحكمة لفحوى الدفاع ، ولا تقسطه ‏حقه وتعنى بتحقيقه بلوغا إلى غاية الأمر فيه ، أو ترد عليه بما يبرر رفضه ، ولا تتحدث عن المستندات ‏المقدمة عنه مع ما قد يكون لها من دلالة على عدم توافر عناصر الجريمة يعد ذلك إخلالا بحق الدفاع لاغفال ‏الرد على دفاع جوهري ) .‏

( نقض 16مارس سنة 1975مجموعة أحكام محكمة النقض س 26 رقم 53ص 237 )‏

وقضت أيضا ‏
‏( إنه إذا حكمت المحكمة بادانه المتهم واقتصرت في الأسباب على قولها بأن التهمة ثابتة من التحقيقات ‏والكشف الطبي ، فإن هذا الحكم يكون غير مقنع ويتعين نقضه ، لأن هذه العبارة إذ كان لها هى عند واضعي ‏الحكم فإن هذا الحكم مستور في ضمائرهم لا يدركه غيرهم ، ولو كان الغرض من تسبيب الأحكام أن يعلم من ‏حكم لماذا حكم لكان إيجاب التسبيب ضربا من العبث ، ولكن الغرض من التسبيب أن يعلم من له حق الرقابة ‏على أحكام القضاء من خصوم وجمهور ومحكمة نقض ما هى مسوغات الحكم ، وهذا العلم لابد لحصوله في ‏بيان مفصل ولو إلي قدر تطمئن معه النفس والعقل إلي أن القاضي ظاهر العذر في إيقاع حكمه على الوجه ‏الذى ذهب إليه ).‏

( نقض 28 فبراير سنة 1929 مجموعة القواعد ج 1 رقم 183 ص 223 )‏
 

ولما كانت هذه الدفوع التى أبداها الطاعن أمام المحكمة تعد دفوعا جوهرية لان قبولها قد ينفى الجريمة ‏عن الطاعن أو يعفيه من العقاب أو يخفف العقوبة المقضي بها . فكان لزاما على المحكمة أن ترد عليها ‏احتراما لحقوق الدفاع و تطبيقا لالتزامها بتسبيب الأحكام وذلك برد صريح وجلي موضحة أسبابها برفض هذه ‏الدفوع حيث أن الدفوع الجوهرية لا يكفى فيها الرد الضمني المستفاد من الحكم وإنما المحكمة ملزمة بأن ترد ‏عليها ردآ صريحا في الحكم والإ شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع . وحيث أن المحكمة قد ‏أكتفت فى حكمها ص20 بالقول أنه لم تر فى دفاع المتهم أو مستنداته ما ينال من يقينها الذى انتهت إليه دون ‏أن ترد ردا مفصل على أسباب رفضها للدفاع والمستندات فان حكمها يكون معيب . ‏
لذلك فان الطاعن ينعى على هذا الحكم بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع . ‏


السبب التاسع :الخطأ في تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال والخطأ فى الإسناد والتخاذل في الأسباب :‏
لما كانت من المبادئ القانونية المستقر عليها هو أن المتهم لا يعاقب إلا على أفعاله فقط ولا يسأل جنائيا ‏عن أفعال غيره .  وحيث أن دفاع الطاعن قد تمسك بالدفع بانقطاع صلة الطاعن بما تم نشره بالصفحات ‏أرقام 4،5،6 من الجريدة لكونه محرر بواسطة قسم التحقيقات بالجريدة تحت عنوان ( ملفات ) أما هو فيكتب ‏مقاله تحت عنوان ( موقفنا ) وبالتالي لا يحق مسائلة الطاعن عن المقالات الواردة بهذه الصفحات ولا يؤخذ ‏بالعبارات الواردة فيه أية ألفاظ تمثل إدانة في حق الطاعن . ‏

وذلك لان المادة 195 من قانون العقوبات المصري والتي كانت تنص على المسئولية المفترضة على رئيس ‏التحرير عن كل ما ينشر داخل الجريدة تم الحكم بعدم دستوريتها بتاريخ 1/2/1997 وذلك في الدعوى رقم ‏‏59 لسنه 18ق دستورية وتم نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية العدد رقم ( 7 ) بتاريخ 13/2/1997.‏

وحيث أن الحكم الطعين في أسباب حكمه أعتبر أن الطاعن هو الكاتب لجميع الصفحات بمقولة (بأن الصفحة ‏الأولى للجريدة قد نشر فى واجهتها صورة للمدعى بالحق المدنى داخل مربع كبير قرينها عنوانين كبيرين " ‏بكرى... المخابرات السورية .... نجيب ساويرس"و" كيف تاجر سماسرة القومية العربية بشعارات الشرف ‏والأخلاق" ملف 4صفحاتمما يشير الى أن المتهم ربط جميع ما نشره كحزمة واحدة بعبارة" ملف 4 صفحات" ‏فصارت مفردات هذا الملف موضوعا واحدا منسوبا لناشر واحد هو المتهم)‏

فان ذلك من المحكمة يعد فسادا فى الاستدلال ومخالفة للواقع حيث أن الملفات الصحفية تحرر من أكثر من ‏صحفي وهذا المقصود بكلمة "ملف" فى الصحافة وهو تخصيص عدد من الصفحات ومساحة أكبر للموضوع ‏أو الشخصية ويتم تحريره من أكثر من فرد

‏ ولما كان من المستقر عليه فى قضاء النقض أن تقدير الأدلة من اختصاص محكمة الموضوع وهى حرة فى ‏تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها لها. ‏

غير أن ذلك مشروط بان يدلل على صحة عقيدته فى أسباب حكمه بأدلة تؤدى إلى ما رتب عليها لا يشوبها ‏خطأ فى الاستدلال أو تناقض أو تخاذل. ‏

وقد قضت محكمة النقض
‏ (ومن المقرر أن الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة يجب أن تبنى على الجزم واليقين وعلى الواقع الذى ‏يثبت بالدليل المعتبرة ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة). ‏

(نقض 2 ديسمبر سنة 1983 س 24 رقم 228 ص 1112). ‏

وقضت أيضا
‏(فإذا كان الدليل الذى ساقه الحكم وعول عليه فى إدانته للمتهم دليلاً ظنياً مبنياً على مجرد الاحتمال ، فإن ‏الحكم يكون معيباً). ‏

(17 مارس سنة 1958 س 9 رقم 81 ص 294).‏
 

حيث انه يشترط فى صحة الأسباب أن يكون التدليل واضح أي أن تكون الأسباب التى استند إليها القاضي ‏فى حكمه كافية ليستقيم منطوق الحكم معها ولكي يكون التدليل واضحاً ينبغي أن يذكر بالحكم مؤدى الأدلة ‏التى استند إليها دون غموض أو إبهام.‏


وقد قضت محكمة النقض : ‏
‏(على وجوب بيان مؤدى الأدلة فى الحكم بياناً كافياً، فلا تكفى مجرد الإشارة العابرة إليها أو إيراده ‏بطريقة الايجاز المخل). ‏

(نقض 8 مارس 1979 مجموعة أحكام محكمة النقض س 30 رقم 65 ص 317). ‏

وقضت أيضاً: ‏
‏(بل يجب سرد مضمونه بطريقة وافية ، يبين منها مدى تأييده الوقائع كما اقتنعت بها المحكمة ، ومبلغ ‏اتفاقة مع باقي الأدلة التى أقرها الحكم ، والا كان ذلك قصوراً فيه). ‏

(نقض 11 فبراير سنة 1973 س 24 رقم 38 ص 173)‏
 

‏(لما كان ذلك وكان الأصل أنه يجب على المحكمة الا ينبنى حكمها الا على أسس صحيحة من أوراق ‏الدعوى وعناصرها وأن يكون دليلها فيما انتهت تليه قائماً فى تلك الأوراق وإذا أقام الحكم قضاءه على ما لا ‏أصل له فى التحقيقات فانه يكون باطلاً لابتنائه على أساس فاسد ولا يغنى عن ذلك ما ذكره من أدلة أخرى). ‏

‏(الطعن 46450 لسنة 59ق جلسة 8 يناير 1991). ‏
 

ولا جدال فى سلطة المحكمة فى تقدير الواقعة ولكن ممارسة هذه السلطة لا يمكن أن يخرج عن العقل ‏والمنطق ، وإلا أصبحت ضرباً من ضروب التحكم الذى يتنافى مع وظيفة القضاء وإذا كانت المحكمة حرة ‏فى اقتناعها وغير ملزمة بيان علة اقتناعها ، فإنها مقيدة بأن يكون هذا الاقتناع وليد المنطق ، وأن تبين فى ‏أسباب حكمها ما يشير إلى توافر هذا المنطق. ‏
وقد قضت محكمة النقض
‏( قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم تقتضى على القاضي تطبيقها كلما ثار لديه الشك فى الإدانة .....فإذا خالفها ‏واعتبر الواقعة محل الشك ثابتة،وقضى بالإدانة كان حكمه باطلا . فالأحكام فى المواد الجنائية لاتبنى على ‏الشك إنما على الجزم واليقين،لا على الظن والاحتمال.ذلك أن الشك لا يصلح لنفى أصل البراءة الذى يجب أن ‏يبنى على دليل يقيني. فإذا كانت الأدلة التى ساقها القاضي فى حكمه قد انتهت إلى ترجيحه وقوع الجريمة من ‏المتهم فان الحكم يكون خاطئا ومخالفا للقانون . فأي شك يتطرق إلى عقيدة المحكمة فى ثبوت التهمة . يجب ‏أن تقضى بالبراءة مهما كان احتمال الثبوت ودرجته متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة ) ‏

( نقض 8 مايو سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 8 رقم 27 ص 352)‏
( 19 أبريل سنة 1984 س 35 رقم 98 ص 441 )‏
 

‏( أما إذا كانت المحكمة لم تنته من الأدلة التى ذكرتها إلى الجزم بوقوع الجريمة من المتهم ، بل رجحت ‏وقوعها منه فحكمها بالإدانة يكون معيبا مما يستوجب نقضه )‏

(نقض15أبريل سنة 1946 ج 7رقم 139ص 124 )‏
 

‏ ( أن يدلل على صحة عقيدته فى أسباب حكمه بأدلة تؤدى إلى مارتبه عليها لا يشوبها خطأ فى الاستدلال ‏أو تناقض أو تخاذل )‏

( نقض 2 أبريل سنة 1957 مجموعة أحكام محكمة النقض س 8 رقم 27 ص352)‏
‏(4يونية 1973 س 24 رقم147 ص 715)‏
 

‏ (والعيب فى الاستدلال يجعل الحكم كأنه غير مسبب وهو من العيوب المبطلة للحكم ) ‏

( نقض 6 ديسمبر 1928 مجموعة القواعد القانونية ج1 رقم 38 ص 64 )‏
 

‏ فأظهر ما يكون فساد الاستدلال عندما يجزم الحكم متسرعا بثبوت واقعة الدعوى مؤسسا هذا الجزم على دليل ‏أو أكثر غير مباشر أو على قرينة من القرائن التى لا تؤدى إلى الجزم بالثبوت بحكم الضرورة ولا اللزوم ‏العقلي ، بل يصح أن تحمل أكثر من محمل وتفسر على أكثر من وجه  ‏


‏ ( ويلاحظ من ناحية أخرى أن مراقبة محكمة النقض لاستدلال محكمة الموضوع وسلامة استنباطها ‏للنتيجة ، ليس تدخلا فى الموضوع ، ولا ينطوي على أي توسع فى سلطة محكمة النقض. لأن صحة ‏الاستدلال فى الحكم بحسب الأصل من صميم اختصاص قاضى الموضوع ، إلا إذا خرج تقديره فى ذلك من ‏المألوف إلى الشاذ الذى يتجافى مع المنطق ، فيعتبر فسادا فى الاستدلال ، إذا كان الثابت فى الأوراق لا يؤدى ‏إلى ما يكون قد انتهى إليه القاضي من كيفية تصوير الواقعة ، ومن ثم يعد مستوجبا نقض الحكم )‏

( نقض 2ديسمبر سنة 1958مجموعة أحكام محكمة النقض س 9 رقم 250ص 1033 )‏
‏(9مارس 1975س 26رقم49ص 220 )‏
 

وحيث أن المحكمة قد بنت هذه القناعة على استنتاج ظني وأنها لم تقم بدورها الذى الزمها به القانون من ‏الفحص والتدقيق في الدعوى وهذا يؤدى إلى بطلان الحكم لمخالفته للقانون والخطأ في تطبيق والتخاذل في ‏أسباب الحكم .‏
‏ لهذه الأسباب فان الطاعن ينعى على هذا الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال والخطأ ‏فى الإسناد والتخاذل فى الأسباب .‏

السبب العاشر : القصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع : ‏
لما كان من المستقر عليه فى قضاء النقض : ‏
‏(أن تحرى الألفاظ للمعنى الذى استخلصته المحكمة وتسميتها باسمها المعين فى القانون (سباً أو قذفاً) هو ‏من التكييف القانوني الذى يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التى تهيمن على الاستخلاص المنطقي ‏الذى يتأدى إليه الحكم فى مقدماته المسلمة وعلى ذلك استقر قضاء هذه المحكمة على أن لمحكمة النقض فى ‏جرائم النشر تقدير مرامي العبارات التى يحاكم عليها الناشر لأنه وان عد ذلك فى الجرائم الأخرى تدخلاً فى ‏الموضوع الا انه فى جرائم النشر وما شابهها يأتي تدخل محكمة النقض من ناحية أن لها بمقتضى القانون ‏تعديل الخطأ فى التطبيق على الواقعة بحسب ما هي مبينة فى الحكم ، ومادامت العبارات المنشورة هى بعينها ‏الواقعة الثابتة فى الحكم صح لمحكمة النقض فى تقدير علاقتها بالقانون من حيث توفر ما يستوجب التعويض ‏من عدمه ، وذلك لا يكون الا بتبين مناحيها واستظهار مراميها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح). ‏

(الطعن رقم 9194 لسنة 71ق جلسة 28/10/2001).‏
‏(الطعن 2990 لسنة 64 ق جلسة 6/3/2003).‏

وقضت أيضا: ‏
‏(إن كان المرجع فى تعرف حقيقة ألفاظ القذف هو بما يطمئن اليه قاضى الموضوع فى تحصيله لفهم ‏الواقع فى الدعوى ، الا أن حد ذلك ألا يخطئ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار اثباتها فى الحكم أو ‏بمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها). ‏

(الطعن رقم 9194 لسنة 71ق جلسة 28/10/2001).‏
 

وبمطالعة ذلك فى الحكم المطعون فيه نجد أن المحكمة قد اجتزأت بعضاً من الألفاظ والعبارات التى وردت ‏بمقالات المتهم التى تناول فيها بالنقد تصرفات المدعى بالحق المدنى وعزلتها عن السياق  العام الذى وردت ‏فيها واتخذت من حدتها وحدها دليلاً على توافر القصد الجنائي لدى المتهم وأركان الجريمة فى حقه. وبالتالى ‏تكون المحكمة قد مسخت دلالة العبارات والألفاظ الواردة بالمقالات من سياقها حتى تستدل على معنى لم يدر ‏بخلد الطاعن وصولاً الى القول بسوء نيته فيما كتبه مما يصيب حكمه بالقصور في التسبيب. ‏


ذلك لأنه ينبغي على القاضي فى جرائم القذف والسب ألا يعتمد على عبارات تؤخذ على حده بل يجب تقدير ‏المقالة ككل حيث أن المبالغة وحدها لا تجعل النقد غير نزيه خصوصاً إذا كان المجنى عليه من الشخصيات ‏العامة التى تهم أعمالهم وتصرفاتهم الجمهور. ‏

وينعى الطاعن على المحكمة فى هذا الخصوص أمرين.‏

الأمر الأول : أن قضاء محكمة النقض قد تواتر على أنه فى جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو ‏عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التى يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها فإذا احتوى المقال على عبارات ‏يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير ، فللمحكمة فى هذه الحالة أن ‏توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة فى نفس الناشر ).‏

(نقض 22/10/1993 مجموعة السنة 44 ص 863).‏
‏(نقض 2/11/1965 مجموعة السنة 11 ص 787).‏
 

الأمر الثانى: الذى ينعاه المتهم على المحكمة هو أنها قد خالفت ما أجمع عليه الفقه والقضاء من أن النقد الذى ‏يوجه إلى أعمال وتصرفات السياسيين والشخصيات العامة (أي الذين يتصدون للخدمة العامة) ينبغي أن يواجه ‏بقسط وافر من المرونة والتسامح الذى تطلبه المصلحة العامة. ‏


وفى هذا المعنى يقول الأستاذ / محمد عبدالله فى كتابه جرائم النشر ص 314 : أن حق النقد حين يرد ‏على موضوع قابل له يكون واسع الحدود فالنقد يبقى نقداً ويظل على براءته ولو كان خاطئا  ولو حصل ‏بعنف وحدة وينبغي ألا يعتمد القاضي على عبارات تؤخذ على حده، بل يجب نقد المقالة ككل ، فإذا كان بها ‏انحراف عن الصدق كان النقد غير نزيهاً أما إذا لم يوجد هذا الانحراف أو كان ضئيلاً وفى حدود ميزان ‏المناقشة النزيهة واختلاف النظر كان النقد مباحا )ً.‏

وقد قرر المستشار عدلي خليل فى كتابه القذف والسب ص161‏
‏( أما بالنسبة للأشخاص الذين يدخلون مجال السياسة بأي صفة وعلى اختلاف مواقعهم ، فان الاعتبار ‏السياسي للشخص مباح للبحث والتعليق والمناقشة والتقييم وإبداء أوجه الرأى دون أن يعتبر المساس به إساءة ‏الى اعتباره ومكانته ، لأن هذا الاعتبار وان كان حقا لصاحبه الا أن طبيعة النظام الديمقراطى بما يستوجبه ‏من حق المناقشة العامة وحق المعارضة ورقابة الرأى العام على السياسيين فى مختلف المواقع وأيا كانت ‏صفاتهم، كل ذلك يجعل من المستحيل حماية الاعتبار السياسى بجزاء جنائى، إذ لو فرضت مثل هذه الحماية ‏الجنائية لتعطل جوهر الديمقراطية الذى يقتضى مداومة البحث والمراجعة و المناقشة والتقييم لكل من يدخل ‏مجال السياسة ويتصدى للعمل السياسى )‏

- وقضت محكمة النقض فى 13/4/1948 بأنه :‏
‏ (لاينغى ألا تؤخذ العبارات الشديدة التى تستخدم فى المساجلات الحزبية بين الخصوم السياسيين بمعانيها ‏اللفظية ، وأنه ينبغي فى تفسير المقالات التى تنطوي عليها أن تؤخذ جملة ، لا أن تفسر كل عبارة على حده). ‏

ومن ذلك يتضح أن الحكم قد أخطأ بقيامه باجتزاء العبارات التى بنت المحكمة عقيدتها بالإدانة عليها من ‏السياق العام للموضوع محل النقد ولم تلتفت الى المستندات التى قدمها دفاع الطاعن والتي تؤكد وتدلل على ‏صحة الوقائع التى كان يعلق عليها الطاعن أو تصرفت المجنى عليه أو الاعتبار السياسى له وأهميتة ‏الموضوعات التى كان يناقشها الطاعن واكتفت بقسوة العبارات التى اجتزأتها من السياق العام للمقال كدليل ‏لثبوت التهمة فى حق الطاعن كل ذلك يصيب الحكم بالبطلان للقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع مما ‏يستوجب نقضه.‏

السبب الحادي عشر : الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب :‏
ولما كان دفاع الطاعن قد دفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 10051 لسنه ‏‏2008 العمرانية المحكوم فيها بجلسة 10/2/2009 الدائرة 14 جنايات الجيزة وذلك لكون جميع الأعداد التى ‏صدرت من جريدة الموجز واشتملت على نقد للمدعى بالحق المدنى كانت جميعها في إطار حمله صحفية ‏واحدة هدفها كشف حقيقة المدعى بالحق المدنى للقراء ونقد تصرفاته وآراؤه وبالتالى تعتبر الحملة بجميع ‏أعدادها بما فيها العدد محل هذا الطعن تعتبر مشروعا واحدا ذا أفعال متعددة وهو النشر في أعداد مختلفة ‏وبالتالى فإن الحكم في أحدهما يحول دون محاكمتة مرة ثانية عن أى عدد من باقى أعداد هذه الحملة وحيث ‏أنه تم الحكم في الدعوى رقم 10051 لسنه 2008 جنح العمرانية عن أحد أعداد هذه الحملة وهو العدد ‏الصادر من جريدة الموجز بتاريخ 22/1/2008 وكان هذا الحكم فيها صادرا بتاريخ 10/2/2009 وبالتالى ‏يمتنع محاكمة الطاعن عن أي عدد من باقى أعداد الحملة التى صدرت قبل تاريخ صدور هذا الحكم ومنها ‏العدد الصادر بتاريخ 27/11/2007 محل هذا الطعن .‏

ولما كان من المستقر عليه قضاءا وفقها أن الجريمة المستمرة والجريمة متتابعة الأفعال  تنفيذها ليس ‏فوريا بل هو حاله تمتد فترة من الزمن بسبب تداخل إرادة الجاني ، ففي هذه الجرائم يبدأ تمام الجريمة مع ‏تحقق الاعتداء على مصلحة قانونية ، ولكنه يمتد ويتراخى بلا انقطاع فترة من الزمن بسبب سلوك الجاني ‏نفسه ويشترط شرطان الأول : أن الحالة غير المشروعة ، الضارة أو الخطرة الناجمة عن سلوك الجاني ‏تتصف بالدوام والاستمرار ، والثاني: أن حالة الاستمرار ترجع إلى تداخل إدارة الجاني للإبقاء عليها . ‏

وقد قضت محكمة النقض :‏
‏( الجريمة المستمرة هى جريمة واحدة لذا فإن الحكم الصادر فيها يشمل كل حالة الاستمرار السابقة على ‏الحكم ، حتى ما لم يكن قد اكتشف من هذه الحالة قبل صدور الحكم ) . ‏

(نقض 16 أبريل 1945 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 553 ص 697 )‏

وقضت أيضا :‏
‏(أن محاكمة المتهم في الجريمة المتتابعة عن فعل واحد يحول دون محاكمته مرة أخرى عن ذات الجريمة ‏، لأن الأفعال المتعددة في الجريمة المتتابعة تتداخل في وصفها القانونى فالحكم بغير ذلك يعد خطأ في تطبيق ‏القانون ) ‏

(نقض 7 مارس سنه 1996 الطعن رقم 25614 لسنه 63ق )‏
 

إلا أن الحكم الطعين ص14 رفض هذا الدفع تحت مقولة (أن العددين مختلفين وأن الوقائع المنشورة فى ‏العدد الصادر بتاريخ 22/1/2008 مغايرة عن الوقائع المنشورة فى العدد الصادر بتاريخ 27/11/2007) .‏


وهذا من المحكمة يعد خطا في تطبيق القانون وقصور في التسبيب وخطأ في فهم وقائع الدعوى ذلك حيث ‏أن الطاعن قد أوضح أن جميع الأعداد صدرت لهدف واحد هو نقد تصرفات المدعى بالحق المدنى وكشف ‏حقيقة أفعاله وتصرفاته للقراء وبالتالى فان جميع هذه الأعداد تعد نشاطا واحدا وهذا ما لم تفهمه المحكمة من ‏أسباب الدفع ووضح ذلك  فى أسباب ردها عليه مما يعد خطأ منها فى تحصيل الواقعة .   ‏

لذلك فإن الطاعن ينعى على هذا الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب .‏

السبب الثانى عشر : القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع : ‏
حيث أن دفاع الطاعن قد دفع بانعدام نصوص المواد محل الاتهام لتعارضها مع نص المادة 19 من العهد ‏الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذى صادقت عليه مصر بموجب القرار الجمهوري رقم 536 ‏لسنه 1981 وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/4/1982 وبالتالى أصبح بنص المادة 151 من ‏الدستور المصري تشريعا وطنيا تلتزم المحاكم الوطنية بتطبيقه وبالتالى فإن نص هذه المادة والمتعلق بحرية ‏الرأى والتعبير عنه ينسخ المواد محل الاتهام مما كان يستوجب القضاء ببراءة الطاعن لكون المواد محل ‏الاتهام قد نسخت بنص المادة 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . - ذلك أن الدستور ‏نص فى المادة 151 على (رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من ‏البيان ويكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة...). ‏

‏ ومن ذلك يتضح أن الدستور أعطى للمعاهدة الدولية التى تصادق عليها جمهورية مصر العربية وتقوم ‏بنشرها فى الجريدة الرسمية ذات قوة القوانين الداخلية ويتم تطبيقها أمام القضاء باعتبارها نصوصاً قانونية ‏داخلية واجبة التطبيق .‏
‏ ولما كان دفاع الطاعن قد أثار دفعاً بانعدام نصوص المواد محل الاتهام لمخالفتها لنص المادة 19 من العهد ‏الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . ‏

‏ وهذا العهد قد صادقت عليه مصر بموجب القرار الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 وتم نشره فى الجريدة ‏الرسمية بالعدد الصادر منها بتاريخ 15/4/1982م. ‏

‏ وقد قدم مذكرة شارحة لهذا الدفع وأثبت فيها رقم القرار وتاريخ النشر بالجريدة الرسمية الا أن المحكمة ‏رفضت هذا الدفع تحت زعم (أنه القول بانعدام تلك النصوص يكون من قبيل التخرصات الفارغة من أى ‏مضمون) واستندت فى رفضها للدفع على نصوص مواد من الدستور ليس لها علاقة  بموضوع الدفع أو ‏بحرية الصحافة وبذلك يكون الحكم قد أخطأ فى الرد على هذا الدفع ويعد ذلك رداً غير مستساغ مما يعيب ‏الحكم بعيب القصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع. ‏

السبب الثالث عشر : القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع لالتفات المحكمة عن بحث احد الدفوع ‏الجوهرية والرد عليها
حيث أن وكيل الطاعن قد تمسك أمام المحكمة بتوافر أركان وشروط النقد المباح في المقالات وان ما قام ‏بالتعليق عليه والعبارات التي صدرت منه كانت وصفا وتعليقا لوقائع حقيقية حدثت بالفعل وكانت معلومة ولها ‏أهمية لدى الجمهور وبصفة خاصة محاولة المدعى بالحق المدنى إثارة الفتنة الطائفية فى إحدى مقالاته ‏والتحريض ضد رجل أعمال قبطي  وذلك باتهامه بأنه يسخر من الحجاب بهدف الانتقام منه لأنه قام بقطع ‏الإعلانات عن جريدته وقدم الطاعن ما يفيد ذلك بمستندات رسمية أستخرجها بناء على تصريح من المحكمة  ‏وكذلك أيضا علاقته بدولة سوريا وتردده عليها ومقالاته وحوارا ته مع رأس النظام السوري ودفاعه عن هذا ‏النظام بشكل يثير الريبة وكذلك القضية التى أتهم فيها بالتخابر ضد مصر وأنه طلب وأخذ عطايا من دولة ‏أجنبية لارتكاب عمل يضر بمصلحة مصر الا أن المحكمة التفتت عن تحقيق هذا الدفاع آو فحص المستندات ‏المقدمة منه وتقييمها فى ضوء ما تم نشره وتقييم العبارات المستخدمة مع الوقائع محل هذه المستندات ومدى ‏تناسبها  وهذا منها يعد إخلالا بحق الدفاع وقصورا في التسبيب يصيب الحكم بالبطلان مما يستوجب نقضه.‏

‏ وقد قرر فى ذلك المستشار / يحيى الرفاعى ( أن دور القاضي فى الجريمة الصحفية يختلف عن دوره فى ‏باقى الجرائم حيث أنه فى معظم الجرائم دوره ينحصر فى التحقق من نسبة الجرم الى المتهم ، فإذا توافرت ‏لديه أدلة ثبوت الجريمة ، وقع العقاب وهو قرير العين طيب النفس ، لأنه أدى خدمة جليلة الى المجتمع.أما ‏فى الجرائم الصحفية فلا تكون مهمة القاضي نسبة الفعل الى الفاعل ، إنما مهمته الحقيقية حسب ما علمتنا ‏أحكام النقض أن يحل نفسه محل الصحفي المتهم الذى بسط سريرته على الملأ فيتفحص القاضي شخصيته ‏ويتصور نفسه محاطا بظروف هذا الصحفي ، وما يمكنه أن يدركه من الواقعة المنشورة فى خدمة إدراكه و ‏انتماءاته السياسية والحزبية وموقف المسئول من الخبر المنشور ، وهل كذبه أو نفاه أم أعرض وأستجلى ، ‏فإذا ألم  بذلك وأنتفي لديه حسن نية الصحفي أنتقل القاضي الى تقدير العقوبة ليختار بين أدنى العقوبة ‏وأقصاها، وما أوسع المدى بين الاثنين ليفرق بين قاذف لتصفية حسابات شخصية يعلم الحقيقة ويقول عكسها ‏وبين متجاوز لحدود النقد المباح يستهدف مصلحة عامة ) ‏

(  المستشار / يحيى الرفاعى _ مذكرة الطعن بالنقض فى الجنحتين 1073،4200 مستأنف وسط القاهرة ‏‏_ تاريخ الإيداع 13/4/1998 )  ‏

وقد قضت محكمة النقض ‏
‏( أن كان الحكم قد أدان المتهم على أساس أنه قصد العيب فى الذات الملكية ، ثم قال ما مفاده أن المتهم _ ‏حين أرتجل فى الخطبة المقول بتضمنها العيب _ كان فى حالة انفعال وثورة نفسانية فجمح لسانه وذل بيانه و ‏انزلق الى العبارة التى تضمنت العيب ، فانه يكون قد أخطأ ، لأنه إذا صح أن عبارة العيب قد صدرت من ‏المتهم فى الظروف والملابسات التى ذكرها الحكم ، فان القول بأنه قصد أن يعيب ، يكون غير سائغ وكان ‏من الواجب على المحكمة فى هذه الدعوى حين رأت الإدانة ، أن تبين على مقتضى أى دليل أسست الحكم )‏


‏( جلسة 7/12/1942 الطعن 2248 لسنة 22 ق مجموعة الربع قرن ص 732 ) ولما كان الدفاع ‏الطاعن قد قد عدد 19 حافظة مستندات طويت على مستندات تؤكد صحة جميع الوقائع التى تم نشرها سواء ‏فى مقال الطاعن ص3 أو فى الموضوعات المحررة ص4،5،6 المحررة بواسطة قسم التحقيقات بالجريدة ‏فكان لزاما على المحكمة بحث هذه المستندات الا أنها لم تقم بذلك  واستندت فى الإدانة الى أن العبارات شائنة  ‏يتحقق بها القصد الجنائي وكذلك ردها ص 20 من الحكم أنها لم تر فى دفاع المتهم ومستنداته المقدمة ما ينال ‏من يقينها الذى انتهت إليه  ولم توضح هذه الأسباب التى دعتها الى ذلك يكون هذا الرد منها غير سائغ ‏ومجتزأ وبصفة خاصة أن بعض هذه المستندات كانت قد صرحت باستخراجها الأمر الذى يعيب الحكم ‏بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع ‏

وقد قضت محكمة النقض ‏
‏ ( وكان يبين م الحكم المطعون فيه. انه التفت عن دفاع الطاعنين من ان العبارات الواردة في البيان محل ‏الدعوى قد اشتملت على وصف وقد حدثت من المدعي بالحقوق المدنية وهي بهذه المثابة نقد مباح , وليس ‏قذفاً , وهو دفاع جوهري لم يعن الحكم ببحثه وتمحيصه من هذه الناحية على ضوء ما قدمه الطاعنون من ‏مستندات, واغفل أيضا بيان مضمونها استظهاراً بمدي تأييدها لدفاعهم , وحتى يتضح وجه استخلاصه أن ‏عبارات البيان محل الاتهام لا تدخل في نطاق النقد المباح فان الحكم المطعون فيه يكون قاصرا قصورا يعجز ‏محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى مما يعيبه بما يوجب نقضه والإعادة)‏

(نقض 17/1/1972 إحكام النقض س 23 رقم 23 ص 86) ‏
 

وحيث أن المحكمة لم تقم بفحص المستندات والدفع وتقيمه فحواهما فى نفى التهمة أوتخفيف العقوبة فذلك ‏يكون اخلالا بحق الدفاع وقصورا فى التسبيب
‏.  لذلك فان الطاعن ينعى علي الحكم بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.‏


السبب الرابع عشر :  الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب :‏

لما كان من ضمانات الالتزام بالتسبيب إنه لا يتحقق إلا بالبيان الكافي والمنطقي للأسباب التى تكون منها ‏اقتناع قاضى الموضوع في الواقع وفي القانون ، فإن ذلك يفرض عليه بأن يبين الأسباب الواقعية والأسباب ‏القانونية وأسباب الرد على الطلبات الهامة الدفوع الجوهرية التى أثيرت أمامه – وذلك حتى يمكن للخصوم ‏ولمحكمة النقض رقابة مدى كفاية ومنطقية  هذه الأسباب لان تؤدى إلى الحكم الذى أنتهي إليه لذلك فإنه يجب ‏على قاضى الموضوع أن يرد على كافة الطلبات المقدمة إليه في الدعوى فإذا اغفل الرد عليها يعد ذلك إخلالا ‏بحق الدفاع لانه يترتب عليه نقص في أسباب الحكم مما يؤدى إلى بطلان هذا الحكم وقد قضت محكمة النقض ‏‏.‏

‏(إذا إتضح من الوراق أن الدفاع طلب أصليا البراءة ومن باب الاحتياط التأجيل لسماع شهوده فإن إبداء ‏الطلب في هذه الصورة يجعله بمثابة طلب جازم عند الاتجاه إلى القضاء بغير البراءة ، فإذا كانت المحكمة قد ‏دانت الطاعن دون آن تجيبه إلى ما طلب ، ولم تناقش هذا الطلب او ترد عليه ، فإن حكمها يكون معيبا ‏بالإخلال بحق الدفاع وبالقصور في البيان مما يتعين نقضه ) .‏

‏(نقض 26/1/1960 مجموعة أحكام النقض السنة 11ق 21 ص110)‏
 

ولما كان دفاع الطاعن قد تمسك بجلسة 23/4/2008  بطلب التصريح له باستخراج نسخة معتمدة من ‏التليفزيون المصري من برنامج أتكلم والذى تم إذاعته على القناة الأولى فى شهر يناير 2008 وكان الغرض ‏من هذا الطلب هو أثبات صحة الوقائع التى أسندها الطاعن للمدعى بالحق المدنى وذلك طبقا لنص الفقرة ‏الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات وذلك للاستفادة من الإباحة المنصوص عليها في هذه الفقرة .‏


وقد وافقت المحكمة بهيئة مغايرة على هذا الطلب بعد أن قدرت جديته ولكن المسئولين بالتليفزيون المصري ‏رفضوا تنفيذ قرار المحكمة فقام الطاعن بتوجيه انذر رسمي على يد محضر يطالبهم فيه بتنفيذ قرار المحكمة ‏

وبعد ذلك نظرت الدعوى الهيئة التى أصدرت الحكم المطعون فيه وقدرت أيضا جدية هذا الطلب  فقررت ‏بجلسة 20 /10/2008 تأجيل الدعوى لجلسة 23/ 12/2008 لتنفيذ القرار السابق المتعلق بالنسخة المطلوبة ‏من البرنامج المنوه عنه بمحضر الجلسة مع تغريم كل من رئيس التلفزيون المصرى ورئيس القناة الأولى ‏بصفتهما مبلغ مائة جنيه لعدم تنفيذه رغم اعلانهما

‏ الا أن المحكمة بالجلسة التالية التفتت عن هذا الطلب  على الرغم من تمسك دفاع الطاعن بهذا الطلب بكل ‏جلسات المحاكمة مما يعد منها اخلالا بحق الدفاع  ‏

وقد قضت محكمة النقض
‏(من المقرر أنه متى قدرت المحكمة جدية طلب من طلبات الدفاع فاستجابت له فانه لا يجوز لها أن تعدل ‏عنه الا لسبب يبرر هذا العدول ، وإذ كانت المحكمة على الرغم من تأجيلها نظر الدعوى كطلب الدفاع لضم ‏قضية مدنية – ممل يبين منه أنها قدرت جدية هذا الطلب فقد نظرت الدعوى وأصدرت حكمها فيها دون اجابة ‏الدفاع لطلبه ، وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يبرر عدول المحكمة عن هذا الطلب ، فان الحكم المطعون ‏فيه يكون قد أخل بحق دفاع الطاعن ) ‏

( الطعن رقم 1475 لسنة 42 جلسة 11/2/ 1973 )‏
 

كما أن دفاع الطاعن بجلسة 18/3/2009 طعن بالتزوير على التوقيع المنسوب صدوره للمدعى بالحق المدنى ‏على أصل صحيفة الادعاء المباشر( بغرض اعتبار أن هذا التوقيع بمثابة شكوى منه ) وقد سألت المحكمة ‏وكيله فقرر أن التوقيع خاص بالدفاع أى أقر بعدم صحة توقيع المجنى علية على الصحيفة الا أن المحكمة لم ‏تتخذ الإجراء المناسب وهذا يعد منها اخلالا بحق الدفاع .‏


إلا أن الحكم الطعين ألتفت عن جميع هذه الطلبات ولم يرد عليها مما يعد ذلك إخلالا بحق الدفاع . ‏وقصورا في التسبيب مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه وذلك لأنه من متطلبات المحاكمة القانونية المنصفة هو ‏احترام حق الدفاع , ولضمان هذا الاحترام يجب على المحكمة آن ترد على كافة الطلبات التى يتقدم بها المتهم ‏‏.وذلك لكون الالتزام بالتسبيب لا يتحقق  الوفاء به ، لمجرد بيان قاضى الموضوع لمضمون اقتناعه ‏الموضوعي وذلك في الأسباب الواقعية التى يسطرها للحكم الذى انتهى إليه , وإنما يلتزم أيضا ببيان اسبب ‏رده على طلبات الخصوم الهامة ودفوعهم الجوهرية وذلك لان هذه الطلبات و الدفوع هى وسيلة المتهم في أن ‏يدرأ الاتهام المنسوب إليه وعن طريقها يتمكن من الرد على أدلة الإدانة ويفندها لإثبات برائته أو اثبات توافر ‏سبب من أسباب الإباحة وهذا يتفق مع مبدأ الأصل في المتهم البراءة ، ولذلك فإن المساس بهذا الأصل لابد ‏وان يتحقق وفق أدلة كافية وسائغة ومشروعه بحيث تصلح لان تؤدى إلى عكس هذا الأصل لذلك فإن الرد ‏على الطلبات والدفوع يتصل بقاعدة أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على اليقين ، فإذا كان الأصل في ‏الإنسان البراءة , وهذا يقين ، فإنه لا يزول إلا بيقين مثله .‏

ولما كانت الطلبات والدفوع هى منازعة من المتهم في الاتهام المنسوب إليه لذلك فإن المحكمة تلتزم ‏بإبدائها وبيان أسباب الرد عليها , فإذا جاءت هذه الأسباب والتفتت عن الرد عليها يكون حكمها معيب للاخلال ‏بحق الدفاع أما إذا جاء الرد عليها غير كافي وغير سائغ فإن الحكم يكون منسوبا بالقصور في التسبيب ‏والفساد في الاستدلال .‏

وقضت محكمة النقض في ذلك . ‏
‏(تلتزم المحكمة إذا ما رفضت الطلب آو الدفع المقدم إليها والذى توافرت شروط قبوله ان تبين العله ‏الموجبة لرفضه , بحيث لو أغفلت هذا البيان ولم تشر إلى الطلب في حكمها تكون قد أخلت بحق الدفاع بما ‏يبطل الحكم )‏

(نقض 5/6/1933 المجموعة الرسمية السنة 3ق ص1981) ‏
 

ومن ذلك يكون الحكم الطعين بعدم إجابة الطاعن لهذه الطلبات وكذلك عدم الرد عليها في أسباب الحكم ‏يكون قد جاء مشوبا بعيب الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب مما يستوجب نقضه . ‏


السبب الخامس عشر :  الخطأ فى تطبيق القانون والفساد في الاستدلال :‏

لما كان الخطأ فى تطبيق القانون يتحقق بإعمال قاعدة قانونية لا تنطبق على الواقعة بسبب الخطأ فى ‏التكييف القانوني . وحيث أن الحكم الطعين قد أنتهي الى إدانة الطاعن بموجب نص المادة 308 عقوبات ( ‏وهى التى تنص على عقوبة الحبس )تحت مقولة أن ما ذكره الطاعن بالعناوين ص3 من مقاله بلفظ ( العملاء ‏والقوادون يغسلون تاريخهم على حساب البلد ) بما توخى للقارىء بأنه قد وصف المدعى بالحق المدنى بأنه ‏من (العملاء والقوادين) وانتهى الى إدانة الطاعن بموجب هذه الماد ة يكزن قد أخطأ فى تطبيق القانون وذلك ‏لكون المقصود بالطعن فى الأعراض هو إسناد واقعة الى شخص تنم على انحراف سلوكه الجنسي وقد أستقر ‏القضاء و الفقه على تعريف العرض بأنه هو طهارة السلوك الجنسى، فكل واقعة تمس هذه لطهارة وتعنى ‏انحراف فى هذا السلوك تعد طعنا فى الأعراض. ‏

وبتطبيق ذلك على المقال المحرر من المتهم بالصفحة الثالثة منجد أنه لم ينسب الى المدعى بالحق المدنى ‏أية وقائع تفيد أنه يفرط فى عرضه أو شرفه أو يسلك مسلكا يخرج عن طهارة السلوك الجنسى و بالتالى لا ‏مجال لتطبيق المادة 308 على هذا المقال ‏
أما لفظ القوادون فهو قد ورد بالعنوان ولم يكن خاص بالمدعى بالحق المدنى  ولكن كان خاص بأشخاص ‏أخرين تم ذكرهم بهذا المقال  والذى يجزم بذلك هو أن ما أشتمله المقال عن وقائع خاصة به لم يرد بها مايفيد ‏أية اتهامات له بأنه قواد . ‏

أما ما أستند إليه الحكم فى قناعته بأن المدعى بالحق المدنى هو المقصود بهذه الألفاظ الى استنتاج يؤكد ‏إصرار المحكمة على تلمس الإدانة للطاعن ضاربة عرض الحائط بمبدأ أصل البراءة الذى ينبنى عليه أن ‏الشك يفسر لصالح المتهم  حيث ذكرت ص19 من الحكم ( لأن تحرير العبارة بهذا الشكل وما لحقها من ‏عبارات أخرى صريحة تقذف المجنى عليه تلقى فى الأذهان عقيدة ولو وقتية بان هو المقصود، ومن ثم حق ‏أخذ المتهم بنص تلك المادة ) ومن ذلك يتضح مدى تربص المحكمة بالطاعن ومحاولة تصيد الإدانة له ‏باستنتاج يغلب عليه التعسف بما يخالف أصل البراءة الذى لا يزول الا بيقين فى الإدانة لا باستنتاج يغلب عليه ‏التعسف والخطأ  وهذا يوصم الحكم بالفساد فى الاستدلال .‏

‏- ولما كان من المستقر عليه فى قضاء النقض أن تقدير الأدلة من اختصاص محكمة الموضوع وهى ‏حرة فى تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها لها. ‏

‏- غير أن ذلك مشروط بان يدلل على صحة عقيدته فى أسباب حكمه بأدلة تؤدى إلى ما رتب عليها لا ‏يشوبها خطأ فى الاستدلال أو تناقض أو تخاذل.‏

وقد قضت محكمة النقض
‏(ومن المقرر أن الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة يجب أن تبنى على الجزم واليقين وعلى الواقع الذى ‏يثبت بالدليل المعتبرة ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة). ‏

(نقض 2 ديسمبر سنة 1983 س 24 رقم 228 ص 1112).‏
 

‏ وقد قضت أيضا‏
‏(فإذا كان الدليل الذى ساقه الحكم وعول عليه فى إدانته للمتهم دليلاً ظنياً مبنياً على مجرد الاحتمال ، فإن ‏الحكم يكون معيباً). ‏

(17 مارس سنة 1958 س 9 رقم 81 ص 294).‏
 

لهذه الأسباب فان الطاعن ينعى على هذا الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال والخطأ ‏فى الإسناد.‏

السبب السادس عشر: انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح ‏
وذلك حيث أن الطاعن قد تم القبض عليه وتنفيذ هذا الحكم يوم 7/7/2009 وبتاريخ 11/7/2009 قام ‏المدعى بالحق المدنى بإثبات تنازله عن الدعوى الجنائية والمدنية فى هذه القضية وقد أثبت ذلك أمام سيادة ‏المستشار النائب العام وبناء على ذلك صدر قرار من النائب العام بوقف تنفيذ الحكم لحين الفصل فى النقض.‏


‏ ولما كانت المادة العاشرة من قانون الاجراءات الجنائية قد نصت على أن التنازل عن الشكوى يتم فى أى ‏وقت لحين صدور حكم نهائى فى الدعوى وقد أستقر القضاء والفقه على تعريف المقصود بالحكم النهائى هو ‏الحكم البات أى أنه الذى ينهى الخصومة فى الدعوى الجنائية ( المستشار / عدلى خليل ص 223 ) ولما كان ‏الحكم الطعين لم يصبح باتا نظرا للطعن عليه بالنقض لذلك يكون لهذا التنازل أثر فى هذه الدعوى مما يترتب ‏عليه أن تتصدى محكمة النقض لهذا التنازل وتقضى بانقضاء الدعوى بالتصالح.‏

لـــذلك

يلتمس الطاعن القضاء  ‏
اولاً:-  قبول الطعن شكلاً . ‏
ثانيا:- وفى الموضوع : بنقض الحكم المطعون فيه واعادة الدعوى الى محكمة ‏جنايات القاهرة مرة ثانية لنظرها أمام دائرة أخرى. ‏

‏                               وكيل الطاعن
                             سمير الباجوري
‏                                المحامى