محكمة النقض
الدائرة الجنائية
مذكـــرة ثانية
بأسباب الطعن بالنقض
المرفوع من الأستاذ / ياسر محمود عبد الباسط - وشهرته ياسر بركات. (متهم)
ضـــــــــد
1 النيابة العامة .
2 السيد/ محمد مصطفي بكري وشهرته مصطفي بكري (المدعي بالحق المدني).
طعناً في الحكم الصادر بجلسة 24/6/2009
من محكمة جنايات الجيزة الدائرة (11) جنايات القاهرة.
في الجنحة الصحفية رقم 2453 لسنة 2008 جنح السيدة زينب .
- فيما قضي به في منطوقة (وبعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر حكمت الحكمة حضورياً:أولا: بمعاقبة ياسر محمود عبد الباسط وشهرته ياسر بركات بالحبس لمدة ستة أشهر بغرامة عشرين ألف جنيه وألزمته المصاريف الجنائية ثانيا:وفي الدعوى المدنية بإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى تعويضا مؤقتا قدره خمسة ألاف وواحد جنيه وألزمته بمصروفاتها وبمقابل أتعاب المحاماة ).وقد قام وكيل الطاعن بالتقرير بالطعن بالنقض على هذا الحكم بتاريخ 27/6/2009 وقام بإيداع مذكرة بأسباب الطعن بالنقض تحت رقم 676 تتابع ايداع بتاريخ 27/6/2009 والطاعن يقدم هذه المذكرة كمذكرة ثانية بأسباب الطعن على هذا الحكم مضافة إلى الأسباب الواردة منه بالمذكرة الأولى .
الوقائــع
نحيل بشأن الوقائع والإجراءات لما جاء بالأسباب الواردة بمذكرة الطعن الأولى ونعتبرها جزءا لا يتجزأ من دفاع الطاعن وأسباب طعنه بالنقض على الحكم الطعين ويضيف بموجب هذه المذكرة الأسباب التالية مكملة ومتممة لها على النحو التالي .
أسباب الطعن
السبب الأول : والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب .
من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه( لا تنعقد الخصومة فى الدعوى الجنائية التى يرفعها المدعى بالحقوق المدنية مباشرة الا عن طريق تكليف المتهم بالحضور تكليفا قانونيا صحيحا)
( نقض جنائى 6/4/1970 الطعن رقم220لسنة 40 ق)
ولما كانت المادة 234 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على ( أن تعلن ورقة التكليف بالحضور لشخص المعلن إليه أو فى محل إقامته )
وقد عرفت محكمة النقض محل الإقامة المنصوص عليه فى هذه المادة بأنه الموطن المنصوص عليه
فى المادة 40 من القانون المدني حيث قضت :
( بأن إعلان المتهم للحضور بجلسة المحاكمة يجب أن يكون لشخص المتهم أو موطنه وكان الموطن كما عرفته المادة 40 من القانون المدني هو المكان الذى يقيم فيه الشخص عادة ، وبهذه المثابة لا يعتبر المكان الذى يباشر فيه الشخص عمله موطنا له . ولما كان ذلك ،فان الحكم المطعون فيه إذ قضى فى الاستئناف تأسيسا على صحة ذلك الإعلان يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتعيب بالبطلان )
(نقض رقم 3887 لسنة 57 قضائية جلسة 27 أكتوبر 1988 )
وحيث أن المدعى بالحق المدني قد قام بإعلان الطاعن بصحيفة الادعاء المباشر على مقر عمله وليس على محل اقامته وبالتالى يكون الاعلان قد تم باطلا وبناء عليه قد انعقدت الخصومة الجنائية بناء على هذا الاعلان الباطل الأمر الذى كان يستتبع القضاء بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لبطلان صحيفتهما لعدم إعلان المتهم إعلانا قانونيا صحيحا وهذا البطلان لا يصححه حضور المتهم جلسات المحاكمة لتعلق الأمر بسلامة اتصال المحكمة بالدعوى ونظرا لكون الحضور ليس الإجراء اللاحق لهذا الاعلان الباطل وقد تمسك دفاع الطاعن بهذا الدفع وقدم صورا من أحكام قضائية تفيد صحته الا أن المحكمة رفضت الدفع على زعم أن الغاية من الاعلان قد تحققت وحضر وكيل الطاعن جلسات المحاكمة وهذا الرد من المحكمة على الرغم من قصوره فانه يوضح الخطأ الذى وقع فيه الحكم الطعين وذلك لأن الحضور بالجلسات ليس هو الإجراء اللاحق على اعلان المتهم اعلانا باطلا حتى تكون الغاية قد تحققت منه ولكن هذا الاعلان الباطل لحقه اعلان السيد وكيل النيابة وهو الذى تنعقد به الخصومة الجنائية فى الدعوى وهذا الانعقاد قد تم باطلا نتيجة للإعلان الباطل للمتهم ولحق ذلك أيضا اتصال المحكمة بالدعوى بعد اعلان السيد وكيل النيابة وذلك أيضا بناء على هذه الخصومة المنعقدة باطلة . وبالتالى تكون كافة إجراءات الخصومة قد تمت باطلة لا يصححها الحضور بالجلسات وبناء على ذلك يكون الحكم الطعين برفضه لهذا الدفع يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تحصيله للواقع وقاصر فى أسبابه . وذلك لكون الدفوع المتعلقة بقانون الإجراءات الجنائية تعد دفوعا جوهرية فإذا كان الرد عليها غير كافي أو غير سائغ يعد ذلك قصورا فى التسبيب وإذا كان مخالفا للقانون يعد خطأ فى تطبيقه وقد أستقر الفقه على ذلك بأن قرر ( أما الرد على الدفع بأسباب كافية ولكن غير صحيحة فى القانون ، أي لاتتفق و لضوابط التى رسمها القانون الاجرائى لصحة الإجراء المدفوع ببطلانه ،فانه مما يعد خطأ فى تطبيق القانون الاجرائى أو فى تأويله بحسب الأحوال ، مما ينبنى عليه بطلان فى الحكم أو فى الإجراءات ) ( د. رؤوف عبيد – ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية –ص232).
لذلك فان الطاعن ينعى هذا الحكم بالبطلان للخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب .
السبب الثاني : مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع .
من المقرر في قضاء محكمة النقض ( أن القواعد المتعلقة بالاختصاص في المواد الجنائية كافة من
النظام العام بالنظر إلي أن الشارع في تحديده لها قد أقام ذلك على اعتبارات تتعلق بحسن سير العدالة
ويجوز الدفع بها لأول مره أمام محكمة النقض أو تقضى هي بها من تلقاء نفسها بدون طلب متى كان
ذلك لمصلحة المحكوم عليه وكانت عناصر المخالفة ثابتة في الحكم ) .
( الطعن رقم 1963 لسنة 67 ق – جلسة 18/3/2006 )
وذلك لكون اختصاص المحكمة بنظر الدعوى هو شرط من شروط صحة جميع إجراءاتها على أنه إذا دفع صاحب الشأن بعدم اختصاص المحكمة ثار نزاع إجرائي حول مسألة الاختصاص والخطأ في هذا التطبيق يعد خطأ في القانون فإذا قضت المحكمة خطأ باختصاصها بنظر الدعوى فإن حكمها يكون مشوبا بعيب الخطأ في القانون بالإضافة إلي عيب البطلان الذى يصيب جميع الإجراءات التى قامت بها المحكمة رغم عدم اختصاصها .
وقد قضت محكمة النقض :
( أن القواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية كلها من النظام العام بالنظر إلي أن الشارع في تقديره لها قد أقام ذلك على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة).
( نقض 16 نوفمبر سنة 1989 – مجموعة الأحكام س 4 رقم 159 ص 98 )
وحيث أن دفاع الطاعن قد تمسك بمحاضر الجلسات وبمذكراته المقدمة أمام محكمة الموضوع بالدفع بعدم الاختصاص لكون الوقائع محل النشر لم تكن متعلقة بأعمال المدعى بالحق المدنى المتعلقة بصفته النيابة العامة وذلك استنادا إلي أن مفاد نص المادتين 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائي أنها وإن كانت قد جعلت الاختصاص بنظر الجنح الصحفية إذا وقعت على غير أحاد الناس ينعقد لمحكمة الجنايات فشرط ذلك أن يكون النشر كان يخص تصرفات خاصة بصفتهم النيابية العامة أما إذا تعلق النشر بوقائع غير متصلة بصفتهم النيابية فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة الجنح .
وقد قضت محكمة النقض :
(ما دامت الوقائع الواردة في المقال الذى يساءل عنه المتهم بالقذف في حق المجني عليه لا يتعلق أي منها بصفته نائبا أو وكيلا لمجلس النواب هي موجهة إليه بصفته فردا من أفراد الناس فيكون الاختصاص بالنظر في الدعوى المرفوعة بها لمحكمة الجنح لا لمحكمة الجنايات)
( نقض جلسة 17/5/1950 المكتب الفني س 1 ق 126 ص 667 )
وحيث أن الحكم الطعين قد رفض الدفع بمقولة أن القذف وقع على المدعى بالحق المدنى بصفته النيابية وحال ممارسته لتلك الصفة فضلا عن وقوعه عليه بصفته الخاصة.وأستند فى ذلك الى عبارات واردة بالمقال قام باجتزائها من السياق العام الذى وردت فيه ليبنى على هذا الاجتزاء أسبابه فى رفض الدفع بغرض أن يعجز محكمة النقض عن مراقبته فيما أنتهي إليه من أسباب التى رفض بها هذا الدفع
ويبين الخطأ هنا أنه وان وردت بالمقال بعض الألفاظ الخاصة بوصفه النائب الا أنها وردت عرضا دون أن تسند وقائع خاصة بعمله داخل البرلمان أوحال ممارسته له ولكن الوقائع التى تم إسنادها كانت وقائع خاصة باراؤه الواردة بمقالاته بجريدة الأسبوع وعلاقته الغير طبيعية بدولة سوريا واستماتته فى الدفاع عن النظام السوري بالرغم من كل مساوئه وكذلك بعض الوقائع الخاصة بافتعاله خلافات مع أحد رجال الأعمال بسبب قطعه الإعلانات عن جريدة الأسبوع ومحاولاته فى هجومه عليه اللعب بورقة الفتنة الطائفية ومن كل ذلك يتضح أن الوقائع محل النشر لم تكن متعلقة بصفتة البرلمانية وبالتالى تكون محكمة الجنايات غير مختصة بالفصل فى هذه الدعوى وكان يجب القضاء بعدم الاختصاص والإحالة الى محكمة الجنح.
لذلك يكون الحكم الطعين بفصله فى الدعوى رغم عدم الاختصاص يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بالإضافة للقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع .
السبب الثالث: الخطأ في تطبيق القانون والقصور فى البيان والقصور في التسبيب والانعدام الجزئي للأسباب والتناقض والتخاذل فى الأسباب
وذلك حيث أن وكيل الطاعن قد تقدم بعدد4 مذكرات بدفاعه أشمل إحداهما الدفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لرفعهما بغير الطريق الذى رسمه القانون وذلك لكون الدعوى تم تحريكها بموجب وكاله عامة وليست وكاله خاصة كما اشترطت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية . وقد تمسك وكيل الطاعن بهذا الدفع بمحاضر الجلسات
ولما كان من المستقر عليه أنه يتعين وقبل النظر فى موضوع الدعوى أن تستوفى المحكمة مسألة الشكل وهى أن تخضع لقواعد القانون ولذلك فان الخطأ فى هذه القواعد يعد خطأ فى القانون لتعلق الدفع بعدم القبول بالنظام العام.
وفي ذلك قضت محكمة النقض :
( إذا كان الإجراء الباطل شرطا لصحة نشأة الخصومة الجنائية فإنه يترتب عليه عدم قبول الدعوى الجنائية . كما إذا شاب البطلان إجراء الشكوى أو التكليف بالحضور أو أمر الإحالة فهذا البطلان يترتب عليه عدم توافر شروط قبول الدعوى الجنائية . مما يجرد المحكمة من سلطتها في الفصل في موضوع الدعوى . فإذا هي فصلت في الموضوع بغير عدم قبول الدعوى الجنائية كان حكمها مشوبا بالبطلان ) .
(نقض 15 أبريل سنة 1968 – مجموعة الأحكام س19 رقم 87 ص451)
وذلك لكون الأصل أنه متى كانت الدعوى المباشرة قد أقيمت عن جريمة تتطلب شكوى لرفع الدعوى الجنائية تعين لقبول الدعوى الجنائية أن يكون رفعها مقرونا أو مسبوقا بتقديم شكوى من المجني عليه أو من وكيله الخاص فأن كان قد سبق لأي منهما تقديم الشكوى في الميعاد جاز للمحامى بمقتضى توكيل عام أن يقيم الدعوى الجنائية عن ذات الجريمة بطريق الادعاء المباشر .
أما إذا لم يكن قد سبق هذا الادعاء تقديم مثل هذه الشكوى واعتبرت صحيفة الادعاء المباشر بمثابة شكوى كما جرى عليه قضاء محكمة النقض وحينئذ يتعين أن تتوافر الشروط المتطلبة في الشكوى بأن تكون صادره من المجني عليه نفسه أو من وكيل عنه بموجب وكالة خاصة في تقديم الشكوى وأن تعلن للمتهم تكليفا بالحضور في ميعاد الثلاثة أشهر المنصوص عليها في القانون .
وذلك لأن صحيفة الادعاء المباشر تجمع في تلك الحالة بين عملين من الأعمال الإجرائية أولهما : إقامة الادعاء بالطريق المباشر ويكفي فيها التوكيل العام وثانيها : تقديم شكوى لازمة لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بها ويجب فيه أن يصدر من المجني عليه نفسه أو من وكيلة بتوكيل خاص طبقا لما استلزمتة المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على سبيل الوجوب .
( نقض جنائي 20/4/1989 س 40 ق 85 ص 531 )
( نقض جنائي 5/6/1986 س 37 ق 124 ص 652 )
ومفاد ذلك أنه لما كانت صحيفة الجنحة المباشرة تعد بمثابة الشكوى وبالتالى يجب أن تتوافر فيها كافة الشروط المتطلبة في الشكوى ومنها أن يتم تحريكها بموجب وكاله خاصة لاحقه على الفعل وسابقة على تحريكها وإلا تكون الدعوى غير مقبولة .
وقد استقر الفقه أيضا على إن ضرورة وجود توكيل خاص لاحق على الفعل وسابق على تحريك الشكوى هو شرط أساسي لقبولها ومن ذلك :
(الشكوى التى تتطلبها المادة 3 إجراءات يجب أن تصدر من المجني عليه إما بنفسه أو إما بواسطة وكيل عنه على أن يكون التوكيل خاصاً ، وصريحاً وصادراً عن واقعة معينة سابقة على صدوره أى ينبغي أن يكون التوكيل لاحقاً للواقعة المشكو عنها أيا كان نوعه ، وهذا شرط من النظام العام لأن شروط تحريك الدعوى الجنائية كلها من النظام العام).
(الدكتور رؤوف عبيد – مبادئ الإجراءات الجنائية طبعة 1983 ص 72).
(يشترط فى التوكيل بالشكوى أن يكون خاصاً – المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية- أي أن تحدد فيه الواقعة التى تقوم بها الجريمة موضوع الشكوى ، ويرتبط بذلك أن يكون التوكيل لاحقاً على الجريمة ويترتب على ذلك أنه لا محل فى الشكوى لتوكيل عام ، ولا يقبل توكيل خاص توقعاً لجريمة ترتكب فى المستقبل ذلك أن الحق فى الشكوى يفترض تقديراً لظروف الجريمة ومدى ملائمة الشكوى)
(الدكتور محمود نجيب حسنى – شرح قانون الاجراءات الجنائية طبعة 1988 ص 124).
(الحق فى الشكوى هو حق شخصي يتعلق بالمجني عليه ، وقد رتب القانون على ذلك نتيجتين ، الأولى : أن هذا الحق ينقضي بموت المجنى عليه .. والأمر الثانى المترتب على اعتبار الشكوى حق شخصى متعلق بشخص المجنى عليه دون غيره ، أنه يجب أن يتقدم بها بنفسه أو بواسطة وكيل خاص (م3 اجراءات) ومفاد هذا أن التوكيل العام لا يجدي فى التقدم بالشكوى ، فيلزم أن يكون التوكيل خاصاً فقط بالتقدم بالشكوى لكي تقبل تلك الأخيرة من الوكيل).
(الدكتور مأمون سلامة – قانون الاجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض طعن 19 ص 76).
(الشكوى حق للمجني عليه وحده ، وله أن يتقدم بها بنفسه أو بواسطة وكيل خاص بشأن الجريمة موضوع الشكوى فلا يكفى لذلك مجرد الوكالة العامة).
(الدكتور أحمد فتحي سرور – الوسيط فى قانون الاجراءات الجنائية – طبعة 1980 ص 647).
- ومن ذلك يتضح أن أحكام القضاء قد اتفقت مع الفقه في ضرورة تطلب إرادة خاصة فى تحريك الشكوى نظراً لخصوصية هذه الجرائم. وبالتالى يجب أن يتوافر فى الإجراء الخاص بتحريك الدعوى الجنائية ما يفيد وجود هذه الإرادة وبالتالي يجب في الشكوى سواء تم التقدم بها للنيابة العامة أو عن طريق الادعاء المباشر أن تكون إما بشخص المجني عليه أو عن طريق وكيله الخاص ولا تكفي فيها الوكالة العامة.
وبالتالى فان ما يثار بأن هذا القيد هو على النيابة العامة فقط وأنه يحق للوكيل العام إقامة الدعوى مباشرة فى جرائم الشكوى فانه يكون مخالف لقصد المشرع حيث أن منع النيابة العامة من اتخاذ اجراءات التحقيق إلا بناء على شكوى من المجنى عليه أو وكيل الخاص (وهى صاحبة الاختصاص الأصيل) فإن هذا المنع أيضا يسرى على الدعوى المباشرة (الاستثناء على الأصل).
- وذلك لكون النيابة العامة هى صاحبة الحق الأصيل فى إقامة الدعوى الجنائية وأن الادعاء المباشر هو استثناء على هذا الحق الأصيل وبالتالى يجب عند تطبيقه أن يكون فى أضيق نطاق ولا يتم التوسع فيه على حساب الأصل .
- وبذلك إذ جاء نص وقيد الحق الأصيل للنيابة فى تحريك الدعوى الجنائية الا بناء على شكوى من المجنى عليه أو وكيله الخاص بالتالي ينسحب هذا القيد على الاستثناء وهو الادعاء المباشر. وبالتالى تكون المحكمة قد أخطأت فى تطبيق القانون برفض الدفع المبدي من دفاع الطاعن.
وذلك لكونها قد استمرت في نظر الدعوى والفصل فيها على الرغم من عدم وجود وكالة خاصة من المدعى بالحق المدنى لتحريك الشكوى تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه
هذا بالإضافة الى أن المحكمة ملزمه قانونا بالرد على الدفوع الجوهرية المبداه في الدعوى وذلك لكونها وسيله فعاله لتحقيق العدالة .
وتكون الدفوع جوهرية إذا كان من شأنها أن تؤثر بنتيجة على الحكم الصادر في الدعوى بأن يترتب علي قبولها تغيير موقف المتهم في الدعوى أو من شأن قبولها تغيير وجه الحكم فيها وبالتالى فإن المحكمة تكون ملزمه بالرد على كافة الدفوع المبداه أمامها ومنها الدفع بعدم قبول الدعوى :
ولما كان الدفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون كان دفعا جوهريا وجازما تمسك به دفاع الطاعن في مذكرات دفاعه وكذلك بمحاضر الجلسات وكان لزاما على المحكمة الرد عليه بأسباب سائغة أما كونها لم ترد على هذا الدفع في بأسباب سائغة واكتفت بقولها ص 12 من الحكم فأن هذا القول يحتاج الى سنده القانوني وان المادة الثالثة لاتشترط ذلك الا فى حالة تقديم الشكوى ولا ينسحب حكمها على الادعاء المباشر ......... تكون بذلك خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه بالإضافة لكون ذلك يصيب الحكم بعيب القصور في التسبيب.
لذلك فإن الطاعن ينعى هذا الحكم بالبطلان لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب .
- بالإضافة الى أن هناك تناقض وتخاذل فى الأسباب حيث أن المحكمة قررت في أسباب حكمها بداية ص 12أن صحيفة الدعوى تقوم مقام تلك الشكوى ثم جاءت بعدها مباشرة وبذات الصفحة وقررت. وان المادة الثالثة لا تشترط ذلك الا فى حالة تقديم الشكوى ولا ينسحب حكمها على الادعاء المباشر
ففى الحالة الأولى أعتبرت صحيفة الادعاء المباشر تحل محل الشكوى وفى الحالة الثانية أعتبرت أن الادعاء المباشر لا يعد شكوى الأمر الذى يعيب الحكم بالتناقض والتخاذل فى الأسباب
- لذلك فان الطاعن ينعى على هذا الحكم بالبطلان للخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى البيان والقصور فى التسبيب والتناقض والتخاذل فى الأسباب.
السبب الرابع :القصور في البيان والقصور في التسبيب :
لما كان من المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أنه لا يكفى لصحة الحكم الصادر بالإدانة أن يبين قاضى الموضوع في معرض تسبيبه بيانات الواقعة الموضوعية فقط , وإنما يجب عليه أيضا بان يبين في ورقه الحكم الأصلية التى يسطر فيها أسباب الحكم الذى انتهى إليه بعض البيانات الإجرائية والتي تعد من قبيل القواعد الإجرائية الموضوعية , والتي يترتب علي مخالفتها البطلان ولا يعصم الحكم من البطلان إذا خلت ورقة الحكم الأصلية من بيانها وتضمنها محضر الجلسة أو ورد ذكرها في أوراق الدعوى .
(د / على محمود على – النظرية العامة في تسبيب الحكم الجنائى – رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة القاهرة – 1993 ص 431)
لذلك يتعين على المحكمة فى جرائم الشكوى ومنها ( القذف والسب )أن تبين في حكمها الفاصل في الموضوع أن الدعوى قد رفعت صحيحة بناء على شكوى ممن يملك تقديمها وإلا كان الحكم معيبا .
وحيث أن جريمتي القذف والسب بطريق النشر قد نصت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على وجوب تقديم شكوى من المجنى عليه أو من وكيله الخاص قبل اتخاذ أي إجراء فيها . لذلك يجب أن يبين الحكم الطعين ما يفيد وجود هذا الإجراء وإذا أغفل هذا البيان في حكمه يكون قاصرا وقد استقر الفقه على ذلك .
(إذا كانت الجريمة المرتكبة من الجرائم التى تطلب المشرع لإمكان تحريك الدعوى الجنائية عنها صدور الشكوى أو الطلب أو الإذن من الجهة المختصة , فإنه يجب الإشارة إلى ذلك في الحكم وذلك حتى تتمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على إجراء تحريك الدعوى)
(رؤوف عبيد ضوابط تسبيب الأحكام – ص165)
وقد قضت محكمة النقض :
(ولذلك فإن الحكم الذى يصدر في الجرائم التى نصت عليها المادة 3/1 من قانون الإجراءات الجنائية ، يجب أن يبين صدور الشكوى من المجنى عليه أو وكيله الخاص وفي خلال المدة المحددة لذلك . وهذا البيان يجب ذكره في أسباب الحكم ، فلا يغنى عن ذكره في الحكم أن يتبين في أوراق الدعوى لافى الحكم أن له وجوداً)
(نقض 18/1/1968 مجموعة أحكام النقض السنة 19 ق 7)
وقضت أيضا :
(لا يغنى عن النص في الحكم ما تبين في أوراق الدعوى لافى الحكم من أن الزوج قد تقدم إلى مأمور القسم بالشكوى عن جريمة الزنا وأصر على رفع الدعوى الجنائية عنها في تحقيق النيابة)
(نقض 14/2/1972 مجموعة أحكام النقض لسنه 23ق 45 ص186 )
فمثل هذه الشروط تتعلق بمدى سلامة اتصال المحكمة بموضوع الدعوى , ولذلك فلابد أن يشير الحكم ذاته إلى النصوص المتضمنة تلك الشروط ويبين أنها قد روعيت في نظر الدعوى .
(د/ مأمون سلامة – شرح قانون الإجراءات الجنائية ص192)
وقد رتبت محكمة النقض البطلان على عدم توضيح الحكم لهذا الشرط . حيث قضت :(أن بيان صدور طلب من مدير عام الجمارك لتحريك الدعوى في جريمة التهريب الجمركي , بيان جوهري وان إغفاله يؤدى على بطلان الحكم ولو ثبت صدور هذا الطلب بالأوراق فإن ذلك لا يغنى عن النص عليه بالحكم)
(نقض 4/2/1992– الطعن رقم 12354– لسنه59قضائية–مجلة القضاة – السنة 25 – 192 ص 690)
وحيث أن الحكم الطعين قد أغفل فى أسبابه ما يفيد وجود هذه لشكوى بالتالى يكون معيبا مستوجبا نقضه .
لذلك فإن الطاعن ينعى على هذا الحكم بالقصور في البيان والقصور في التسبيب .
السبب الخامس :الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد فى الاستدلال :
وذلك لكون الدفاع الطاعن قد تمسك بالدفع ببطلان صحيفة الدعوى لكون وكيل المدعى بالحق المدني الذى أقام الدعوى وهو الأستاذ / على عبد العزيز المحامى هو في ذات وقت إقامة هذه الدعوى كان وكيلا للمتهم بموجب وكاله سارية رقم3082 ب لسنة 1997 لم يتم إلغاءها وهذا يعد مخالفة لنصوص قانون المحاماة . إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفع ص12 من الحكم بمقوله أن المدعى بالحق المدنى قدم ضمن حافظة مستنداته الثانية ما يفيد إلغاء التوكيل رقم 5726/ 99 مكتب توثيق الأزبكية والصادر من المتهم الى وكيل المجنى علية الأستاذ محمد الدماطى المحامى وما يفيد إعلانه بهذا الإلغاء على يد محضر بتاريخ 2/6/2008 وان مخالفة المحامى للمواد 79 , 80 , 81 لا يؤدى إلى بطلان الصحيفة
فان الرد من المحكمة يعد مخالفا للقانون والواقع للأسباب الآتية :
أولا : أن صحيفة الدعوى هي مفتتح الدعوى وأنها يترتب عليها انعقاد الخصومة في الدعوى فإذا شابها البطلان فإن ذلك يؤثر في صحة اتصال المحكمة بالدعوى الجنائية ويجب الحكم بعدم بقبولها .
ولما كانت المادة 76 من قانون المحاماة قد نصت على (لا يجوز للمحامى التوقيع على صحف الدعاوى والطعون وسائر أوراق المحضرين والعقود المقدمة للشهر العقاري أو الحضور والمرافعة بالمخالفة لأحكام ممارسة أعمال المحاماة المنصوص عليها في هذا القانون وإلا حكم بعدم القبول أو البطلان بحسب الأحوال )
ومن ذلك يتضح أن القانون قد رتب على مخالفة أحكام قانون المحاماة جزاء البطلان وعدم القبول وحيث أن المحامى الذى أقام الدعوى قد خالف نصوص المواد 79 , 80 من قانون المحاماة وبالتالي يترتب البطلان على هذا الإجراء ولا سيما أن المصالح المتعارضة كانت ثابتة بمستندات في هذه الدعوى وهى أن الدعوى التى كان يترافع فيها هذا المحامى عن الطاعن كانت الدعوى رقم 149 لسنه 22 قضائية دستوريه وكان يطالب فيها بالحكم بعدم دستورية المواد 302 , 303 , 306 , 307 من قانون العقوبات المصري وهى ذات المواد التى كان يطالب في صحيفة الدعوى محل هذا الطعن بتطبيقها على المتهم وبذلك يتضح مدى تعارض المصالح في ذلك ولذلك كان يجب القضاء ببطلان صحيفة الدعوى والحكم بعدم القبول أما وأن المحكمة لم تقضى بذلك تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه بالإضافة إلى القصور في التسبيب .
ثانيا : أن المحكمة أستندت في رفض الدفع على أن المحامى قد ألغى التوكيل بتاريخ 29/5/2008 وهذا منها مخالف للقانون حيث أن العبرة في البطلان هي بتاريخ اتخاذ الإجراء الباطل ولما كان هذا المحامى قد أقام هذه الدعوى ضد الطاعن في شهر مارس 2008 فإن لا يؤثر في البطلان قيامه بإلغاء التوكيل بعد هذا التاريخ .
كما أن التوكيل الذى قررت المحكمة أنه تم إلغاؤه لا يخص المحامى الذى أقام هذه الدعوى وهو الأستاذ/ على عبد العزيز المحامى لأن توكيله رقمه 3082 ب لسنة 1997 أما التوكيل المقدم صورة من الإنذار بالغاؤه فهو التوكيل رقم 5726/ 99 مكتب توثيق الأزبكية وهو خاص بمحامى أخر يدعى محمد الدماطى
ولذلك فإن الطاعن ينعى على هذا الحكم بعيب الخطأ في تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والفساد في الاستدلال .
السبب السادس: مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال:
ذلك لكون المحكمة ملزمة قبل النظر فى موضوع الدعوى أن تستوفى مسألة الشكل وتبت فيها لتعلقها بقواعد القانون وأن الخطأ فى هذه القواعد يعد خطأ فى تطبيق القانون وبصفة خاصة الدفع بعدم قبول الدعوى لتعلقه بالنظام العام لمساسه بشرط جوهري من شروط تحريك الدعوى.
وقد دفع وكيل الطاعن بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون لعدم وجود نص قانوني يجيز للمدعى بالحق المدنى إقامة دعواه مباشرة أمام محاكم الجنايات وأن نصوص قانون الاجراءات الجنائية تحدثت فقط عن تكليف المتهم مباشرة بالحضور من المدعى بالحق المدنى أمام محاكم الجنح والمخالفات فقط - مادة 232 اجراءات - ولم تنص عليها فى الجنح بصفة عامة بل أن النص كان واضحاً فى أحقية إقامة الدعوى المباشرة أمام محاكم الجنح والمخالفات فقط وبالتالى يتضح عدم وجود نص قانوني يبيح إقامة الدعوى مباشرة أمام محاكم الجنايات.
وطبقاً لنص المادة (1) من قانون الاجراءات الجنائية التى اختصت النيابة العامة فقط برفع الدعوى الجنائية وجعلت الاستثناء وهو إقامتها مباشرة يجب أن يكون بناء على نص قانوني حيث نصت : "تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها الا فى الأحوال المبينة فى القانون".
والمادة (3) نصت على تقديم الشكوى الى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي كما أن المادتين 156 ، 214/1 تحدثتا عن أن لقاضى التحقيق أو النيابة العامة أن يحيلا الجنح التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها عن طريق النشر- عدا الجنح المقررة بأفراد الناس الى محكمة الجنايات.
وباستقراء جميع هذه النصوص نجد أن القانون قد أعطى الحق للنيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية كحق أصيل لها ونص على أن الاستثناء وهو(الادعاء المباشر من المجنى عليه) يجب أن يكون بناء على نص قانوني. وحيث أن قانون الاجراءات الجنائية قد خلا من أي نص يفيد حق المجنى عليه فى الادعاء المباشر أمام محكمة الجنايات .
وبالتالى تكون الدعوى المباشرة قد أقيمت على غير سند من القانون وبالتالى قد أقيمت بغير الطريق الذى رسمه القانون وكون المحكمة تباشر ها على الرغم من ذلك تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون.
- كما إن رد المحكمة على هذا الدفع ص11 من الحكم يؤكد عدم إلمام المحكمة بالقواعد القانونية الخاصة بتحريك الادعاء المباشر.
حيث أسست رفضها للدفع على سند من القول أنه من حق المدعى بالحقوق المدنية إقامة الدعوى مباشرة فى جنح السب والقذف أمام المحكمة المختصة،( ولا نعرف من أين أتت المحكمة بكلمة محكمة الجنح المختصة) وهذا منها يعد مخالفة لنصوص قانون الاجراءات الجنائية وسوء تفسير لنصوص قانون الاجراءات الجنائية سالفة الذكر الأمر الذى يوصم الحكم بالإضافة للخطأ فى تطبيق القانون الى الخطأ فى تأويله وتفسيره والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال مما يبطله بطلاناً يستوجب نقضه.
السبب السابع : مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب للرد غير المستساغ والمجتزأ من المحكمة على الدفوع بعدم الدستورية
وذلك حيث أن الطاعن تمسك أمام المحكمة بالدفع بعدم دستورية 214/1 ، 215 ،216 من قانون الإجراءات الجنائية لمخالفتها لنصوص المواد 40 ، 41 ، 67 ، 69 ، 151 من مواد الدستور المصري لأنها تمثل انتهاكا لمبدأ المساواة والحرية الشخصية وقواعد المحاكمة المنصفة وحق التقاضي على درجتين في الجنح وإخلالها بالقوة الملزمة للمعاهدات الدولية .
كما أن دفاع الطاعن تمسك أمام المحكمة بالدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات وذلك لمخافتها لنصوص المواد 2 ، 41 ، 67 ، 79 ، 86 ، 165 عن الدستور المصري لمخالفتها لمبادىء الشريعة الاسلاميه واصل البراءة والمحاكمة المنصفة وحق الدفاع والحرية الشخصية ومبدأ الفصل بين السلطات .
وكذلك دفع بعدم دستورية المواد 303 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات المصري لمخالفتهم لنصوص المواد 48 ، 62 ، 64 ، 206 ، 207 ، 208 من الدستور وذلك نظرا لغلو المشرع في العقوبات المفروضة في هذه المواد وعدم تناسبها مع الأفعال محل التجريم كما أنها تمثل انتهاكا للحق في المساهمة في الحياة العامة ومبدأ خضوع الدولة للقانون وسلطة الصحافة ومبدأ التناسب بين الفعل والعقاب الذى اقرته المحكمة الدستورية العليا حيث قضت :
( بأن ضمان الدستور لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتداولها أو غير ذلك من وسائل التعبير قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح ألا في نطاقها وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا ولا يترددون وجلا ولا ينصفون لغير الحق طريقا .وأن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها وأنه لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها سواء من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها – فالحقائق لا يجوز إخفائها – من غير المعقول أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير )
( حكم المحكمة الدستورية العليا في 15/4/1995 القضية رقم 6 لسنة 15 ق د )
وقضت أيضا
( ويتعين بالتالى أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته ، حقأ مكفولا لكل مواطن .....
ومن ثم كان منطقيا ، بل وأمرا محكوما أن ينحاز الدستور إلي حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة ، ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين بالعمل العام . إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون ، ولان حوار القوة إهدار لسلطان العقل ، ولحرية الإبداع والأمل والخيال ، وهو في كل حال يولد رغبة تحول بين المواطن والتعبير عن آراؤه ، بما يعزز الرغبة في قمعها ، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها ، مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره )
وقدم وكيل الطاعن مذكرة شارحة لهذه الدفوع والأسباب والأسانيد القانونية والدستورية التى يستند عليها هذه الدفوع.
وتأكيداً لجديته فى هذا الدفع ولإثبات إن عدد من المحاكم قد رأت شبهة مخالفة هذه المواد للدستور المصري فقد قدم أصول لعدد (4) شهادات صادرة من واقع جدول المحكمة الدستورية العليا تفيد أن المواد 302 ، 303 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات مقام بشأنها الدعاوى أرقام 25 لسنة 21 ، 83 لسنة 21 ، 60 لسنة 22 و149 لسنة 22 قضائية دستورية مطلوب الحكم بعدم دستورية هذه المواد ، كما أن الدعوى رقم 60 لسنة 22 قضائية دستورية مطلوب فيها أيضا الحكم بعدم دستورية المواد 214 ، 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائية.
وطلب وقف الدعوى المنظورة تعليقياً لحين الفصل فى هذه الدعاوى أو التصريح له بإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية هذه ا لمواد عملاً بنص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 1979.
كما ذكر فى مذكراته المقدمة للمحكمة أرقام عدد (8) دعاوى منظورة أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن هذه المواد مما يؤكد وبجلاء شبهة مخالفة هذه المواد للدستور وترجيح صدور حكم بعدم دستورية هذه المواد.
- إلا أن الحكم المطعون فيه قد رد على ذلك بقوله (حيث أنه عن الدفع بعدم دستورية المادتين 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائية فانه على غير أساس سليم من القانون ذلك أن المتهم الذى حكم بإدانته فى جريمة السب أو القذف من محكمة الجنايات له حق الطعن بالنقض فى الحكم الصادر ضده ، هذا فضلاً عن أن إحالة هذا النوع من دعاوى الجنح الى محكمة الجنايات إنما يمثل ضمانة أفضل للمتهمين لأنهم يحاكمون أمام قضاة ثلاث هم أكبر سناً وأكثر خبرة وكفاءة ولا ترهق كواهلهم ما ترهق به كواهل القضاة بالمحاكم الجزئية وفى ذلك خير ضمان لحرية الصحافة وحرية الرأى ومن ثم فان المحكمة ترى عدم جدية هذا الدفع ، و تلتفت عنه)
ونجد هنا أن الرد جاء مخالفاً للقانون حيث أن محكمة النقض لا تعد درجة من درجات التقاضي وذلك لكونها محكمة قانون وليست محكمة موضوع كما انه اغفل الرد على باقي أسباب الدفع مما يعد قصوراً في التسبيب.
كما ردت المحكمة أيضا على الدفع بعدم دستورية المواد 302 فقرة ب (بأن ذلك لا يعد نقلا لعبء الاثبات الى عاتق المتهم ولا مخالفة لقرينة البراءة ولا إخلال بحق الدفاع،بل هو تأكيد لذلك القرينة وضمانة حق الدفاع ومن ثم فان المحكمة تلتفت عن الدفع ) فان ذلك من المحكمة يعد قصورا فى الرد على أسباب الدفع لأنه جاء مجملا ولم توضح الأسباب التى بناء عليها بنت قناعتها فى أن هذا النص لا يعد نقلا لعبء الاثبات أنه ضمانة لحق الدفاع .
كما أن الرد على الدفع بعدم دستورية المواد 303 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات المصري قد جاء مخالفا للدستور والقانون حيث أن الحكم الطعين أشترط أن تكون حرية الصحافة فى إطار مقومات أساسية للمجتمع واردة فى المادة 12 من الدستور .
وهذا ما ذكره الحكم الطعين لا علاقة له بهذه المواد المدفوع بعدم دستوريتها أو بأسباب هذا الدفع لأنها مواد متعلقة بالعقوبة على القذف والسب والمغالاة فى تقدير هذه العقوبات وعدم تناسبها مع الفعل ولم تتعلق بأركان جريمتا القذف والسب ومدى مطابقتهما للدستور . وبالتالى يتضح أن الرد على الدفع جاء بأسباب تختلف عن الأسباب التى أبداها الطاعن مما يؤكد بعدم إلمام المحكمة إلماما كافية بأسباب الدفع مما جعل ردها قاصرا وغير شامل لكل أسباب الدفوع بعدم الدستورية .
ومن ذلك يتضح أن الحكم لم يحصل أسباب هذا الدفع تحصيلاً كافياً لكونه رد على أسباب الدفع بطريقة مجتزأة وبها نوعاً من التجهيل بالإضافة الى كونه لم يقم بالرد على كافة الأسباب وحدوث لبس وتداخل في ذهن المحكمة بين أسباب الدفوع بعضها البعض. مما جعلها تقوم بالرد على أسباب الدفع تارة بأسباب غير مستساغة ومخالفة للقانون وتارة أخري ترد على أسباب للدفع غير التي أبداها دفاع الطاعن.
كما إن تقديم الطاعن لعدد (4) شهادات تفيد وجود أربع دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية هذه المواد وذلك للتدليل على جدية هذا الدفع وطلبه وقف الدعوى تعليقيا لحين الفصل فى هذه لطعون كان طلبا جوهريا فكان لزاما على المحكمة أن ترد عليه بأسباب سائغة الا أنها أكتفت بمقوله ( أنها غير مقيدة بهذه الطعون ) فهذا يعد منها قصورا فى التسبيب .
ومؤدى كل ذلك يتضح أن الحكم أقام قضاؤه على وصف هذه الدفوع بعدم الجدية ورفضها بأنه قد فهم أن سلطة المحكمة فى تقدير هذه الجدية سلطة مطلقة يمكن أن تنبني على العسف والتحكم والفوضى فى التقدير الى الحد الذى جعلها فوقاً على الرد على هذه الدفوع بصورة مجتزأة تعجز محكمة النقض عن مراقبتها فإنها أيضا قامت بالرد بأسلوب لم تعرفه الأحكام من قبل بشموله بعبارات عنصرية وبها تعالى على المحاكم الأخرى وعلى زملائهم القضاة بالمحاكم الأخرى وهذا يعد خروجا على الأعراف والتقاليد القضائية الراسخة والقائمة على الاحترام.
الأمر الذي يجعل ردها لا يخضع لضوابط العقل والمنطق القضائي والذى بررته محكمة النقض فى قضائها المطرد بان مناط صحة الحكم فى كل ما يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع أن يكون التقدير سائغاً ، وهو ما افتقده الحكم بوضوح شديد فى رده على هذه الدفوع وكذلك إغفاله وجود (8) دعاوى بهذا الشأن أمام المحكمة الدستورية العليا الأمر الذى يجزم بان عدة محاكم أخرى قد رأت لهذا الدفع الجدية المطلوبة وقبلته.
لذلك فان اطراح هذا الدفع والرد عليه بطريقة غير مستساغة يصيب الحكم بعيب مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع مما يستوجب نقضه.
ولما كان الدفع بعدم الدستورية يعد من الدفوع الجوهرية والهامة في الدعوى وذلك لتعلقها بمدى دستورية المواد العقابية التى يحاكم بها المتهم وهي تتعلق بالشرعية العقابية وكذلك المواد الخاصة باختصاص محاكم الجنايات على محاكمته في جريمة تعد قانونا جنحة وهى تتعلق أيضا بالشرعية الإجرائية .
من ذلك يتضح أن الدفوع التى أبديت كانت من الأهمية لأنه كان سيترتب على قبولها تغيير وجه الحق في الدعوى كما أنه يعد دفعا قانونيا وقد استقرت أحكام محكمة النقض (من واجب المحكمة بحث كل دفاع جوهري يتقدم به المتهم متى كان ظاهر التعلق بموضوع الدعوى حيث صح لرتب عليه القانون أثرا قانونيا لصالح المتهم سواء تعلق هذا الأثر ينفى وقوع الجريمة أو بامتناع ألمسئوليه أو العقاب أو بانقضاء الدعوى الجنائية فإذا تمسك المتهم بهذا الدفع ولم ترد عليه المحكمة كان حكمها مشوبا بالقصور فضلا عن الإخلال بحق الدفاع و وجه القصور هو إخلال المحكمة بأداء واجبها نحو أثبات الإدانة )
ولما كان الدفاع الجوهري هو ذلك الدفاع الذى لو صح لرتب عليه القانون أثرا قانونيا لصالح المتهم سواء تعلق هذا الأثر بنفي الجريمة أو امتناع العقاب أو تخفيفه أي أن الدفاع يعتبر جوهرا إذا ما كان ظاهر التعلق بموضوع الدعوى المنظورة لذلك يكون لزاما على المحكمة الرد عليه وبأسباب كافية وسائغة فإذا أغلفت الرد عليها كان ذلك إخلالا بحق الدفاع وإذا ردت عليه بأسباب غير كافية أو غير سائغة لكان حكمها مشوبا بالقصور في التسبيب .
كما أن قبول الطعن في هذه المواد الخاصة بالعقاب أمام المحكمة الدستورية العليا يؤدى إلي انعدام هذه المواد والقضاء ببراءة الطاعن كما أن قبول الطعن في بعضها قد يؤدى إلي تخفيف العقوبة ضد الطاعن كما أنه لو قبل الطعن بعدم دستورية المواد الخاصة بقانون الإجراءات الجنائية سيترتب عليه القضاء بعدم اختصاص المحكمة وإعادة الدعوى إلي محكمة الجنح وهنا سيستفيد الطاعن بنظر الدعوى على درجتين .
ومن ذلك يتضح أن هذه الدفوع كانت جوهرية وأن قبولها كان سيكون له أثرا في الحكم الصادر في الدعوى أما كون الحكم الطعين قد رد عليها بهذه الطريقة المجتزأة التى تنبىء عن عدم تحصيله لأسباب هذه الدفوع تحصيلا كافيا فهذا عيب يصيب الحكم بعيب القصور فى التسبيب مما يوجب نقضه .
كما أن الدفع بعدم الدستورية يعد من الدفوع المتعلقة بالنظام العام وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في القضية رقم 102 لسنة 12 قضائية دستورية الصادر بتاريخ 19 يونية 1993 وأجازت الدفع بعدم الدستورية لأول مرة أمام محكمة النقض لذلك فكون الحكم الطعين في أسباب حكمه يكون هذا الحكم مشوب مخالفا القانون والقصور فى التسبيب .
لذلك فان الطاعن ينعى على هذا الحكم بعيب مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب.