مذكرة دفاع عن الكاتب حبيب نديم صالح الموقوف في سجن دمشق المركزي يمثله وكيله المحامي مهند الحسني
الإســـتهلال
كان من المقرر أن تكون جلسـة اليوم مخصصة لطلب ترقين قيد هذه الدعوى من سجلات محكمتكم الموقرة و إرسالها للغرفة الجنحية بمحكمة النقض للنظر في الطعن بقرار الاتهام الذي لم يتسن للموكل تقديمه في موعده القانوني.
غير أن الدفاع أقلع عن فكرة تقديم الطعن قبل يومين فقط نتيجة لتراخي الزمن على كتاب إدارة التشريع في البريد ما بين وزارة العدل و ديوان محكمتكم الموقرة لأكثر من ثلاثة أشهر و نصف.
" لطفاًِ صورة عن الكتاب الصادر عن مدير إدارة التشريع بوزارة العدل للسيد المحامي العام الأول بدمشق تاريخ 11/11/2008 و المسلم لديوان محكمتكم الموقرة بتاريخ 5/2/2009 "
و قد كنت بصدد الاسـتمهال لإعداد الدفاع على اعتبار أن فرصة الثمانية و الأربعين ساعة غير كافية من وجهة نظري لتحضير دفاع بمثل هذه القضية ذات الأوصاف الجرمية المغلظة.
إلا أن قراءة سريعة للملف و تمعن بسيط بالموقف الاتهامي للموكل الموقوف حالياً على خلفية أربعة مقالات هي :
الأحبار و الأكليروس في مواجهة رياض الترك .
هل النظام السوري " ممانع " متى و أين و كيف.
الدستور السوري و آلهة الذين كفروا.
محنة الثقافة الســورية
إضافة لبعض تقارير صغار المخبرين المكتومين، قصفت بفكرة الاستمهال و حملني لأقف أمامكم اليوم مدافعاً عن قضية لم أجدها شخصية أو ذات طابع جنائي بمقدار ما هي قضية رأي عام.
حضرات السادة الأفاضل
أنا حاضر أمامكم اليوم مدافعاً عن حق التعبير في سوريا.
حاضر أمامكم للدفاع عن حق الكاتب في إبداء الفكرة و التي من المفترض أنها فوق كل مسائلة جزائية.
الفكرة التي من المفترض أنها تدحض بالفكرة لا بالحديد و النار و الأصفاد و الأغلال و كيل التهم المجانية.
• أما و أن جهاز المخابرات اعتقل الموكل لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر في ظروف مأساوية و مزرية ثم أحاله بعد ذلك موقوفاً للقضاء السوري و مشفوعاً بمقالاته الثلاثة و بنبذة عن أقوال المخبرين الذين كانوا يتحلقون حوله من مراسلين و ناشطين حقوق إنسان " مع الأسف الشديد".
• أما و أن النيابة العامة حركت الدعوى العمومية بحق الموكل بأوصاف ترتعد لها الفرائص.
• أما و أن الهيئة الاتهامية أصدرت قرارها الاتهامي بألفاظه العامة الغامضة و عباراته المجملة الفضفاضة و التي لم يتسن لنا الطعن بحسن استدلالها و استنتاجها و النتائج التي خلصت إليها.
فقد وجدت نفسي مطالباً بالوقوف أمامكم للمرافعة و المدافعة و لكن:
عن مستقبل حرية الرأي و التعبير في سوريا من خلال دفاعي عن الموكل الكاتب و الصحفي حبيب صالح – صاحب العقيدة و الوجدان – الرجل الذي ضحى بنفسه في سبيل التعبير بصدق ونزاهة عما جال في وجدانه فعبد الطريق أمام عجلة حرية الرأي و التعبير في سوريا.
سيدي الرئيس
حضرات السادة المستشارين
حق النقد و حق المعارضة حق طبيعي للإنسان
كما أن حرية العمل الفكري و السياسي و اعتناق الأفكار دون خوف حق طبيعي للإنسان.
الإنسان الذي أعزه الخالق بحق الحياة و مجموعة الحقوق الملازمة لحقه في الحياة و في مقدمتها حقه في التفكير والتعبير و حقه في المعارضة السلمية الديمقراطية و حقه في أن ينظر للإدارة القائمة بوصفها حارساً لا سيداً و حقه في مطالبتها بالدفاع عنه لا باضطهاده.
إن احترام الحقوق الملازمة لحق الحياة يعبّر عن مستوى حضارة الأمم و الشعوب و مدى تطورها.
و حتى و لو أخرجت الظروف و الضغوطات الإنسان عن طوره فجاهر بالقول حيناً أو تخلى عن اللياقة أو اللطف في الوصف حيناً آخر و حتى لو تخشن بالتعبير عما يجول في وجدانه " على فرض ذلك " فإن ذلك لا يعطي للسلطات القائمة مبرراً في التعامل معه بأسلوب ثأري أو انتقامي.
الموكل أيها السادة و كما هو ثابت من أوراق الدعوى:
مناضل قومي عربي وحدوي مثقف و ديمقراطي ، مزق قلبه الألم على ما آلت إليه حال الأمة من تفرق و ذل.
امتلأت حياته بالغصة و هو يرى أيادي الغدر تعمل على تحويل أجساد الأطفال في فلسطين إلى قطع منثورة.
تبرع بالغالي و النفيس من أجل أطفال فلسطين و هو على ما هو عليه من تدهور مادي ناتج عن حرمانه من مورد رزقه الوحيد في إطار التوكيلات الملاحية بعد امتناع جهة الأمن السياسي عن الموافقة له للعمل بهذا المجال بعد حصر التوكيلات الملاحية.
" لطفاً إيصالات التبرع لأطفال فلسطين بآلاف الدولارات "
" لطفاً ايصالات التبرع للمؤتمر القومي العربي بآلاف الدولارات"
و كان من فضل الله على الموكل أن حباه موهبة الكتابة فهو أديب بالفطرة و الأدباء كما لا يخفى عليكم ضمير الأمة و وجدانها.
لجأ الموكل لقلمه فوجد في الكتابة ملاذه و في الصحافة فردوسه فأتحف العربية بمئات المقالات التي بث فيها خلاصة فكره و عصارة آلامه.
تحدث عن فلسطين و الانتفاضة و عن امتثال النظام الرسمي العربي و عن بذل ثروات العرب سفاحاً و عن خروج الأقطار العربية شيئاً فشيئاً من منظومة المواجهة و عن عقد الصفقات و المعاهدات و التحالفات و المفاوضات.
في الوقت الذي لا توفر فيه سلطات الاحتلال مناسبة، إلا و ذكرتنا بضعفنا و هواننا على الناس.
لا توفر مناسبة إلا و تغتنمها في بعثرة أشلاء أطفالنا و دماء نسائنا و شيوخنا في فلسطين الجريحة.
فإن كانت هذه الظروف و أمثالها و مسبباتها في القهر و العجز العربي و بما تخلفه من ضغوط نفسية و اجتماعية و وجدانية قد أخرجت الأديب و الكاتب و المفكر عن طوره أو عن حدود لياقته أو لطفه المعهود "على فرض ذلك"
فهل تكون ردة فعل الدولة أن تخرج هي بدورها عن طورها و تتعامل بسياسة الصاع صاعين أو العشرة من أمثالها.
الكتاب و الأدباء و الشعراء يا سيدي الرئيس هم ضمير الأمة و في كثير من الأحيان لا يستطيعون أن يشيحوا برؤوسهم جانباً حينما يشاهدون عذابات و إخفاقات الشعوب حالهم كحال الأعم الأغلب من أبناء الشعوب المقهورة.
فهل يجوز أن تكون رد فعل الدولة عليهم بالتعامل معهم بعقلية التجبر و الإنتقام و الثأر و العتو " و ذلك على فرض أن هناك تجاوز لحدود اللياقة"
الموكل يا سيدي الرئيس كاتب و أديب و فنان لا يملك و هو واقف أمامكم في قفص الاتهام سوى جرحه النازف على ما آل إليه حال الآمة من ضعف و هوان.
في حين أن الدولة تملك السلطة وهي في موقع القرار...... الأمر الذي يحتم عليها سـلوكاً استراتيجياً لا انتقامياً.
الموكل يا سيدي الرئيس فرد و ضعيف لا يملك في هذه الدنيا سوى ضميره الحي.
أما الدولة فهي كيان و مؤسـسات و سلطة اتخاذ قرار يفرض على أصحاب القرار التعامل مع أمثال الموكل من الكتاب و الأدباء بعقلية الدولة لا بعقلية الزعامة تمشياً مع ما طالب به السيد رئيس الجمهورية في خطاب القسم حينما تحدث عن دور المؤسـسات و دور الفكر المؤسـساتي الذي يغلب المصلحة العامة على الشخصية و عقلية الدولة على عقلية الزعامة.
حضرات السادة الأفاضل
و على مدى التاريخ البشري ظلت المدنية تكرس حق الشعوب في التفكير و التعبير و إبداء الرأي السلمي.
فها هو الرسول الأعظم يقول " الساكت عن الحق شيطان أخرس"
و ها هو أول الخلفاء الراشدين يطالب رسمياً بمعارضة علنية صريحة في خطاب التنصيب بالقول " إن كنت على حق فأعينوني و إن كنت على باطل فقوموني"
و ها هو الفاروق عمر يطلقها على مر العصور " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "
الفاروق الذي يقرن القول بالفعل حينما قال " أخطأ عمر و أصابت المرأة " في مواجهة إحدى النساء التي اجترأت عليه النقد الجارح أمام جمهرة من المسلمين في المسجد.
و ها هو الأحنف بن قيس يقول في مواجهة من شتمه في غيابه " و الله لو ضربين في غيابي لم أحفل به....!!
و لما جيء بأحد الخوارج أسير حرب للخليفة هشام بن عبد الملك فأراد قتله انتقاماً لهجائه بني مروان و صادف وجود ابن عمه عمر بن عبد العزيز في المجلس فسأله الخليفة " ما تقول به يا عمر" فأجاب : قد شتمكم الرجل فاشتموه و نجا الإعرابي.
عمر بن عبد العزيز الذي صاح به إعرابي لوطأه إزاره نتيجة التدافع في موسم الحج " أحمار أنت " فأجابه الخليفة ببساطة " بل أنا عمر " .
و ما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ســاهمت سوريا في يوم من الأيام في انبلاجه إلى النور إلا تجسـيداً لحق الإنسان في التفكير و التعبير و الحق في المحاكمة العادلة للإنسان وفقاً للمادة العاشرة منه التي تنص على أنه " لكل انسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة محايدة نظراً منصفاً و علنياً للفصل في حقوفه و التزاماته و في أي تهمة جزائية توجه إليه".
ثم جاء العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية الذي انضمت إليه الجمهورية العربية السورية عام 1969 تكريساً و تأصيلاً لحق الحياة و الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان و أولها حقه في التفكير و التعبير و الحق في المحاكمة العادلة.
الدستور السوري النافذ لعام 1973 صان في الفصل الرابع منه الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان و على رأسها حق التعبير عن الرأي و حق التجمع السلمي و اعتناق الأفكار.
و من جهتنا لا نرى في الطابع الاشتراكي لنصوص الدستور الذي كان سمة ذلك العصر شرطاً إرتدادياً على ما ورد في الفصل الرابع منه.
كما أننا لا نرى في المادة الثامنة من الدستور التي تنص على احتكار قيادة الدولة و المجتمع من قبل الجبهة الوطنية بقيادة البعث شرطاً إرتدادياً عما ورد في باب الحريات العامة.
لأن الدستور نص على قيادة البعث للدولة و المجتمع و لم ينص على حاكمية حزب البعث للدولة و المجتمع و مفهوم القيادة يختلف عن مفهوم الحاكمية كما هو معروف للجميع.
ثم أن المادة المذكورة لم تجعل العمل السياسي نفسه حكراً على هذه الجبهة أو غيرها، فالأصل أن لكل مواطن أن يمارس حقوقه السياسية منفرداً أو مع آخرين سـنداً لما هو ثابت في الفصل الرابع من الدستور.
أما حالة الطوارئ المعلنة صبيحة الثامن من آذار بالأمر العسكري رقم / 2 / الصادر عن مجلس قيادة الثورة في ذلك الوقت فقد جاءت في أعقاب مرحلة ثورية كانت فيها الثورة في أوجها.
بعدها توالت الأيام و السنون فجاءت الحقبة الاشتراكية ثم انزوت ثم جاءت بعدها الحقبة الدستورية و التي جبّ فيها دستور 1973 النافذ حالياً ما قبله و الذي نص على أن حالة الطوارئ يعلنها رئيس الجمهورية بمرسوم.
و منذ إعلان الدستور لم يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ مما تغدو معه حالة الطوارئ المعلنة قبل الدستور بعشر سنوات في عام 1963 حالة فاقدة لشرعيتها القانونية و الدستورية.
اليوم لم يعد لائقاً الحديث عن آثار لإعلان حالة الطوارئ التي تمّت منذ نصف قرن مما كان يعرف في ذلك الوقت بمجلس قيادة الثورة خلافاً لقانون الطوارئ نفسه رقم / 51 / لعام 1962 و الذي اشترط أن يتم الإعلان عن حالة الطوارئ من رئيس مجلس الوزراء و بعد الموافقة البرلمانية و بأغلبية صارمة.....!!
و مع كل ذلك :
و على فرض أنه لا تسامح مع الكتاب و المفكرين و الأدباء و الصحفيين في ممارستهم لحق النقد أو في تجرؤهم على ممارسة حق المعارضة.
أليس حرياً " إن كان للقصاص مبرر " أن يكون بالقانون و من جنس الفعل و ذلك على فرض وجود فعل معاقب عليه.
أليس حرياً " إن كان هناك عبارة ذم أو قدح أو مهانة " صدرت عن الموكل للإدارات العامة أن تحرك بحقه الدعوى العامة بموجب المادة / 373 / عقوبات و المتعلقة بذم الإدارات العامة.
علماً بأننا بحثنا و دققنا ثم محصنا في المقالات الثلاثة فلم تجد مثل تلك العبارة المتضمنة ذم أو قدح الإدارة عامة " وفقاً للتعريف الذي وضعه المشرع لعبارات الذم و القدح أو الاهانة الشخصية "
إلا إذا اعتبرنا النقاش الحر و التعبير عن الفكرة أو الألم الداخلي أو مناقشة المواطن لما ورد في نصوص الدستور هو سب و شتم و إهانة شخصية...!!
o إن الدعوى العامة التي حركتها النيابة العامة بحق الموكل سنداً للمواد / 285 – 298 / عقوبات على خلفية أربع مقالات و بعض تقارير المخبرين التي تتحدث عن أن الموكل تحدث لمندوبة موقع ايلاف هنا أو لناشط حقوق إنسان هناك والتي تصل العقوبة فيها للأشغال الشاقة المؤبدة هي خيال بأجنحة.
سيدي الرئيس
حضرات السادة المستشارين
o جهة الدفاع تعلم يقيناً عمق المسؤولية الملقاة على عاتقكم و هي تدرك تماماً دقة الموقف فيما يتعلق بالحرب التقليدية التي كثيراً ما خاضتها العدالة عبر تاريخها في عالمنا العربي مع الكلمة المجردة.
o جهة الدفاع تقدر الموقف المسبق للعدالة عبر تاريخها فيما يتعلق بالتعامل مع الخصوم السياسيين و المختلفين بالنظرة و الرأي والمنطق الاجتماعي و لا يخفى على أحد كم ساهمت العدالة في منطقتنا العربية و على مدى تاريخ طويل في الكفاح ضد الفكرة و في قمع الرأي المختلف و التي من جانبنا كجهة دفاع قد لا نشارك قائلها الرأي حولها و أحياناً قد نختلف معه في الرأي، لكننا بالتأكيد مستعدين للتضحية في سبيل صيانة حقه في إبدائها و حريته في التعبير عنها و نقف إلى جانبه مدافعين عن هذا الحق حباً بسوريا التي نصبو أن نراها أكثر رحابة و أخوية.
o إلا أننا واثقين أن صرخة حق ستطقها هيئتكم الموقرة بعد ظلم طويل أحاق بالموكل "الكاتب و المفكر حبيب نديم صالح" و الذي سنثبت لكم براءته كما يثبت أن الواحد و الواحد اثنان فعين الشمس لا يمكن إخفائها بالغربال و براءة الموكل كعين الشمس لا يختلف عليها اثنان.
في التطبيق القانوني :
عام 1689 صدر في انكلترا " قانون الإحضار" و الذي بموجبه لم يعد من حق الجهات الأمنية أو التنفيذية زج الناس في السجون و تقيد حريتهم قبل "احضارهم" و تقديمهم للمحاكمة و التي تتولى مهمة التحقيق معهم و التثبت من التهم الموجهة لهم و تصدر حكمها سنداً للقانون.
شكل هذا القانون مرحلة مفصلية على طريق التحضر و المدنية و ارتقاء النوع الإنساني باعتباره كان أولى ضمانات المتهم للحؤول دون ظلمه أو الافتئات عليه.
ثم توالت الضمانات المخصصة للمتهم و كان أهمها القوانين التي قننت أصولاً معينه للمحاكمات الجزائية تضمن حق المتهم كاملاً بالدفاع عن نفسه و مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية و بشأن دور المحامين.
فالقضاء المستقل النزيه والمتجرد و الانساني هو سياج الحريات العامة و استقلال القضاء مدخل أساسي للإصلاح السياسي في أي دولة من الدول و ليس في الدنيا ما هو أكثر امتهاناً لإنسانية الإنسان و لفكرة العدالة من حكم مسبق يوحى به من خارج ملف القضية و من خارج ضمير قضاتها.
هذا و قد اشترطت قوانين أصول المحاكمات الجزائية في المادة / 138 / أصول أن يشتمل قرار الاتهام على بيان للفعل المسند للمتهم و وصفه القانوني و هل قامت أدلة كافية أم لا على ارتكاب الفعل المذكور.
كما أعطى المشرع لقاضي الإحالة في حال قصور قاضي التحقيق عن بيان الفعل و وصفه و الأدلة القائمة عليه أن ينظر في الموضوع و يتولى إتمام التحقيق و إصدار القرار المقتضى سنداً للمادة / 146 / و أن يدقق في وقائع القضية ليرى هل الفعل حناية وهل الأدلة كافية للإتهام بالجناية سنداً للمادة / 148/
و قد اجتمع الفقه و القانون و الاجتهاد القضائي على ضرورة أن يشتمل الحكم الجزائي على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة و ظروفها و ملخص عن الدفاع و الأسباب الموجبة للتجريم أو عدمه و أن يشير لنص القانون الذي تمّ الحكم بموجبه.
و اسـتلزام تسبيب الأحكام من قبل المشرع بإيراد بيانات معينة فيه ضمان لا غنى عنه لحسن سير العدالة و هو ضمانة فرضها القانون على القاضي و هو مظهر قيام القاضي بواجبه في تدقيق البحث و إمعان النظر لتعرف الحقيقة فيما يفصل به من الأحكام ، و بالتسـبيب السليم المستند لحسن الاستنتاج و لاستدلال يسلم القاضي من مظنة التحكم أو الاستبداد و يرفع ما قد يرين على الأذهان من مظنة الشك أو الريبة أو الغدر أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم.
و التسـبيب السليم يستلزم على القاضي :
- بيان الواقعة الجرمية و ظروفها
- بيان الأدلة التي اعتمدها القاضي بحيث يدلل على أوجه اعتمادها لتلك الأدلة كمسوغات لما رتب عليها من نتائج.
- بيان النتائج التي رتبها الحكم على مقدماته وفقاً لمنطوق القانون و استناداً لحسن الاستدلال و الاستنتاج
في ما يتعلق بالتطبيق القانوني فسنتعرض لكل عنصر من العناصر السالفة مع بيان مستندها من أوراق الدعوى.
ثم من خلال المعالجة القانونية في القرار الإتهامي.
و أخيراً بيان رأي المشرع السوري و حكم القانون فيها.
i. فيما يتعلق الواقعة الجرمية في هذه القضية :
ليس هناك واقعة جرمية يمكن الدلالة عليها في القضية الماثلة بين أيديكم
بمعنى ليس هناك فعل مادي " كالقتل أو الضرب أو التعدي.... "
هناك أقوال منسوبة للموكل منقولة على لسان المخبرين لا أفعال
إضافة لمقالات أربعة عبرّ من خلالها الموكل عن رأيه
و المقالات الثلاثة إضافة لأقوال المخبرين تشكل بمجملها العناصر الجرمية التي اعتمدها جهاز المخابرات الذي حقق و جهاز النيابة العامة الذي حرك الدعوى العامة.
ii. و فيما يتعلق بالأدلة التي اعتمدها القاضي كمسوغات لما رتب عليه من نتائج فسنستعرضها من خلال أوراق الملف أولاً ثم من خلال قرار القاضي ثانياً ثم من منظور الفقه و القانون ثالثاً .
أولاً : الأدلة من خلال أوراق الملف
هناك نوعين من الأدلة كما سلف و إن كان القرار الاتهامي خلط بينها هي
تقارير المخبرين السريين من جهة ........ المقالات الأربعة التي أشفع الجهاز الأمني ثلاثة منها مع الضبط الفوري و هي:
الأحبار و الأكليروس في مواجهة رياض الترك .
هل النظام السوري " ممانع " متى و أين و كيف.
الدستور السوري و آلهة الذين كفروا.
محنة الثقافة السورية
أما مزاعم المخبرين و المرشدين الواردة في الضبط الأمني سواءاً المراسلين أو بعض نشطاء حقوق إنسان أو غيرهم.. فقد أنكر الموكل و حتى في الضبط الأمني جميع تلك المزاعم و أكد أنها ملفقة و أن الغرض منها هو النيل منه و أن المخبرين ليسوا وطنيين و سفلة و لا يعيشون إلا تحت الأرض بحثاً عن مصالحهم الشخصية على حساب دماء الآخرين.
و لا يخفى على مقامكم أن الإنكار التام المطبق و عبر جميع مراحل المحاكمة " بما في ذلك الإنكار الوارد على لسانه في ضبط فرع المخابرات / 248 / لما جاء في تقارير المخبرين.
له قوة ثبوتية كمستند في البراءة من تلك الأقوال مهما كانت.
لأن الأصل :
أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته وفقاً للدستور و القانون.
قرينة البراءة تفرض على النيابة العامة عبء الإثبات فيما لو أنكر المتهم ما ورد على لسانه من أقوال منتزعة في الضبط الفوري .
عندها عبء الاثبات ينتقل للنيابة العامة لتؤيد ما جاء في الدليل المنتزع أو المأخوذ بطريقة غير قانونية فتطلب سماع منظمي الضبط بصفتهم شهوداً للحق العام.
و هذا ما جرى عليه التعامل في القضاء السوري بالنسبة للمتهم الجنائي مع القاتل أو تاجر الحشيش أو السفاك أو المغتصب .
في حين أننا اليوم أمام متهم سياسي وقضية رأي عام
و بموجب المواد/ 197 / فإنه تكفي أن تكون للجريمة طابع سياسي حتى يقضي القاضي بالأسباب المخففة القانونية وجوباً أخذاً بعين الاعتبار الدافع الشريف.
فمن باب أولى إعمال الضمانات القانونية التي اعتمدها القضاء و جرى عليها التعامل مع المتهم الجنائي و تطبيقها بشكل ندي مع المتهم السياسي.
لا سيما و أن الموقف القانوني للموكل " كمتهم سياسي " أفضل من ذلك بكثير:
فقد أنكر ما ورد على لسان المخبرين سواء الذين زاروه أو اجتمع معهم في المقاهي العامة سواءاً في الضبط الفوري أو عبر جميع مراحل المحاكمة.
و النيابة العامة و من قبلها أجهزة المخابرات التي حققت لم تطلب المخبرين كشهود على ما جاء في تقاريرهم كما هو واضح في الضبط الفوري.
بل على العكس :
ثبتت إنكار الموكل في ضبط المخابرات " و هذا الإنكار له مستند كقوة في اثبات البراءة كمعلومات عادية في أحسن الأحوال سنداً للمادة / 180 / عقوبات و تأكد ذلك الإنكار عبر جميع مراحل المحاكمة و لم ينهض في أوراق الملف أي دليل على عكس ذلك الإنكار التام و المطبق و الشامل و المتمتع بقوة ثبوتية كمستند في البراءة مما أسند إليه في تقارير المخبرين.
بالمقابل
لا النيابة العامة و لا أجهزة المخابرات تمكنت من إثبات عكس الإنكار، و بالتالي لن ندخل في مناقشة ما جاء في تقارير المخبرين المكتومين.
و فيما يتعلق بالمقالات الأربعة:
o مقالة الأحبار و الأكليروس في مواجهة رياض الترك و التي اتهمه جهاز المخابرات ابان التحقيق معه في الضبط الفوري على الصفحة / 16 / بأنه امتدح فيها رياض الترك بكل ما يملك من أفكار حتى أنه كان الشخصية المعادلة لشخصية حافظ الأسد مؤسـس النظام القائم اليوم.
و السؤال المطروح :
هل امتداح رياض الترك في مقالة يعتبر جريمة جنائية الوصف.
كان من أبجديات القانون التي تعلمناها مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات
المادة الأولى من قانون العقوبات تنص أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص
أين النص على أن امتداح رياض الترك يشكل جريمة ... و أي جريمة
الإقتتال الطائفي و تسليح السوريين بعضهم ضد بعض .....!!!
و إضعاف الشعور القومي في زمن الحرب من خلال الأنباء الكاذبة...!!
و قد كرس الاجتهاد القضائي هذا التوجه وفقاً لما عبرت عنه محكمة النقض السورية حينما رفضت القياس بالقول : إن الجرم عبارة عنه فعل ما نهى عنه القانون أو لامتناع عن فعل ما أمر به القانون ومردى ذلك أن رغبة الشارع في الأمر والنهي يجب أن تكون صريحة و بموجب نص واضح لدلك جاء في المادة الأولى من قانون العقوبات أنه لا تفرض عقوبة من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه وانطلاقاً من هذا المبدأ فإنه لا يسوغ القياس في الأمور الجزائية.
و عليه فإن : الفقه والقانون والاجتهاد القضائي متفق على عدم جواز طمس المسافة ما بين المفاهيم المختلفة للأشياء
و على عدم جواز القياس في الأمور الجزائية
و على عدم جواز التوسع في تفسير النصوص الجزائية
ثم أن عبارة "رياض الترك كان الشخصية المعادلة لشخصية الراحل حافظ الأسد "
رغم أن الموكل أكد في الضبط الفوري رداً على السؤال أن تلك العبارة أضيفت من قبل القائمين على الموقع الالكتروني و في حال الشك نلتمس تسطير كتاب للموقع للتثبت من هذه الواقعة.
رغم أنه من أبجديات القانون أن الجريمة لا تقع إلا على الشخص الطبيعي و أن " الصفة " أحد أركان التجريم و الرئيس الراحل " رحمه الله " كما هو معلوم.
فإننا نتمسك بأن تلك العبارة المؤلفة من أربع كلمات أو خمسة أضيفت من قبل القائمين عل الموقع، و لكن و على فرض أن الموكل هو من سطرها معبراً فيها عن وجهة نظره.... عن رأيه...... فأين هي الجريمة في هذه العبارة التي استشهد بها القرار الاتهامي....!!
ثم على فرض " اللهم " على فرض كان الموكل قد نطق بالجريمة من خلال العبارة المجتزئة و الخارجة عن سياقها... فهل الجريمة المنطوقة بمثابة الاقتتال الطائفي و تسليح السوريين واجتياح المدن و احراق المحلات و اضعاف الشعور القومي للأمة العربية بأسرها و اندحار جيوشها...!!
و بكل الأحوال و فيما لو قررتم اعتماد المقالة بالعبارة المجتزأة و الخارجة عن سياقها عنصر من عناصر التجريم فإن جهة الدفاع تطلب تسطير كتاب للموقع الالكتروني للتثبت فيما لو كانت تلك العبارة المؤلفة من أربعة كلمات مضافة من قبل الموقع أم لا إبان عملية إخراج المقال.
o و فيما يتعلق بمقالة هل النظام السوري "ممانع " متى و أين و كيف.
و التي اتهمه جهاز المخابرات ابان التحقيق معه في الضبط الفوري على الصفحة / 11 / بأنه وصف النظام في سورية بأنه غير ممانع و أنه يسعى لتحقيق مصالحه من خلال دعم المقاومة في لبينان ضد الحكومة في حين أنه يحارب المعارضة السورية و لا يوازي بين الموقفين.
بداية نؤكد على ما ورد على لسان الموكل بأن إدارة الموقع الالكتروني عدلت اسم المقال و جعلته " هل النظام السوري ممانع بدلاً من عنوانها الأصلي " هل النظام العربي ممانع " و في حال الشك نلتمس تسطير كتاب لإدارة الموقع للتثبت من هذه الواقعة المادية.
و هو ما يتوافق مع ما ورد في المقالة التي تتحدث عن القمم العربية و إفلاس النظام الرسمي العربي ما بعد هزيمة 1967 الذي مزقته الخلافات و المماحكة البينية على حساب الصراع العربي الإسرائيلي...
للحقيقة و التاريخ نقول : إننا قرأنا المقالة و أعدنا قراءتها فلم نجد فيها سوى جرح نازف لمثقف قومي ساءه ما آلت إليه حال الأمة فعبرّ عن آلامه و مكنوناته بعبارات أين منها و الاقتتال الطائفي ... تسليح السوريين ... إحراق المحلات ... الهزائم العسكرية في زمن الحروب....!!
* و فيما يتعلق بمقالة " الدستور السوري و آلهة الذين كفروا " و التي اتهمه جهاز المخابرات ابان التحقيق معه في الضبط الفوري على الصفحة / 10 / بأنه انتقد بمضمونها الحريات في سورية و أنه ورد في المقالة عبارة مفادها " منطلقات حزب البعث لا تحكم و لا تقود مسرة العمل الوطني السوري بل أضحى حسباً و نسباً لمسيرة تائهة معومة و آفاق مسدودة ظائعة "
و السـؤال المطروح هنا: أليس من حق المواطن أن يعبرّ عن رأيه بدستور بلاده .... أليس الدستور بحد ذاته هو وثيقة تعاقد أولى ما بين المواطن و الدولة ....و هل تحول الدستور في سوريا إلى تحفة وطنية لا يجوز لأحد التعبير عن رأيه فيها.....أليس الدستور السوري قابلاً للتعديل و التبديل وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة ....ألم يتم تعديله اسـتجابة لمقتضيات المصلحة الوطنية ذلك مطلع عام 2001 و حينها صرح النائب " نحلاوي " رئيس لجنة الدستور و القانون في مجلس الشعب السوري بأن دستورنا هو من النوع المرن القابل للتعديل.......من باب أولى أن يكون قابل للمناقشة و إبداء الرأي حول بعض ما جاء فيه .
و اللحقيقة و التاريخ نقول : إننا قرأنا المقالة و أعدنا قراءتها فلم نجد فيها إلا تمسكاً بالدستور و مطالبة باحترام ما جاء فيه لاسيما في باب الحريات العامة فأين ذلك من.... تسليح السوريين .... بقصد الاقتتال الطائفي ...و اجتياح المدن .... اضعاف الشعور القومي في زمن الحرب المفضي للهزائم العسكرية...!!
* أما فيما يتعلق بالمقالة الأخيرة " محنة الثقافة السـورية "والتي اتهمه جهاز المخابرات إبان التحقيق معه في الضبط الفوري على الصفحة / 17 / بأنه: انتقد فيها قانون المطبوعات السوري و الصحف الحكومية الرسمية و وصف هذا القانون بالسيئ الذكر و إن واضعوه استلهموه من مفاعيل قانون الطوارئ و استطراداته و أن استمرار مظاهر الحياة النمطية التقليدية في سوريا يعني حكماً انعدام الثقافة و الهم الثقافي و المؤسـسات و المناهج السياسية لصالح بناء الدولة الأمنية و ثقافة الإقصاء و الإفراغ متهماً الكاتب بأنه بالغ في النقد.
بداية الجهاز الأمني الذي حقق مع الموكل / الفرع 248 / لم يرفق مع الضبط صورة عن المقالة التي استشهد بها في سؤاله ، و مع ذلك اعتمد القرار الاتهامي
"مع الأسف " تلك المقالة كدليل من الأدلة رغم عدم اطلاع القاضي عليها.
لكن بكل الأحوال أليس من حق المواطن إبداء رأيه بقوانين بلاده من خلال مقالة.
ألا تكتسي القوانين شرعيتها من رضا الناس عنها و إحساسهم بأنها تحقق مصالح الأعم الأغلب منهم و أن من حق المعارضين لتلك القوانين المطالبة المشروعة بتبديلها و تعديلها لذلك يتقيدون بها طواعية و يذعنون لها دونما حاجة لرقيب أو حسيب، عكس ما هو الحال حينما يشعر المواطن أن القوانين مفروضة عليه و أنها تحقق مصلحة السلطات لا مصلحته فتراه يحاول الالتفات عليها بمختلف الوسائل.
أليس التعبير عن الرأي بالقانون بالوسائل المشروعة مظهراً حضارياً متميزاً.