مذكرة بدفاع مركز هشام مبارك للقانون في تحقيقات النيابة العامة مع جريدتي البديل والطريق بشأن حظر النشر في تحقيق جنائي

مذكرة بدفاع


1. السيد/  خالد البلشي      متهم
2. السيد/       جمال العاصى     متهم
3. السيد/  ياسر عبد الهادى     متهم
4.  السيد/ ولاء عبد الرحمن      متهم

  بمناسبة التحقيقات التى تجريها النيابة العامة مع المتهمين فى القضية رقم8171 لسنة 2008

الوقائع
قرر النائب العام أحاله عدد من الصحفيين من جريدتى "البديل" و" الطريق" للتحقيقات لانتهاكهم أمراً صادراً بحظر النشر فى أحدى القضايا

 المتهم فيها السيد/رأفت المسلمى وآخرين،ووجهت لهم النيابة العامة تهمتى
1- نشر أخبار عن تحقيق جنائي قائم رغم صدور قرار من النائب العام بحظر النشر 
2- الإخلال بواجب الإشراف على النشر بأن سمحوا بنشر أخبار عن تحقيق جنائي قائم رغم صدور قرار النائب العام بحظر النشر.
وذلك وفقا لنص المادة 193 من قانون العقوبات.
وسوف نقسم مذكرتنا على النحو التالي:
أولاً: حول قرار حظر النشر ومخالفته للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون المصرى.
ثانياً: عدم دستورية المادة 193 من قانون العقوبات (مادة الاتهام)
ثالثاً:انتفاء أركان جريمة انتهاك حظر النشر
الدفـاع

أولاً: حول قرار حظر النشر ومخالفته للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون المصرى.
أصدر السيد المستشار النائب العام قراراً فى يونيه الماضي 2008 جاء فيه( بعد اطلاعنا عليه)
" فقد أمرنا بحظر النشر في القضية في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وكذلك جميع الصحف والمجلات اليومية والجرائد اليومية والأسبوعية المحلية والأجنبية وغيرها من النشرات ايا كانت ..........."
وقد جاء هذا القرار مخالفاً للدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فضلاً عن مخالفته للقانون وخاصة قانوني الإجراءات الجنائية وقانون تنظيم الصحافة (96 لسنة 1996) وذلك على النحو التالي:
قرار حظر النشر يخالف الدستور المصري
ينص الدستور المصري الحالي الصادر عام 1971 على:
مادة (47) : حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان التعبير عن راية ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى .
المادة 48:
"حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناءا فى حالة إعلان الطوارئ أو فى زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقا للقانون".
مادة (206 ) : الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها علي الوجه المبين في الدستور والقانون .
مادة (207 ) : تمارس الصحافة رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير ، تعبيرا عن اتجاهات الراي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه ، في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ علي الحريات والحقوق والواجبات العامة ، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ، وذلك كله طبقا للدستور والقانون .
مادة (208 ) : حرية الصحافة مكفولة والرقابة علي الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور وذلك كله وفقا للدستور والقانون .
مادة (210) : للصحفيين حق الحصول علي الأنباء والمعلومات طبقا للأوضاع التي يحددها القانون ، ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون .
فالمشرع الدستوري قد خصص فى الباب الثالث (الحقوق والحريات العامة) والرابع(سيادة القانون) ضمانات للمواطنين لحمايتهم من تغول السلطة التنفيذية(الإدارة) وخصوصاً تلك المتعلقة بالحريات والحقوق العامة والتى تكون ملازمة للإنسان وملاصقة له،وهذه الحقوق تندرج عموماً تحت مسمي الحقوق الفردية أو الحرية الشخصية ومنها الحق فى الأمن والأمان الشخصي،وحرية الرأي والتعبير،وحرية التنقل وغيرها من الحقوق والحريات وتقول محكمتنا الدستورية فى هذه الحقوق أن يجب على الدولة الإلتزام بالحد الأدنى المتوافر فى الدول الديمقراطية ،حيث قالت المحكمة الدستورية:
" وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى.
وحيث أن مؤدى هذه النصوص - مرتبطة بالمادة 65 من الدستور - أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة، وفى هذا الإطار، والتزاما بأبعاده، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى تعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة."
(10 23/1/ الحكم فى الطعن رقم 22 لسنة 8 قضائية "دستورية" السبت 4 يناير سنة 1992 - الجريدة الرسمية - العدد 4 فى 1992)
وتشكل تلك النصوص الدستورية حماية للمواطنين وقيداً على السلطة أي كانت طبيعيتها فى ممارسة أعمالها،فهي من زاوية تشكل قيداً على السلطة التشريعية عند تشريع القوانين حيث يجب أن تلتزم وتراعي عدم مخالفة تلك النصوص الدستورية،ومن زاوية أخري تشكل قيداً على السلطة التنفيذية (أو جهة الإدارة) أثناء تنفيذها للقوانين واللوائح،وعند إصدارها للقرارات الإدارية.
كما وضع المشرع الدستورى ضمانات دستورية هامة للصحافة فى الفصل الثانى من الباب السابع،وذلك فى المواد من 206 وحتى 211 من الدستور حيث اعتبر الصحافة "سلطة شعبية" ( مادة 206) وأقر بدور الصحافة فى تكوين وتوجيه الرأي العام فى خدمة المجتمع كما اقر بحرية الصحافة وحرية إصدار الصحف (المواد 207 و 208 و 209) بينما قرر فى المادة 210 من الدستور بحق الصحفيين فى الحصول على المعلومات والأنباء،وهى النصوص الدستورية التى تتوافق مع التزامات مصر الدولية – كما سنوضح لاحقاً – والتى تشكل مع نص المادتى 47 و48 الأطار الدستورى لحرية التعبير باعتبارها الحرية الأصل والتى يتفرع منها الحقوق الأخري ومنها الحق فى المعرفة وتداول المعلومات.
وبتطبيق المواد الدستورية سالفة الذكر على قرار النائب العام بحظر النشر فى قضية السيد/ رأفت المسلمى المحامى وأخرين،فأننا نجد أن هذا القرار قد جاء مخالفاً لتلك النصوص منتهكاً لمبادئ اعتبرتها المحكمة الدستورية العليا معياراً للدول الديمقراطية،فقد جاء قرار حظر النشر واضعاً قيداً على الصحافة (بمفهومها الواسع مرئية أو مسموعة) بحظر النشر فى تلك القضية.
مخالفة قرار حظر النشر للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان
تنص المادة  19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان:
 "لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أى تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية".
تنص المادة 19 من العهد الدولى بشأن الحقوق المدنية والسياسية:
"1- لكل فرد الحق فى اتخاذ الآراء ودن تدخل
2- لكل فرد الحق فى حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أى نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود ….."
تنص المادة 9 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الشعوب:
"1- لكل فرد الحق فى الحصول على معلومات
- كل فرد له الحق فى التعبير ونشر آرائه فى إطار القانون "
كما ينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على:
المادة 19
لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتى درج تسميتها "بمنظومة حقوق الإنسان"،أقرتها الأمم المختلفة بعد قرون طويلة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وبعد حروب قضت على ملايين البشر،بهدف وضع حد أدنى من الحقوق والحريات التى تلتزم بها الدول فى مواجهه مواطنيها،واعتبرت منذ إقراراها بمثابة قرينة على تحضر الدول وتقدمها،وبعض هذه المواثيق له صفه أخلاقية ومنها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان،ومن هذه المواثيق له صفة إلزامية مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وترتب تلك المواثيق – كما سبق وأن اشرنا – التزامات على الدول الموقعة عليها،فمن ناحية فأن تلك المواثيق تعد بمجرد التوقيع والتصديق عليها جزءا من القانون الوطنى الداخلي للدولة وذلك وفقا للقانون الدولي،وهو ما نصت عليه المادة (151) من الدستور المصري حيث نصت على:
"رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها لمجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها و نشرها وفقا للأوضاع المقررة.
على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والمالحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة او التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة تجب موافقة مجلس الشعب عليها ."
وبذلك تكون المواثيق والمعاهدات التى وقعت عليها مصر وتم التصديق عليها هى جزء من التشريع الداخلي وذلك بنص المادة (151) من الدستور المصري،ومن زاوية أخري فأن الدول تلتزم بالمواثيق التى توقع عليها فقد تطور القانون الدولي،بقيام منظمة الأمم المتحدة،حيث بدأت تتواري نظرية أعمال السيادة(والتى طالما تحججت بها الدول الاستبدادية للتنصل من التزاماتها الدولية)،وهو ما كان مقبولاً فى زمن قيام عصبة الأمم،حيث يري جانب من الفقه الدولي وبحق،بأنه بإنشاء منظمة الأمم المتحدة،فقد أصبح للمجتمع الدولي (ممثلاً فى الأمم المتحدة) الحق فى مراقبة مدى التزام الدول بالتزاماتها الدولية،وذلك وفقا لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
وبذلك يكون قرار النائب العام قد انتهك الحق فى التعبير بما يشمله من الحق فى النشر والحق فى حرية الصحافة فضلا عن الحق فى المعرفة ويقصد بالأخير
" حق كل إنسان فى أن توفر له الدولة كافة السبل الملائمة لتتدفق من خلالها المعلومات والآراء والأفكار، ليختار من بينها وفقا لإرادته الحرة وعليها أن تحمى نفاذه الميسر إليها بعيدا عن تدخلها أو تدخل الغير الذى من شأنه إعاقة أو الحد أو انتقاص أو منع تمتعه بهذه الحرية.
يعتبر الحق فى المعرفة الوجه الأخر لحرية الرأى والتعبير ،فحرية التعبير فى معناها المباشر تعنى حق الأشخاص فى أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم وهو ما يحتوى ضمنيا على حق متلقي هذه الراء والأفكار والمعلومات فى وجود سبل ومنافذ تتدفق من خللها بعيدا عن التدخل من قبل الحكومة أو غيرها من الأفراد "
(نقلا عن دراسة للأستاذ أحمد سيف الإسلام حمد المحامى والأستاذ كريم خليل بعنوان "تأصيل الحق فى المعرفة كسلاح قضائي للدفاع عن حرية الرأي والتعبير ..مقاربة أولية"،من مطبوعات مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومنشورة على موقع مركز هشام مبارك http://hmlc.katib.org/node/392 )
ووفقا لهذا لتعريف الحق فى المعرفة فأن قرار حظر النشر قد انتهك الحق فى المعرفة وتداول المعلومات،حيث جاء القرار عائقاً مباشراً للممارسة الصحيحة والواجبة للحق فى المعرفة وتداول المعلومات فضلاً عن كونه قيداً على الممارسة الصحيحة للحق فى التعبير والحق فى النشر،وعائقاً عن ممارسة الصحافة لدورها فى المجتمع.
وبذلك يكون قرار حظر النشر قد جاء مخالفا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان،بالإضافة إلى غيرها من المواثيق الدولية الملزمة للدولة المصرية كما سبقت الآشاره.
قرار حظر النشر يخالف القانون
بالإضافة إلى النصوص الدستورية – سالفة الذكر – وكذلك ما نص عليه فى المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر وأضحت جزءاً من التشريع المصري الداخلي – كما أوضحنا سلفاً،يعتبر قانون تنظيم الصحافة المصري،هو السند التشريعي الداخلي المتمم لهذه المنظومة والذى يمثل قرار حظر النشر انتهاكاً لها حيث عنى المشرع المصرى على وضع ضمانات للصحافة بما يتوافق مع الدستور المصرى والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وذلك بوضعه عده ضمانات خاصة بإصدار الصحف وحرية الصحافة والنشر،بما يكفل الممارسة الصحيحة والواجبة للحق فى التعبير والحق فى النشر والحق فى المعرفة وتداول المعلومات حيث نص  القانون والصادر برقم 96 لسنة 1996 على :
مادة 4 – فرض الرقابة علي الصحف محظور.
مادة 5 – يحظر مصادرة الصحف أو تعطيلها أو إلغاء ترخيصها بالطريق الإداري.
مادة 8 – للصحفي حق الحصول علي المعلومات و الإحصاءات و الأخبار المباح نشرها طبقا للقانون من مصادرها سواء كانت هذه المصادر جهة حكومية أو عامة، كما يكون للصحفي حق نشر ما يتحصل عليه منها.
مادة 9 - يحظر فرض أى قيود تعوق حرية تدفق المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف فى الحصول على المعلومات أو يكون من شأنه تعطيل حق المواطن فى العلم والمعرفة، وذلك كله دون إخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا"
المادة 67 /فقرة أولى
المجلس الأعلى للصحافة هيئة مستقلة قائمة بذاتها يكون مقرها مدينة القاهرة و تتمتع بالشخصية الإعتبارية، وتقوم على شئون الصحافة بما يحقق حريتها و استقلالها و قيامها بممارسة سلطاتها في إطار المقومات الأساسية للمجتمع،وبما يكفل الحفاظ على الوحدة الوطنية و السلام الإجتماعي، و بما يؤكد فعاليتها في ضمان حق المواطنين في المعرفة من خلال الأخبار الصحيحة والآراء والتعليقات الموضوعية.
ويكون تشكيله واختصاصاته وعلاقاته بسلطات الدولة وبنقابة الصحفيين على النحو المبين في هذا القانون."
وقد حدد المشرع دور النائب العام فى قانون الإجراءات الجنائية على النحو التالي:
المادة 2 من قانون الإجراءات الجنائية المصري:
"يقوم النائب العام بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة  بمباشرة الدعوى الجنائية كما هو مقرر بالقانون .
ويجوز أن يقوم بأداء وظيفة النيابة العامة من يعين لذلك من غير هؤلاء  بمقتضى القانون "

وتنص المادة 193 /1 من قانون العقوبات على :
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيها أو بأحدي هاتين العقوبتين كل من نشر بأحدي الطرق المتقدم ذكرها :-
1- أخبار بشأن تحقيق جنائي قائم إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت إجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة ."
ومن جماع النصوص القانونية سالفة الذكر يتضح أن المشرع المصرى قد أصبغ على الصحافة والعمل الصحفى حماية واجبه التزاماً منه بأحكام الدستور وبالمواثيق الدولية،ولذلك فقد جاءت نصوص القانون رقم 96 لسنة 1996 مردده لضمانات وضعها الدستور،ولم يأتى القانون إلا بتفصيل تلك الضمانات والحماية الواجبة للصحافة والعمل الصحفى،منها حظر الرقابة أو المصادرة على الصحف والتأكيد على حق الصحفى فى الحصول على المعلومات وحق نشرها(المواد4، 5،8 من قانون تنظيم الصحافة)،ولم يقتصر المشرع على ذلك بل قرر فى المادة 9 من القانون سالف الذكر على ضمان حصول المواطنين على حقهم فى المعرفة وتداول المعلومات ووضع قيد على ذلك الحق وهو"عدم الإخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن مصالح الوطن العليا،بينما قرر أنه من ضمن أدوار وأهداف المجلس الأعلى للصحافة هو ضمان حصول المواطن على حقه فى المعرفة وتداول المعلومات( المادة 67 من القانون رقم 96 لسنة 1996).
وعلى الجانب الأخر فأن المشرع قد خول النائب العام (النيابة العامة) حق مباشرة الدعوى الجنائية (المادة2 من قانون الإجراءات الجنائية)،وحدد فى المادة 193 /أ من قانون العقوبات عقوبات للنشر فى التحقيقات التى تقرر سلطة التحقيق إجراءها فى غياب خصومها أو حظرت النشر فيها مراعاه للنظام العام أو الأداب أو لظهور الحقيقة.
وقد نظم المشرع سلطة قاضى التحقيق فى إجراء التحقيق فى غيبه خصومها وذلك فى المادة 77 من قانون الإجراءات الجنائية والتى تنص على :
"للنيابة العامة وللمتهم وللمجني عليه وللمدعى بالحقوق المدنية  وللمسئول عنها ولوكلائهم أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق ، ولقاضى التحقيق أن يجرى التحقيق فى غيبتهم  متى رأى ضرورة  ذلك لإظهار الحقيقة  وبمجرد انتهاء تلك الضرورة  يبيح لهم الإطلاع على التحقيق ومع ذلك فلقاضي التحقيق أن يباشر فى حالة الاستعجال بعض إجراءات التحقيق فى غيبة الخصوم ، ولهؤلاء الحق  فى الإطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات ."
إلا أن قانون الإجراءات الجنائية قد خلا من نص تشريعي ينظم قرارات النيابة العامة بحظر النشر فى بعض القضايا،ومن ثم لم يحدد أيضاً سبل الطعن على تلك القرارات.
ومن جماع النصوص القانونية السابقة نجد أن قرار حظر النشر الصادر به أمراً من النائب العام،قد جاء مخالفاً لقانون تنظيم الصحافة ( المواد 8 و 9 و67 فقرة أولى من القانون 96 لسنة 1996) فضلا عن مخالفته للمادة 193 (مادة الاتهام) حيث أشترط المشرع حالتين لحظر النشر أولهما إجراء التحقيق فى غيبة الخصوم (وهو أمر غير متحقق فى حالتنا) وثانى تلك الحالات أن يصدر قرارا من سلطة التحقيق بحظر النشر مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة،وهو ما لم يتطرق إليه قرار النائب العام بحظر النشر فى قضية رأفت المسلمى وأخرين(  حسبما جاء بقرار النائب العام بحظر النشر والمرفق بالتحقيقات).

وبذلك يكون قرار حظر النشر الصادر من المستشار النائب العام قد جاء مخالفاً للدستور المصرى والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتى تعتبر جزء من التشريع الداخلى المصرى فضلا عن مخالفة ذلك القرار للقانون وخاصة قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996،وهو الأمر الذى يصيبه بالبطلان،بل ويجعله هو والعدم سواء.
ولما كان قرار حظر النشر فى قضيتنا هو دليل الاتهام ومحوره،ولما كان هذا القرار – كما أوضحنا سلفاً – قد وقع باطلاً لمخالفته للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فضلا عن القانون،فأنه هذا القرار لا يصلح لأن يكون سنداً لاتهام المتهمين.

ثانياً: عدم دستورية مادة الاتهام ( المادة 193 من قانون العقوبات)

نصت المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79 على ما يلى:-
"
أ- إذا تراءى لأحد المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء إحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانون أو لائحة لازمة للفصل فى النزاع أو قضت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.
ب- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة رأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد أعتبر الدفع كأن لم يمكن."
وتنص المادة 193 فقرة أولى من قانون العقوبات على
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيها أو بأحدي هاتين العقوبتين كل من نشر بأحدي الطرق المتقدم ذكرها :-
1- أخبار بشأن تحقيق جنائي قائم إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت إجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة ."
ولما كان هذا النص قد جاء مخالفاً للمبادئ الدستورية وخاصة المبادئ الواردة فى المواد 47 و 48 و 62 و 206 و 207 و 208 من الدستور المصرى وذلك على النحو التالي:

مخالفة المادة الطعينة للحق فى حرية الرأي والتعبير
نظم المشرع الدستورى كفالة الحق فى حرية الرأي والتعبير فى نص المادة 47 من الدستور والتى جرى نصها على:
" مادة (47) : حرية الرأى مكفولة ولكل انسان التعبير عن راية ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى .
ويعتبر البعض وبحق أن حرية التعبير هى الحرية الأصل والتى يتفرع منها الحقوق الأخري وبدونها تكون ممارسة غيرها من الحقوق مثل الحق فى الاجتماع غير ذى معنى أو جدوى .
وعلى الرغم من أن المادة 47 من الدستور قد حددت بأن ممارسة الحق فى التعبير يكون فى " حدود القانون"،إلا أن هذا لا يجوز بأي حال من الاحوال أن يعطى للقانون الذى ينظم الحق الدستورى ميزة على النص الدستوري فمن زاوية أن النص الدستورى هو الأولى بالتطبيق ومن زاوية أخري فأن
وفى ذلك يقول الأستاذ/أحمد سيف الإسلام فى دراستة المعنونة " مدى دستورية التنظيم التشريعي المصري لجريمتى السب والقذف صـ 27  وما بعدها
"للالمام بخطة المشرع الدستورى فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير،يلزمنا استعراض عدة مواد دستورية وقراءاتها معا،إعمال للمبدأ الدستورى القائل بأن نصوص الدستور متساندة ومتكاملة، وفى ذلك
الاتجاه قضت محكمتنا الدستورية العليا بأنه:
"وحيث إن الاصل فى النصوص الدستورية، أنها تفسر بافتراض تكاملها، باعتبار أن كل منها لا ينعزل عن غيره، وإن ما تجمعها تلك الوحدة العضوية التى تستخلص منها مراميها، ويتعين بالتالى التوفيق
بينها، بما يزيل شبهة تعارضها ويكفل اتصال معانيها وتضامنها، وترابط توجهاتها وتساندها، ليكون ادعاء تماحيها لغوا، والقول بتآكلها بهتانا"
 كما يلزمنا استحضار النطاق الدستورى لحدود سلطة الدولة عند قيامها بتنظيم الحقوق والحريات العا مة وفى ذلك استقرت محكمتنا الدستورية العليا على:
"وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها،قصدا من الشارع الد ستورى أن يكون النص عليها فى الد ستور قيدا
على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الد ستور لكل منها، من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا فإذا خرج المشرع في ما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الد ستورى،
بأن قيد حرية أو حقا ورد فى الدستور مطلقا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريا، وقع عمله التشريعى مشوبا بعيب مخالفة الدستور"
" وعند ما يحيل النص للقانون مهمة تنظيم هذه الحريات والحقوق وتحديد تخومها، فلا ينبغى أن يفهم هذا النص على أنه يمنح المشرع العادى سلطة مطلقة فى فرض الحدود، ذلك أنها يحدها أربعة قيود :
-1 على التنظيم التشريعى أل يصادر الحق أو الحرية.
-2 عليه ألا ينتقص من الحق أو الحرية.
-3 عدم جواز فرض قيود باهظة على الحرية أو الحق.
-4 مراعاة القيود الواردة فى الد ستور التى تحد من نطاق سلطته"
(مدى دستورية التنظيم التشريعي المصري لجريمتى السب والقذف – إعداد الأستاذ أحمد سيف وأخرين – مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان – منشورة على موقع مركز هشام مبارك للقانون http://hmlc.katib.org/node/58)
ومن ثم تكون المادة الدستورية هى الأصل ولا يجوز أن يخالفها المشرع العادى بنص منظم للحق الدستورى ذاته.
تعارض المادة الطعينة مع حرية الصحافة
مادة (206 ) : الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها علي الوجه المبين في الدستور والقانون .
مادة (207 ) : تمارس الصحافة رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير، تعبيرا عن اتجاهات الراي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه ، في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ علي الحريات والحقوق والواجبات العامة ، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ، وذلك كله طبقا للدستور والقانون .
ولما كان نص المادة 193 من قانون العقوبات (مادة الاتهام والمدفوع بعدم دستوريتها) قد جاءت مكبله لحرية الصحافة حيث وضعت سيفاً على رقاب الصحفيين والصحف،وذلك بأن وضعت عقاباً لممارسة الصحافة دورها وخاصة فى التعبير عن اتجاهات الرأي العام والمساهمة فى تكوينة وتوجيهه،على النحو الوارد فى نص المادة (207) الأمر الذى يفرغ ما قرره الدستور من أن الصحافة تمثل سلطة شعبية تمارس دورها بحرية وباستقلال كما جاء بالمادة(206)من الدستور المصرى.
تعارض المادة الطعينة مع الحق فى المعرفة وتداول المعلومات
تنص المادة (210) :
" للصحفيين حق الحصول علي الأنباء والمعلومات طبقا للأوضاع التي يحددها القانون ، ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون . "

من جماع كل ذلك نجد أن هذه المادة( 193 من قانون العقوبات) تخالف المواد 48،206،207،208 من الدستور المصرى والتى أكدت على عدم جواز فرض أى نوع من الرقابة أو الوصاية على الصحافة حتى تستطيع ممارسة عمله وأداء رسالتها بحرية وإقتدار وتوفير حق المعرفة للشعب دون الخوف من السجون أو من العقوبات المالية الباهظة التى قد تعوق أداء هذه الرسالة.
كما أن هذه المواد أيضا تخالف نص المادة 62 من الدستور المصرى بما قررته بأن لكل مواطن الحق فى المساهمة فى الحياة العامة حيث أنها بهذه القيود ستحجب أى مواطن من حق إبداء رايه فى أى مسألة أو أى موضوع يخص صالح البلاد وذلك خشية هذه العقوبات المغالى فيها عليه.
كما أنها أيضا تخل بنص المادة 65 من  الدستور بما نصت عليه من خضوع الدولة للقانون ومبدأ خضوع الدولة للقانون والحقوق المسلم بها ديمقراطيا من المبادئ التى قررتها المحكمة الدستورية العليا كمبدأ أساسى لبناء الدولة القانونية وهذا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بأن قررت (حيث أن المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون  - محدد على ضوء مفهوم ديمقراطى - مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة).
(قضية رقم 49 لسنة 17 ق د - ج ر - العدد 25 فى 27/6/1996)
ومن جماع ذلك يتضح لنا مدى عدم دستورية المادة 193 من قانون العقوبات.
ثالثا: انتفاء أركان جريمة خرق حظر النشر
تنص الفقرة الأولى من المادة 193 من قانون العقوبات على:
" يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيها أو بأحدي هاتين العقوبتين كل من نشر بأحدي الطرق المتقدم ذكرها :-
2- أخبار بشأن تحقيق جنائي قائم إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت إجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة ."
وبذلك يكون الفعل المادى فى الجريمة يتحقق بنشر أخبار تحقيق جنائى قائم فى حالة ما إذا كانت سلطة التحقيق قد قامت بإجراءه فى غيبة الخصوم أو قررت حظر إذاعة شيئ منه، أما الركن المعنوى فيتمثل فى القصد الجنائي العام والذى يفترض عنصرين هما العلم والإرادة،كما هو متعارف عليه ومستقر فى أحكام القضاء والفقة.
وبتطبيق  ما سبق على دعوانا نجد أن أركان الجريمة بركنيها المادى والمعنوى قد انتفوا بحق المتهمين وذلك على النحو التالي:


انتفاء الركن المادى للجريمة
يفترض الركن المادى – وكما سبق وأن اوضحنا – قيام المتهمين بنشر أخبار تحقيق جنائي قائم قررت سلطة التحقيق إجراءه فى غيبة الخصوم او حظرت إذاعته أو نشره.
فالثابت أن سلطة التحقيق – ممثله فى النائب العام – قد أصدرت قراراً بحظر النشر وهو قرار معيب – كما أوضحنا فى صدر هذه المذكرة – وبالرجوع للقرار فأننا نجد أنه على حظر النشر فى القضية رقم 771 لسنة 2008 حصر أمن دولة عليا والمتهم فيها أحد المحامين والذى يدعى رأفت المسلمى وأخرين،ومن ثم يكون جوهر الركن المادى فى دعوانا هو النشر عن القضية رقم 771 لسنة 2008 حصر أمن دولة عليا والخاصة بالسيد/رأفت المسلمى وأخرين.
وبالرجوع إلى الموضوعات الصحفية التى يدور حولها التحقيق نجد أنها لم تأتى بذكر لتلك القضية من قريب أو من بعيد وأنما تناولت أنباء عن رفع الحصانة عن أحدى الشخصيات العامة المصرية وهو رجل الأعمال المعروف وعضو مجلس الشورى" محمد فريد خميس"،وهو أمر طبيعي ومنطقى حيث أن موقع الأخير فى عالم رجال الأعمال وقربه من السلطة وعضويته فى مجلس الشورى المصري يجعل لزاماً على الصحف أن تتبع أخباره،وقد دارت جميع الأخبار المنشورة سواء بجريدة البديل أو جريدة الطريق أو حتى الجرائد الحكومية مثل جريدة" الأهرام " وغيرها حول الأنباء التى ترددت عن رفع الحصانة عن "محمد فريد خميس".
ومن ثم فلم يقم أي من المتهمين بنشر أخبار عن التحقيق الجنائي الوارد عليه قرار حظر النشر وهو التحقيق رقم 771 لسنة 2008 والخاص بالسيد/ رأفت المسلمى وأخرين كما جاء بأمر النائب العام بحظر النشر،وهو ما يرتب عليه انتفاء الركن المادى للجريمة.
انتفاء الركن المعنوى
على الرغم من أن أنتفاء الركن المادى للجريمة يجعلها هى والعدم سواء ومن ثم لا نحتاج إلى الحديث عن الركن المعنوى، إلا أننا وعلى سبيل الاحتياط وعلى فرص صحة ما ليس بصحيح فأننا سوف نناقش هنا فرضية قيام المتهمين بنشر أخبار التحقيق الجنائي رقم 771 لسنة 2008 حصر أمن دولة عليا وهو ما اثبتنا سلفاً عدم صحته.
يتمثل الركن المعنوى فى تلك الجريمة فى القصد الجنائي العام والذى يتكون من عنصرى العلم والإرادة،وسوف نوضح فى هذا الدفع أمرين أولهما هو أنتفاء عنصر العلم فى دعوانا والأمر الثانى هو أننا ندفع بانتفاء الركن الشرعي للجريمة وذلك على النحو التالي:
انتفاء عنصر العلم
يفترض لقيام القصد الجنائي العام أن يتوافر فى حق المتهم عنصرين أولهما العلم ويقصد هنا بالعلم أن يكون الجانى عالماً بوجود قرار بحظر النشر فى القضية رقم 771 لسنة 2008 حصر أمن دولة عليا ( موضوع قرار النائب العام).
ولما كان الثابت أنه رغم صدور قرار النائب العام بالأمر بحظر النشر فى تلك القضية منذ يونيه 2008 إلا أنه لم يصل للمتهمين ما يفيد هذا الحظر سواء عن طريق النائب العام أو عن طريق وزارة الإعلام – كما هو متبع – أو غيرها من الطرق.
ولما كان الأصل هو أن الصحافة تمارس دورها كما هو منصوص عليه فى الدستور والمواثيق الدولية والأعراف الصحفية،وبفرض صحة قرار النائب العام بحظر النشر فأنه يظل استثناء على هذا الأصل،وهو ما أفصح عنه المشرع فى نص المادة 193 ذاتها حيث حدد حالات بعينها لتطبيق النص العقابي وهى أن تقوم سلطة التحقيق بإجراءه فى غيبة الخصوم أو أن يصدر قرار بحظر النشر فيه.
وبانتفاء عنصر العلم فى الجريمة ينهار القصد الجنائي ومن ثم تنهار أركان الجريمة.
انتفاء الركن الشرعى للجريمة لتوافر سبب من أسباب الأباحة
تنص المادة 60 من قانون العقوبات على
" لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل أرتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"
على أن المشرع وضع بالنص السابق بعض الضوابط على مبدأ الإباحة ويقول الدكتور حسن سعد سند المحامى فى مؤلفه الوجيز فى جرائم الصحافة والنشر.
" ويبين من هذا النص أن المشرع لم يورد مبدأ الإباحة بلا ضوابط بل قيده بشروط هى:
أ – أن يكون الفعل قد أرتكب عملا بحق مقرر بمقتضى القانون.
ب – أن يكون استعمال الحق قد تم بحسن نية دون تعسف أو حيده.
ج – الالتزام بحدود الحق وعدم تجاوزها."
( الوجيز فى جرائم الصحافة والنشر – الدكتور حسن سعد سند المحامى – الطبعة الأولى 2000 – دار الألفى لتوزيع الكتب القانونية بالمنيا – ص 108 )
ومن أهم الحقوق الخاصة بالصحافة والنشر هى الحق فى النقد بكافة أنواعه سواء كان نقداً أدبيا أو علمياً أو تاريخياً أو النقد فى المعارك الانتخابية،وهو الحق المقرر والمنصوص عليه فى المادة 47 من الدستور المصرى التى جرى نصها على:
" حرية الرأى مكفولة،ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره ...........، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى"
وأشترط الفقه عدة شروط أو أركان لتحقق إباحة الفعل المستند إلى استعمال حق النقد وهذه الأركان هى:
1. أن تكون الواقعة ثابتة
2. أن يكون الفعل هو رأيا أو تعليقا على الواقعة المثبتة
3. يجب أن يكون الموضوع الذى يتناوله الناقد يتناول يهم الجمهور
4. ملائمة عبارة النقد
5. حسن النية "
( الوجيز فى جرائم الصحافة والنشر – الدكتور حسن سعد سند المحامى – الطبعة الأولى 2000 – دار الألفى لتوزيع الكتب القانونية بالمنيا – ص 111 وما بعدها )
وبمجرد توافر تلك الأركان فأننا نكون بصدد الحديث عن النقد المباح وهو النقد المحمى دستوريا بنص المادة 47 من الدستور المصرى سالفة الذكر،وهو أيضا الأمر الذى أكدت عليه محكمة النقض المصرية فى أكثر من حكم لها منها:
" النقد المباح هو إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته . و هو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره . ذلك أن النقد كان عن واقعة عامة و هو سياسة توفير الأدوية و العقاقير الطبية فى البلد و هو أمر عام يهم الجمهور . و لما كانت عبارة المقال تتلاءم و ظروف الحال و هدفها الصالح العام و لم يثبت أن الطاعن قصد التشهير بشخص معين . فإن النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس."
[الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 33 سنة قضائية 35 مكتب فني 16  تاريخ الجلسة 02 / 11 / 1965  - صفحة رقم  787]
وبتطبيق ما سبق على دعوانا نجد أننا وبحق أمام استخدام للحقوق المقررة فى الدستور والقانون ففضلاً عن حق النقد، فأن المتهمين قد استخدموا حقوقهم فى النشر وحرية الصحافة والتعبير والحق فى المعرفة وتداول المعلومات وهى النصوص المحمية والمكفولة بنصوص المواد 47 و 48 و 206 و 207 و210 من الدستور المصرى وكذلك المادتين 8 و9 من قانون تنظيم الصحافة ( 96 لسنة 1996) وهو الأمر الذى سبق وأن أوضحنا سلفا، ويتوافر حسن النية فى المتهمين وكذلك تتوافر فيهم كافة الشروط التى تتطلبها الفقة والقضاء لإعمال هذا الدفع، فرفع الحصانة عن أحد أباطرة رجال الأعمال فى مصر هو بلا شك أمر يهم الجمهور وكذلك حسن النية متوافر حيث أن المتهمين صحفيين ووظيفتهم هو المساهمة فى الرأي العام وتكوينه وتوجيهه كما نص الدستور.

بناء عليه

يلتمس الدفاع الحاضر مع المتهمين:
 
 أصلياً:
• وقف التحقيق وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية المادة 193 من قانون العقوبات أو تحديد أجلا مع التصريح برفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.
• إخلاء سبيل المتهمين من سرايا النيابة وبالضمان الشخصي.

الدفاع الحاضر مع المتهمين
أحمد راغب عبد الستار

المحامى