مذكرة بـدفـاع / عادل محمد ابراهيم حمودة متهم أول
محمد عبدالحفيظ الباز النادي متهم ثان
النيابـــة العامــــة سلطة اتهام
وآخر مدعى بالحق المدنى
فى الجنحة الصحفية رقم4673لسنة 2007إداري العجوزة والمقيدة برقم 368لسنة 2007 حصر تحقيق العجوزة
والمحدد لنظرها جلسة السبت الموافق 6/9/2008 أمام الدائرة 18 جنايات
تقدم شيخ الأزهر ببلاغين إلى النائب العام بتاريخ 19/3/2007 بشأن ما نشر بجريدة الفجر في العدد رقم 93 متضمنا في البلاغين مقتطفات من المقال الذي رأى فضيلته أنه يحمل إساءة بالغة لشيخ الأزهر وطلب تحريك الدعوى الجنائية قبل كل المتهين لارتكابهما من وجهة نظرة جريمة القذف في حق شيخ الأزهر بطريق النشر في جريدة الفجر ورأى أن المقال يحوي العديد من العبارات الخادشة للشرف والحياء العام والألفاظ الماسة بالاعتبار لو صحت لأوجبت احتقاره عند أهله ووطنه.
كما تضمن البلاغ الثاني طلب تحريك الدعوى الجنائية قبل المتهين عن ذات المقال لأنه رأى أنه تضمن إساءة لهيئة الأزهر التي يرأسها شيخ الأزهر وهي الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي صدر بشأنها القانون رقم 103سنة 1961.
باشرت النيابة العامة التحقيق وانتهت إلى إحالة المتهمين للمحاكمة بمقتضى نصوص المواد 171/5 ، 184 ، 185 ، 200/أ ، 302 ، 303/2 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات طبقا لما هو وارد تفصيلا بمذكرة الإحالة
يخصص الدفاع هذه المذكرة للدفع بعدم دستورية نصوص المواد 302 ، 303 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات
نصت المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79 على ما يلى:-
أ- إذا تراءى لأحد المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء إحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانون أو لائحة لازمة للفصل فى النزاع أو قضت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.
ب- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة رأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد أعتبر الدفع كأن لم يمكن.
أولا : نطاق حرية التعبير وفقا للدستور المصرى:
قبل أن نتناول أوجه العوار الدستوري الذي يعيب النصوص الطعينة نجد لزاما علينا أن نتناول حرية التعبير باعتبارها الحرية الأصل في هذا المجال بشئ من التفصيل خاصة من منظور الدستور المصري وأحكام المحكمة الدستورية التي تناولت هذا الحق بالكثير من التفصيل وهذا يجعل لزاما علينا أن نستعرض الدستور المصرى لنحدد نطاق حماية حرية التعبير فيه، سواء على ضوء نصوص الدستور ذاتها أو على ضوء المبادئ التى أرستها محكمتنا الدستورية العليا.
أولا: الدستور:
للإلمام بخطة المشرع الدستورى فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير، يلزمنا استعراض عدة مواد دستورية وقراءاتها معا، إعمالا للمبدأ الدستورى القائل بأن نصوص الدستور متساندة ومتكاملة، وفى ذلك الاتجاه قضت محكمتنا الدستورية العليا بأنه:
"وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية، أنها تفسر بافتراض تكاملها، باعتبار أن كلا منها لا ينعزل عن غيره، وإنما تجمعها تلك الوحدة العضوية التى تستخلص منها مراميها، ويتعين بالتالى التوفيق بينها، بما يزيل شبهة تعارضها ويكفل اتصال معانيها وتضامنها، وترابط توجهاتها وتساندها، ليكون ادعاء تماحيها لغوا، والقول بتآكلها بهتانا".1
كما يلزمنا استحضار النطاق الدستورى لحدود سلطة الدولة عند قيامها بتنظيم الحقوق والحريات العامة وفى ذلك استقرت محكمتنا الدستورية العليا على:
"وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها، قصدا من الشارع الدستورى أن يكون النص عليها فى الدستور قيدا على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستورى، بأن قيد حرية أو حقا ورد فى الدستور مطلقا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريا، وقع عمله التشريعى مشوبا بعيب مخالفة الدستور."2
وعندما يحيل النص للقانون مهمة تنظيم هذه الحريات والحقوق وتحديد تخومها، فلا ينبغى أن يفهم هذا النص على انه يمنح المشرع العادى سلطة مطلقة فى فرض الحدود، ذلك انها يحدها أربعة قيود :
1- على التنظيم التشريعى ألا يصادر الحق أو الحرية.
2- عليه ألا ينتقص من الحق أو الحرية.
3- عدم جواز فرض قيود باهظة على الحرية أو الحق.
4- مراعاة القيود الواردة فى الدستور التى تحد من نطاق سلطته.3
1- المادة 47 :
"حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى."
2- المادة 48 :
"حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناءً فى حالة إعلان الطوارئ أو فى زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقا للقانون."
نطاق حرية التعبير من واقع أحكام المحكمة الدستورية:
حرية التعبير هى الحرية الاصل:
ذهبت المحكمة إلى :
"وحيث إن ضمان الدستور - بنص المادة 47 منه - لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها، سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا."
عدم دستورية القيود المتعسفة على حرية التعبير:
وحيث إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، …،
لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفا بها، مقتحما دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدافا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسعى لسواها، هى أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها."
الدستور يحمى حرية التعبير عن الآراء الخاطئة، طالما تعلق الأمر بالمصلحة العامة:
وذهبت فى موضع ثالث إلى أن :
"وحيث إن حرية التعبير التى تؤمنها المادة 47 من الدستور، ابلغ ما تكون آثرا فى مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحى التقصير فيها، وتقويما لاعوجاجها، وكان حق الفرد فى التعبير عن الآراء التى يريد إعلانها، ليس معلقا على صحتها، ولا مرتبطا بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها. وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة فى أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام public mind، فلا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه، ولا عائقا دون تدفقها.
لا يجوز أن يكون القيد/العقوبة عائق/ قامع لحرية التعبير:
وحيث إن من المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيا، بل يطرحونها عزما - ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا. فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا فى غيبة حرية التعبير.
حرية التعبير هى قاعدة كل تنظيم ديموقراطى:
أن حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطى، لا يقوم إلا بها، ذلك أن أهم ما يميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها ولا يفرضها إلا الناخبون. وكلما أعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحرية، كان ذلك من جانبهم هدما للديموقراطية فى محتواها المقرر دستوريا، وإنكارا لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وان وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها."4
الضرورة الاجتماعية لحرية النقد:
وانتقلت فى حكم آخر لفحص حرية النقد وعلاقتها بحرية التعبير:
"وحيث إن الدستور القائم حرص على النص فى المادة 47 منه على أن حرية الرأى مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، وكان الدستور قد كفل بهذا النص حرية التعبير عن الرأى بمدلول جاء بها ليشمل التعبير عن الآراء فى مجالاتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الدستور - مع ذلك - عنى بإبراز الحق فى النقد الذاتى والنقد البناء باعتبارهما ضمانين لسلامة البناء الوطنى، مستهدفا بذلك توكيد أن النقد - وإن كان نوعا من حرية التعبير - وهى الحرية الأصل التى يرتد النقد إليها ويندرج تحتها - إلا أن اكثر ما يميز حرية النقد - إذا كان بناء - أنه فى تقدير واضعى الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطنى سويا على قدميه. وما ذلك إلا لأن الحق فى النقد - وخاصة فى جوانبه السياسية - يعتبر إسهاما مباشرا فى صون نظام الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضرورة لازمة للسلوك المنضبط فى الدول الديموقراطية، وحائلا دون الإخلال بحرية المواطن فى أن "يعلم"، وأن يكون فى ظل التنظيم بالغ التعقيد للعمل الحكومى، قادرا على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بكيفية تصريفه. على أن يكون مفهوما أن الطبيعة البناءة للنقد - التى حرص الدستور على توكيدها - لا يراد بها أن ترصد السلطة التنفيذية الآراء التى تعارضها لتحدد ما يكون منها فى تقديرها موضوعيا، إذ لو صح ذلك لكان بيد هذه السلطة أن تصادر الحق فى الحوار العام. وهو حق يتعين أن يكون مكفولا لكل مواطن وعلى قدم المساواة الكاملة، وما رمى إليه الدستور فى هذا المجال، هو ألا يكون النقد منطويا على آراء تنعدم قيمها الاجتماعية، كتلك التى تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية، أو التى تكون منطوية على الفحش أو محض التعريض بالسمعة، كما لا تمتد الحماية الدستورية إلى آراء تكون لها بعض القيمة الاجتماعية، ولكن جرى التعبير عنها على نحو يصادر حرية النقاش أو الحوار، كتلك التى تتضمن الحض على أعمال غير مشروعة تلابسها مخاطر واضحة تتعرض لها مصلحة حيوية."5
ثانيا :- فى الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات:-
المادة 302 من قانون العقوبات:-
يعد قذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه.
ومع ذلك فالطعن فى أعمال موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل أسنده إليه. ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل."
ولا يقبل من القاذف إثبات إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة
ومجال الطعن
ما أشتملت عليه من شرط ضرورة إثبات القاذف حقيقة كل فعل أسنده والتعديل الذى تم إضافته بالقانون 93 لسنة 95 بإضافة عبارة (ولا يغنى عن ذلك إعتقاده صحة هذا الفعل)
وذلك لمخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية لأصل البراءة والمحاكمة المنصفة وحق الدفاع والحرية الشخصية ومبدأ الفصل بين السلطات مما يعتبر إخلالا بنصوص المواد 41/2،67،69،86،165 من الدستور المصرى.
مخالفته لنص المادة الثانية من الدستور
لما كان تعديل الدستور الذى تم بتاريخ 22 مايو 1980 أصبحت المادة الثانية منه تقضى على أن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) فمعنى ذلك أن القوانين يجب ألا تخالف ما هو ثابت فى الشريعة الإسلامية.
ولما كان مبدأ الأصل فى الإنسان البراءة وهو من المبادئ قطعية الثبوت والدلالة فلا يجب ألا تخل التشريعات بهذا المبدأ وإن خالفته تكون مشوبة بمخالفة الدستور.
ولما كان شرط إثبات حقيقة كل فعل أسنده المتهم تعنى أن الشارع ألقى على القاذف مسئولية إثبات حقيقة كل فعل نسبة إلى الأشخاص الذين حصرتهم تلك الفقرة بالإضافة إلى حسن نيته وذلك حتى ينجو من العقاب.
ويكون بذلك قد أتخذ من عجزه عن إثبات حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه دليلا قاطعا على ثبوت مسئوليته عن جريمة القذف ولو كان حسن النية وهو بذلك يخل بأصل البراءة السالف ذكره وبالتالى يخالف أصل المادة الثانية من الدستور المصرى.