جاء في قرار الاتهام الصادر عن السيد قاضي التحقيق ما يلي :
تشير وقائع القضية بإقدام المدعى عليه حبيب نديم صالح على نشر الأخبار الكاذبة على أحد المواقع الالكترونية و الإساءة لسيد رئيس الجمهورية و القائد الخالد و ذلك بعبارات غير لائقة بمقام رئيس الجمهورية.
كما أنه قام بالتحدث أمام عدد من الأشخاص كما ه ثابت بضبط شعبة المخابرات الفرغ 248 بأحاديث و عبارات لا تمت إلى الواقع بصلة من شأنها إضعاف الشعور القومي و إيقاظ النعرات العنصرية و الطائفية و ذلك في معرض حديثه عن الطائفة السنية و الطائفة العلوية بأشياء عبارة عن كذب و افتراء لا أساس لها من الصحة.
و طبعاً الأدلة هي " ضبط المخابرات - الفرع 248 و المقالات "
ثم يورد القرار في بند المناقشة و التطبيق القانوني ما يلي:
أنه من الثابت من وقائع القضية و أدتها والتي بلغت حد الكفاية أن أن المدعى عليه حبيب صالح قام بنشر أخبار كاذبة عبر مواقع الانترنت و عبر أحاديث من شأنها إضعاف الشعور القومي و إثارة الفتنة و النعرات الطائفية و المذهبية و الإساءة للسيد رئيس الجمهورية و القائد الخالد مما يشكل خرقاً للدستور و مخالفة للقانون و التي تأيدت بالمقالات التي قام بنشرها عبر الانترنت و بموجب الضبط الأمني و الأوراق الأخرى لذلك قرر قاضي التحقيق بجنايتي اثارة الحرب الأهلية و اضعاف الشعور القومي سنداً للمادتين / 285 – 289 / عقوبات إضافة للجنحة الاساءة للسيد الرئيس و القائد الخالد وفق المواد / 374 – 377 / عقوبات و محاكمته تلازماً مع الجرم الأشد أمام محكمة الجنايات بدمشق.
أما قرار قاضي الإحالة فقد جاء أكثر تبسيطاً للأمور حيث أورد في بند الوقائع مايلي : تتلخص وقائع هذه القضية أنه و بتاريخ 7/5/2008 أوقف المدعى عليه حبيب صالح لاقدامه على انتقاد نظام الحكم في سورية و الاساءة للسيد الرئيس و الرئيس الخالد حافظ الأسد و الدولة و نشر الأخبار الكاذبة و طرح الأحاديث التي من شأنها إثارة النعرات الطائفية و اثارة الفرقة بين عناصر الأمة و بالتحقيق اعترف أنه أسـس منتدى الحوار الوطني في طرطوس و كانت الاجتماعات تعقد في منزله و بعد اغلاق المنتدى بدأ يتردد إلى دمشق لحضور المنتديات منها منتدى الأتاسي و في عام 2001 حضر منتدى رياض سيف و بسبب الطروحات التي تمت أوقف بتاريخ 10/9/2004 تابع نشاطه بكتابة المقالات السياسية على شبكة الانترنت حول الإصلاح في سورية و مقال حول الدستور... مقال بعنوان أهل النظام السوري ....مقال اتهم فيه النظام السوري بأنه يسعى لتحقيق المصالحة من خلال دعم المقاومة في لبنان... مقال بعنوان محنة الثقافة السورية ... اعترافه بالاتصال مع بهية مارد يني مندوبة موقع ايلاف و التحدث معها عن توقيفه و الحكم عليه و و و..إلخ.
في بند المناقشة و التطبيق القانوني : جاء أنه يتضح من وقائع القضية و أدلتها اقدام المدعى عليه حبيب صالح على نشر أخبار كاذبة عن طريق الانترنت و عبر أحاديثه أمام المواطنين من شأنها إضعاف الشعور القومي و إيقاظ النعرات العنصرية و المذهبية و إحداث الفتنة التي يستهدف منها الاقتتال الطائفي داخل القطر و الإساءة للسيد رئيس الجمهورية و للقائد الخالد و قد تأيد ذلك بصور المقالات المرفقة التي قام بنشرها المدعى عليه و باعترافه بنشرها.
و ما انكاره أمام القضاء إلا وسيلة للتخلص من العقوبة لا سيما و أن اعترافه الأولي قد اقترن بصورة عما قام بنشره ضد نظام الحكم في سوريا و الذي يهدف لزعزعة الثقة بالنظام و النيل من هيبة الدولة و من الشعور القومي ..... لذلك قرر قاضي الاحالة اتهامه بإضعاف الشعور القومي و اثارة الفتنة بهدف الاقتتال الطائفي سنداً للمادتين / 285 – 298 / عقوبات و محاكمته أمام الجنايات تلازماً و توحيداً مع الجرم الأشد بما ظن عليه قاضي التحقيق من جرائم التحقير سنداً للمادتين / 374 – 377 / عقوبات.
سيدي الرئيس
حضرات السادة المستشارين
بعد أن قرأت القرار الاتهامي على الشكل الذي جاء عليه بكيت ثلاثاً
ü مرة من أجل الكاتب حبيب صالح و طفلته " يارا " التي لم تتجاوز من العمر عامها الثامن و التي مازالت بحاجة إليه.
ü و مرة من أجل كاتب القرار الإتهامي مع تقديري له و لدقة موقفه.
و مرة من أجل وطن ما ينبغي أن يعامل فيه خيار الناس بهذه الطريقة فالسجن يا سيدي الرئيس لم يخلق لأمثال الموكل من المعتصمين بمثالية أملت عليهم أن يجهروا بما يرونه الصواب و عبروا عن رأيهم بنزاهة و دفعوا الثمن غالياً فكانوا بحق ضمير الأمة و وجدانها.
ثم أن الإجمال المخل و التعميم المضل و الخلط المقصود في أوجه الاستدلال بات مظهراً من مظاهر تسبيب القرارات الجزائية في القضايا السياسية في سوريا فكيف يمكن لمحكمة النقض مراقبة حسن الاستدلال و الاستنتاج لما توصل إليه القاضي في القرار الجزائي إن كان القاضي الجزائي قد ارتكز في بناء القرار على العبارات العامة و الألفاظ الفضفاضة لم يقم بواجبه في تصويب و توضيح أوجه استدلاله و استنتاجه و لم يبين الواقعة الجرمية بدقة و خلط ما بين الأدلة بين الماضي و الحاضر و بين آراء الموكل التي سبق له و أن حوكم عليها و آراءه و أفكاره التي أحيل على أساسها في هذه القضية و كأننا أمام موجز إخباري عما قام به المتهم في حياته لا أمام قرار جزائي له أصوله و قواعده...!!
ثالثاً : القضية من منظور الفقه و القانون و الاجتهاد في سوريا
v بالنسبة لتهمة إضعاف الشعور القومي
تنص المادة / 285 / من قانون العقوبات السوري على مايلي:
من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت.
المشرع السوري اشــترط في هذه المادة شروطاً لا بد منها :
a) حالة الحرب أو توقع نشوبها :
حالة الحرب كما لا يخفى على الجميع ليست حالة مفترضة سلفاً و لا هي حالة معومة يمكن في كل حين التعويل على آثارها السلبية على الحريات العامة.
- الدستور السوري المؤقت لعام 1973 اشترط أن يعلن رئيس الجمهورية حالة الحرب في كافة وسائل الإعلام تطبيقاً لنص المادتين / 100 – 101 / من الدستور السوري ، الأمر الذي لم يحصل ، مما غدا معه التكيف القانوني لحالة الحرب غير قائم ، و لا يجوز بالتالي إتهام الموكل بمفعول المادتين / 285 – 298 / على أساس حالة الحرب أو الاعتداء مادامت الحرب غير قائمة و العمليات العسكرية غير ناشبة.
- من ناحية أخرى نصت المادة / 276 / من قانون خدمة الضباط أن الحرب هي :
)) العمليات العسكرية المحتدمة بين جيشين )) الأمر الذي لم يقع زمنياً و لا عسكرياً مع فترة إلقاء القبض على الموكل و لا بعدها و لا قبلها...!!
مما يجعل التكيف الجرمي للإدعاء على الموكل بموجب المادتين السابقتين بوجود حالة حرب أو اعتداء تكييفاً باطلاً و غير دســتوري.
- و الأهم من ذلك كله أن القرار السياسي المعلن للجمهورية العربية السورية هو إقامة السـلام و المفاوضات من أجل إحلاله طبقاً لمبدأ " الأرض مقابل السلام " و ما جرى من مفاوضات حول ذلك منذ مؤتمر مدريد حتى المفاوضات غير المباشرة الجارية الآن في تركيا بين سوريا و إسرائيل دليل على ذلك.
الأمر الذي يجعل أيضاً خلفية الاتهام على أساس حالة الحرب أو توقع نشوبها أساساً غير صحيح و غير واقعي و غير دســتوري و غير قانوني..!!
b) أن تكون هناك دعاية:
و للتفريق ما بين الدعاية المقصود بنص المادة / 285 / عقوبات و الرأي الذي يطرحه الأديب أو الكاتب أو الفنان أو المفكر أو الصحفي و المصان حقه بإبدائه بموجب الدستور و القانون.
رجعنا لتعريف الدعاية الوارد في كتب فقه القانون فوجدنا أن الفقية litter عرف الدعاية بأنها : العمل على ترويج رأي معين أو السعي لنشر نظام سياسي أو اجتماعي أو ديني.
في حين عرفها الفقيه larousse على أنها : الجهود المبذولة لترويج مذهب ما.
كما عرفها الفقية الأستاذ بارنليت: العاية هي محاولة للتأثير في سلوك المجتمع او في ارائه تاثيراً يحمل الاشخاص على اعتناق مذهب او رأي معين أو الجري على سلوك مقرر ومحدد.
وتكون الغاية منها التاثير في سلوك الجماهير في القضايا المطروحة وهي بذلك تقترب من ان تكون لونا من الوان التربية او التعليم مستخدمة جميع وسائل الاقناع او الفرض او الاخضاع.
وعليه فقد اجتمع الفقه القانوني على ان من شروط الدعاية المنصوص عنها في المادة ( 285 ) مايلي :
1- ان موضوع الدعاية مذهباً ما.
2- ان تسعى الدعاية لنشره وحمل الاخرين على اعتناقه واتخاذه اساساً لسلوكهم الحياتي.
3- الاصل في الدعاية ان تجري بطريقة منظمة وباساليب بارعة وعلى يد اشخاص خبراء ومدربين ينفقون في تأديتها جودهم واعمارهم مستخدمين ألسنتهم وأقلامهم.
4- وينبغي ان يكون للدعاية فضلا عن ذلك صفة التنظيم والديمومة والاستمرار، فالدعاية برنامج موضوع وخطة مدروسة ومقررة يدأب القائمون بها على تنفيذها ويوالون نشاطهم في سبيل بثها في كل مكان استطاعوا ان ينفذوا بنشاطهم اليه.
5- ان يكون الغرض من هذه الدعاية إضعاف الشعور القومي او إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية، أما لو كان الهدف من الدعاية تنمية الشعور القومي او إزكاء الحماسة الوطنية أو الدعوة إلى التآخي والإصلاح ونبذ الفرقة والخصام وإقامة قسطاس العدل والمساواة بين المواطنين وعدم تسويد فئة على فئة وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص فلا جريمة ولا عقاب على ما استقر عليه الفقه القانوني.
ومن جهتنا نقول إذا كان الهدف من الدعاية ( وذلك على فرض " اللهم" أن هناك دعاية ) وفيما لو قبلنا بطمس المسافة ما بين مفهوم الدعاية ومفهوم التعبير عن الرأي أو الفكرة الخاصة أو الجهر بعقيدة معينة أو التنبؤ بما قد يكون أو التكهن بما قد يقع أو الإعراب عن رأي معين او الإخبار عن واقعة قد تقع في المستقبل.
فالأمر كما هو ثابت من خلال الفقه و القانون و الاجتهاد مختلف كلياً.
c) و فيما يتعلق بإضعاف الشعور القومي و أشكاله يقول الفقه القانوني في إبراز هذا العنصر:
إن الشعور القومي هو إحساس الفرد بانتمائه لجماعة معينة وولائه العميق لها وإيمانه أن لهذه الجماعة من خصائص الأصالة ووشائج القربى والروابط المادية والمعنوية ما يجعلها جديرة بأن تكون امة واحدة.
وان تحيى سيدة قرارها وقدرها وربة مصيرها وتؤلف دولة تتمتع بحقوق السيادة والحرية والاستقلال.
ويتجلى الشعور القومي في إبراز خصائص هذه الأصالة والدفاع عنها والحرص عليها في إطار الحرية والسيادة والاستقلال.
وتتجلى الدعاية التي تهدف لإضعاف الشعور القومي أو إثارة النعرات الإقليمية الضيقة و الإبقاء على هذه الكيانات الممسوخة والمصطنعة وتوطيد صورها في أذهان الناس ليقوم الولاء لها في نفوسهم مقام الولاء لدولة العرب.
ولتضيع إرادة الوحدة في الإرادات المجزئة الضيقة التي لا حول لها ولا قوة وعليه فيمكن تصور الدعاية التي تهدف لإضعاف الشعور القومي في حملات الأدلجة المنظمة لتقديس الفرد أو الزعامة المحلية أو الإقليمية هنا أو هناك.
فتستأثر النعرة العصبوية أو الإقليمية أو حتى الطائفية بولاء المواطن دون الولاء للأمة مما يؤلف خطراً يضعف من شعور المواطن القومي.
ذلك أنه لا خلاف بين اثنين على أن التعبير عن الرأي بمقالة أو بتصريح صحفي في وادي والدعاية المنظمة والممنهجة والممأسسة والتي تهدف لأدلجة الشارع على القيم الفردية و النزعة القطرية في وادي آخر.
d) و أخيراً و ليس آخراً لا بد من توافر شرط موضوعي متمثل في إثبات القصد العام والقصد الخاص الذي لابد من الحديث عنه استقلالا والمتمثل بإثبات أن غرض الموكل من الدعاية كان قد انصرف لإضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية وهذا القصد بشقيه ( العام والخاص ) لا يجوز افتراضه سلفاً و إعفاء النيابة العامة من إثباته لأن المتهم بحسب الدستور برئ حتى تثبت إدانته.
ولابد في هذه الجريمة من إثبات سوء النية بتمخض إحداث إحدى النتيجتين الضارتين ( إضعاف الشعور القومي او إثارة النعرات العنصرية ) عند الفاعل وكان على النيابة العامة أن تتحمل عبأ الإثبات لأن الإدانة ليست مفترضة سلفاً.
في حين أنها بمطالبتها في الجلسة السابقة اكتفت بطلب الحكم على الموكل وفقاً لقرار الاتهام دون بيان الأسباب ودون أن تثبت أن نية الموكل كانت قد اتجهت من خلال الدعاية ( التي لم نجد لها أثراً في ملف القضية ) لإحداث الضرر المتمثل في إضعاف الشعور القومي أو إثارة النعرات الطائفية .
من استعراض أركان الجرم المنصوص عليه في المادة / 285 / عقوبات و التي توضح إرادة المشرع من سن هذه المادة / 285 / و مقارنتها بوثائق الدعوى الملمح إليها و ظروفها و نوازع الموكل صاحب العقيدة و الوجدان – الأديب و المثقف الوحدوي القومي و الديمقراطي الغيور على أمته و المضحي في سبيل أطفالها و تقدمها و سؤددها.
يتضح و بما لا يدع مجالاً للشك أن إرادة المشرع من سن هذه المادة في وادي و إرادة الجهاز الذي اعتقل الموكل و قدمه للقضاء في في وادي آخر.
و الكلمة الفصل لعيادة الوقاية الاجتماعية المتمثله في حكمكم العادل و النزيه.
و يكفيني في هذا المقام أن أردد ما سبق للموكل و أن أدلى به كأقوال أخيرة أمام محكمة أمن الدولة العليا عام 2001 في أعقاب اعتقاله على خلفية ما بات يعرف بربيع دمشق حينما وقفت إلى جواره مدافعاً .
فمن سخريات القدر أن الموكل يحاكم للمرة الثالثة على رأيه و فكره بتهمة إضعاف الشعور القومي ومازالت صدى أقواله الأخيرة في جلسة الدفاع تتردد على مسامعي و ترين في ذهني حينما قال ( كان على النيابة العامة أن تذكر أن ما يوهن عزيمة الأمة ويضعف شعورها القومي هو امتثال أنظمتها وجيوشها ودخول بعضهم في فلك الغرب وبذل النفط والثروات المعدنية سفاحاً وخروج بعض دولهم من منظومة المواجهة وعقد المعاهدات والصفقات بل وحتى إجراء التدريبات العسكرية المشتركة مع جيش العدو و ليس بضع كلمات لحبيب صالح.
إن ما يضعف الشعور القومي هو تدمير الشعب الفلسطيني في حين يقف العرب متفرجون.
إن ما يضعف الشعور القومي هو عدم قيام سوق عربية مشتركة أو تكامل اقتصادي مشترك إضافة لسوء توزيع الناتج القومي ووجود أكثر من 40% من العرب أميين ، وسوء التنمية غير المتكافئة بين الدول العربية في هذا العصر.
إن ما يضعف الشعور القومي حروب الفتوى للصلح مع إسرائيل التي قامت بين مراكز الإفتاء الإسلامية المختلفة بالتسابق عليها وليست بضع كلمات لحبيب صالح
حبيب صالح ليس ملكاً ولا مرجعيةً من أي طراز ولا زعيماً ولا وزيراً للإعلام ولا مديراً لفضائية دولية أو صاحب دار نشر أو داعية أو حتى خطيب مسجد.
ومادام حبيب صالح كذلك فكيف سيصل صوته للناس وكيف سيستمعون إليه أو يكترثون لأهميته.
فمن المحال أن تتبع أقواله وقد نسيت وتبخرت بعد قولها أو قراءتها مباشرة ولولا وجود المخبرين في كل مكان لما خرجت أقواله على الكرسي الذي جلست عليه أو الرقعة التي سطرت عليها مقالتي.
ما تأثير فرد مثل حبيب صالح على هذه الأمة التي تمتد من الأطلسي غرباً إلى الخليج شرقاً ومن أواسط أفريقيا والصحراء الكبرى إلى جنوب المتوسط... ليضعف حبيب صالح شعورها القومي؟.
أليس العرب بدولهم وزعاماتهم وعماماتهم وعلاقاتهم ونفطهم وملياراتهم المكنوزة في بنوك الغرب ولا تستثمر في سبيل الأمة هو ما يضعف الشعور القومي للأمة؟!..
وهل الحكم على الكاتب والمفكر القومي حبيب صالح سيقوي المشاعر القومية للأمة؟..
بدوري أطمئن نفسي قبل أن أطمئن الموكل كما أطمئن جميع الغيورين على سوريا (الحضارة والأرض والإنسان) بأننا تحت قبة محكمة الجنايات بجذورها الراسخة أصالة وقيماً و أن صرخة الحق ستصدر من على منبرها واضعة النقاط على الحروف و معيدة الحق لأصحابه و لو كره الظالمون.
v بالنسبة لتهمة الاعتداء الذي يستهدف إثارة الحرب الأهلية .
تنص المادة / 298 / عقوبات على مايلي:
يعاقب بالأشـغال الشاقة مؤبداً على الاعتداء الذي يسـتهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسـليح السوريين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر و أما بالحض على التقتيل و النهب في محلة أومحلات ، و يقضى بالإعدام إذا تمّ الاعتداء.
a) فلابد لتحقق هذه المادة التي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة " تحديداً " من وجود اعتداء.
b) و الإعتداء فعل مادي لا يمكن تصوره إلا من خلال مظاهر خارجية مسلحة تقوم على الحرق و الضرب و الخراب و الدمار و الدماء و الترويع و التفجير في الممتلكات العامة و الخاصة.
c) على أن لا يكون التخريب و التفجير و التدمير هدفاً بذاته، و إنما لا بد أن يستهدف تسليح السوريين بعضهم ضد البعض الآخر بهدف إثارة الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي فيما بينهم.
d) و الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي ليس حالة مفترضة سلفاً أو في الخيال و إنما لا بد أن تقوم بأدواتها و أساليبها البشعة و صورها المرعبة من سفك للدماء و هتك للأعراض و إبادة للناس.
e) و على أن يكون ذلك بتسليح السوريين أو بحملهم على حمل السلاح بعضهم ضد البعض الآخر
f) أو بحضهم على التقتيل و النهب في محلة أو محلات و فيما لو أتى الحض على التقتيل و النهب في المحلات أكله فالعقوبة هي الإعدام.
المادة القانونية واضحة و صور الحرب الأهلية معروفة و مظاهر سفك الدماء المرافقة لها يعرفها الجميع و لكن السؤال المطروح:
ما علاقة كل ذلك بالموكل
ما علاقة كل ذلك بأربعة مقالات يمتدح في الأولى منها رياض الترك
و يطالب في الثانية منها التمسك بالضمانات القانونية الواردة في الدستور .
و يناقش في الثالثة منها واقع الممانعة لدى الأنظمة العربية .
و بتحدث في الأخيرة عن الثقافة العربية .
و للحقيقة نقول : أن جهة الدفاع و رغم أنها قرأت القضية و تدبرت فيها و تأملت و تمعنت في معانيها بل إنها بحثت و نقبت بين كلماتها و مترادفاتها ثم محصت سطورها حاولت الولوج لما بين السطور علهّا تستطلع رابطاً ما بين المادة / 298 / و وثائق الدعوى و أوراقها و مستنداتها فلم تتمكن .
وفقاً لهذا المنطق الكارثي لماذا لم تحرك الدعوى العامة بحق الموكل بتهمة الاغتصاب أيضاً و القتل و هتك العرض و السرقة و غيرها من مواد قانون العقوبات ...!!
الموكل موقوف على خلفية آرائه في مقالاته فما علاقة الموضوع بالحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي القائم على الاعتداء المبني على التسليح والحض على التقتيل و النهب في المحلات....!!
أليس من المفترض أن يكون تحريك الدعوى العامة مبنياً على ما له ظل في أوراق الدعوى و مستنداتها.
فأين هو الاعتداء المادي الذي قام به الموكل والذي استهدف من خلاله إثارة الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي.
لا سيما و أن الاعتداء فعل يستوجب عمل مادي خارجي و مظاهر مسلحة وفقاً لما اشترطته المادة / 298 / أو ملتهبة أو متفجره أو مشتعلة أو محترقه ....إلخ
أين تلك المظاهر الخارجية التي تنبئ بوجود الاعتداء ...أم أن الاعتداء مفترض سلفاً و التسليح مفترض سلفاً و الاقتتال الطائفي مفترض سلفاً و الحض على التقتيل مفترض سلفاً و ليس على النيابة العامة من عبء سوى تحريك الدعوى العامة دونما إثبات.
أنا كمواطن سوري لم أسمع أن الموكل أقدم على اعتداء من هذا النوع يهدف من خلاله لإثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي..... و لم أعلم أن الموكل قام
( أصلحه الله ) بتسليح السوريين بعضهم ضد بعض أو حملهم على التسلح .... حتى أن معلوماتي تشير إلى أن الموكل كان وحيداً لوالدته و أعفي من أداء الخدمة الإلزامية فمن أين أتى بكل تلك الخبرة بالمتفجرات و المفرقعات و التعبئة العامة.
بحسب معلوماتي الموكل كاتب و أديب و عماد حياته هو قلمه و فكره و مبادئه و قيمه و ضميره و حب الخير و الحرية المزروعة فيه.
و لم اسمع يوماً أنه حاول القيام باعتداء استهدف من خلاله تسليح السوريين بعضهم ضد البعض الآخر مستهدفاً بذلك إثارة الحرب الأهلية في سوريا و الاقتتال الطائفي إلا و أنا أكتب الدفاع و كم دققت في أوراق الملف لأتثبت من أن الموكل هو حبيب صالح و ليس تشي غيفارا أو أسامة بن لادن.
و لا صحة هنا للقول أن المادة / 298 / لا تستلزم وقوع الاعتداء لأن المشرع اشترط وقوعه في متن النص و حدد الوسيلة المتمثلة في تسليح السوريين و الهدف المتمثل في نشوب الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي ..... فأين هذا كله من الموكل.
و لو أن المشرع السوري لم يشترط وقوع الاعتداء بوسائله و أهدافه المحددة بالنص عليها بمتن المادة نفسها / 298 / عقوبات.
فما هو ميزن التفريق ما بين المادة / 298 / و المادة / 307 / عقوبات و التي تنص : كل عمل و كل كتابة و كل خطاب يقصد منها أن ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف و مختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من ستة أشهر لى سنتين و بالغرامة من مائة إلى مائتي ليرة سورية.
سيدي الرئيس
حضرات السادة المستشارين
مثل هذه المحاكمات ما هي إلا وقفات حاسمة في تاريخ القضاء السوري
و هي تحتوي الأمجاد مثلما تحتوي المخازي
و المقام لا يتسع طويلاً للوقوف أمام التهمة الشائنة المنسوبة للموكل بموجب المادة / 298 / عقوبات.
وكل ما يمكن قوله في مثل هذه المقام أن المشرع السوري حظر القياس في النصوص الجزائية لأنه وسيلة للتوسع بتطبيق النص على حالات لم ينص عليها المشرع صراحة وبالتالي يمكن أن يشكل ذلك خروجاً على المبدأ الدستوري والقانوني المتمثل في شرعية الجرائم والعقوبات.
يقول الدكتور جلال ثروت في شرح هذا المبدأ في كتابه القسم العام في قانون العقوبات ما يلي :
لا يجوز بحال من الأحوال إعطاء القاضي سلطة التجريم والعقاب عن طريق القياس، إن هذا المبدأ سياج لحرية الأفراد و ضمان لتصرفاتهم وأماناً لقلوبهم ضد احتمال البطش بهم في وقت من الأوقات.
ومهما كانت المصلحة الاجتماعية عالية وهامة إلا أنها لا تبرر على الإطلاق الخروج عن الأصول و إهدار الحريات الإنسانية وإعدامها ، فلا زال الفرد أساس المجتمع ، و احترام حريته تعبير عن احترام الجماعة التي ينتمي لها وتأكيد لحقوق الإنسان التي كافحت البشرية طويلاً للحصول عليها وهذا هو السر الذي يجعل الكثير من التشريعات الحديثة تنص على هذا المبدأ في دساتيرها وتقرنه بالحريات الشخصية للمواطن عندها.
و قد كرس الاجتهاد القضائي السوري هذه المبادئ وفقاً لما عبرت عنه محكمة النقض السورية حينما رفضت القياس بالقول : إن الجرم عبارة عنه فعل ما نهى عنه القانون أو الامتناع عن فعل ما أمر به القانون ومردى ذلك أن رغبة الشارع في الأمر والنهي يجب أن تكون صريحة و بموجب نص واضح لدلك جاء في المادة الأولى من قانون العقوبات أنه لا تفرض عقوبة من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه وانطلاقاً من هذا المبدأ فإنه لا يسوغ القياس في الأمور الجزائية.
إذا : الفقه والقانون والاجتهاد القضائي متفق على عدم جواز القياس في الأمور الجزائية و على عدم جواز التوسع في تفسير النصوص الجزائية و على عدم جواز طمس المسافة ما بين المفاهيم المختلفة ( الاعتداء المادي المستهدف إثارة الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي بوسيلة هي تسليح السوريين أو حملهم على التسلح...... و بين إبداء الرأي السلمي العلني و التعبير عنه و حق النقد البناء )
سيدي الرئيس
حضرات السادة المستشارين
أقف أمامكم اليوم كمواطن سوري لأتحمل مسؤوليتي في الدفاع عن حق التعبير عن الرأي السلمي العلني في سوريا.
كما أقف أمامكم اليوم لأطالب بحقي و نصيبي كمواطن سوري في صيانة حق التعبير عن الرأي السلمي و العلني في سوريا.
و يقف إلى جانبي المشرع السوري الذي رفد الحضارة و المدنية بنصوص لا إبهام فيها و لا غموض.
و أنا في كل ذلك أستجير بحصن القضاء العالي الذي لن تهزه أفانين المبطلين .
الذين حاولوا إخراج عبارة ضالة من هنا أو استنتاج مضلل من هناك عن سياقها و رقادها في هذه المقالة أو تلك ليسـتخرجوا منها ثوباً من العبودية يفصلونه على مقاس الموكل و يلصقوا على ظهره بعض أرقام المواد العقابية و يحولونه إلى كتلة منسية في عالم الأحزان و الأوهام وسط القتلة والسفاكين واللئام.
إلا أن هامة الموكل و فكره ونضاله و صدقه ونظافة يده و لسانه و صبره و عطاءه و حسن محتده أكبر من جميع أثواب العبودية الجاهزة منها و المفصلة.
و ليسمعوها كلمة حق:
إن ما يضعف الشعور القومي ليست كلمات حبيب صالح و لا مقالاته و لا تعبيره عن آرائه.
إن ما يضعف الشعور القومي هو أننا نرى في قفص الاتهام بمحكمة الجنايات أديباً حراً كل ذنبه أنه وجد في قلمه ملاذاً ... فعاقبه خصوم الحرية.
سيدي الرئيس
السادة المستشارين
الحضارة هي العدالة والعدالة هي الحضارة
وخارج أسوار العدالة لا يوجد إلا كل أشكال الظلم و البغي و العتو و الاستبداد.
الدولة حضارة استجمعت نفسها وعبرت عن ذاتها في مرافق و مؤسـسات
أهمها مرفق العدالة ، وهو المهدد في حال انتصار أصحاب المنطق الكارثي – منطق الحقد و الضغينة – منطق الغالب والمغلوب.
ســيدي الرئيس
السـادة المستشارين
لماذا لا ندع الوطن يتذوق لذة حكم تصدرونه بالبراءة
المحامي مهند الحسني