مذكرة بدفاع محمد ابو الدهب الصحفي بجريدة الدستور عن واقعة سب وقذف

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان 
وحدة الدعم القانوني لحرية التعبير
  

 
محكمة جنح ثاني المحلة
دائرة (الاثنين)

مذكرة بدفاع

السيد /  محمد حامد إسماعيل أبو الدهب        المتهم الأول

ضـــــد

1-السيد/فؤاد عبد العليم حسان     مدعى بالحق المدنى

2-السيد/إبراهيم المرسى هيبه     مدعى بالحق المدنى

3-السيد الأستاذ/وكيل نيابة ثان ألمحله الكبرى    سلطة اتهام

في الدعوي رقم    3850   لسنة 2009

والمحدد لنظرها جلسة   19/10/2009

مرافعة

- الوقائع من واقع عريضة الدعوي
تخلص واقعات الدعوى حسبما يبين من الأوراق فى أن المدعي بالحق المدني قد أقام دعواه بطريق الإدعاء المباشر ضد المتهم بموجب صحيفة طلب فيها الحكم على المتهم بمقتضى نصوص المواد 302، 305 ، 306 ، 308   من قانون العقوبات.


وذلك على سند من القول أن بتاريخ 1 / 3  / 2009 وبجريدة الدستور  نشر مقال تحت عنوان " مستندات تكشف مخالفات قانونية بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري " اعتبرها المدعون بالحق المدني سب وقذف في حقهم .

الطلبات

أولا: طلب وقف الدعوي تعليقا لحين الفصل في الدعاوي الدستورية  وإحالة الدعوي إلي المحكمة الدستورية العليا .
- لما كانت وظيفة المحكمة الدستورية العليا أن لها وحدها دون غيرها الاختصاص بالرقابة علي دستورية القوانين طبقا لنص المادة 175 من الدستور و ينحصر دور المحاكم الاخري إذا تراءي لها في أي نص قانوني معروض أمامها شبهه مخالفته لنصوص الدستور أو دفع احد الخصوم في نزاع معروض أمامها بعدم دستورية نص قانوني مطبق في النزاع المطروح علي المحكمة ورأت المحكمة جدية هذا الدفع فإنها أما أن تحيل من تلقاء نفسها الدعوي إلي المحكمة الدستورية للفصل في مدي دستورية هذا النص وان تمهله أجلا لإقامة الطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا .


- ولما كانت النصوص القانونية المطالب بتطبيقها في الدعوي الماثلة قد تم أقامة عدد (8) طعون أمام المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدي دستورية هذه المواد و هي الطعون أرقام 25لسنه 21 ، 83 لسنه 21 ، 60 لسنه 22، 149 لسنه 22 ، 274 لسنه 23 ، 16 لسنه 24 ، 82 لسنه 24 ، 102 لسنه 24 ومطلوب الحكم فيها بعدم دستورية المواد 302 ، 303 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات وهي ذات المواد محل الاتهام في الدعوي الماثلة .

- كما قد صرحت محكمة جنح ثاني المحلة في الجنحة رقم 192 لسنة 2009 بإقامة الدعوي الدستورية عن ذات المواد وبجلسة 13 / 5 / 2009 قامت بوقف الفصل في الدعوي لحين الفصل في الطعن المقدم للمحكمة الدستورية العليا وبالفعل تم قيد الطعن واخذ رقم 100 لسنة 31قضائية دستورية (ق د ) " حافظة مستندات رقم واحد "
- وهذا الأمر يؤكد وجود شبهه مخالفة هذه المواد للدستور وترجح صدور حكم بعدم دستورية هذه المواد الأمر الذي يكون معه طلب وقف الدعوي الماثلة لحين الفصل في هذه الدعاوي الدستورية هو طلب مصادف لصحيح القانون حيث أن العدالة تقتضي أن يحاكم المتهم بنصوص قانونية صحيحة ومتوافقة مع نصوص الدستور لا نصوص متعارضة مع الدستور و أحكامه لذلك فان استمرار محاكمه المتهم بهذه النصوص يعد افتئاتا علي حقه في المحاكمة العادلة و المنصفة حيث انه يشترط في المحاكمة أن تكون وفقا لنصوص قانونية متسقة مع الدستور ومبادئ حقوق الإنسان وهذا ما ينتفي في نصوص المواد محل الاتهام في الدعوي الماثلة .

الدفاع

 أولا : الدفوع الإجرائية  
1- ندفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوي .
2-  ندفع بعدم قبول الدعوتين الجنائية و المدنية لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون .

ثانيا : الدفوع الموضوعية

1- مقدمة لابد منها.
2- عدم انطباق القيد والوصف الوارد في العريضة علي ما جاء بالعريضة محل النزاع.
3- حق النقد وإباحة القذف .
4 - ندفع بتوافر أركان و شروط النقد المباح.
5- عدم انطباق نص المادة  308 علي المقال محل الاتهام .  

أولا : الدفوع الإجرائية :-
1-  الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى :-
حيث أن المواد 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت علي الأتي :
م215 ( تحكم المحكمة الجزئية في كل فعل يعد مقتضي القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر ‏علي غير الإفراد ).  

م 216 : ( تحكم محكمة الجنايات في كل فعل يعد بمقتضي القانون جناية و في الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها عن طريق النشر عدا ‏الجنح المضرة بإفراد الناس و غيرها الجرائم الاخري التي ينص القانون علي اختصامها بها ). ‏

‏ ومفهوم هذه النصوص هو انه إذا كانت الوقائع الخاصة بالنشر موجهه إلي احد أفراد ينعقد الاختصاص القضائي إلي محكمة الجنح أما إذا كانت ‏الوقائع محل النشر موجهه إلي غير أحاد الناس ( موظف عام أو من حكمه – شخص ذي صفه نيابية – مكلف بخدمة عامة ) فان الاختصاص ‏ينعقد هنا لمحكمة الجنايات . ‏

ولما كان الموضوع محل النشر ( أموال جمعية تعاونية ) يعد مالا عاما وبالتالي فإن القائم عليه والمسئول عنه يعتبر موظفا عاما فيما يتعلق بالمال حيث نصت المادة 111 من قانون العقوبات علي تعريف الموظف العام حيث جاء بها " يعد في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل :
1-    ............   2 - ...............   3- ............. 4- ................
5- كل شخص مكلف بخدمة عمومية .
6- أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات  العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت .  

‏00ويترتب علي ذلك أن الاختصاص هنا ينعقد لمحكمة الجنايات و تكون محكمة جنح ثاني المحلة  غير مختصة بنظر هذه الدعوي الأمر الذي يستتبع ‏القضاء بعدم اختصاص المحكمة و إحالتها إلي محكمة الجنايات . ‏

2-   الدفع بعدم قبول الدعوتين الجنائية و المدنية لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون  

تنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني ‏عليه أو من وكيله الخاص ، إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 185، 274، 279، ‏‏292 ، 293، 3.3، 3.6، 3.7، 3.8 ، من قانون العقوبات ، وكذلك فى الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون . ‏

ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ""  .
وبتطبيق ذلك على واقعات دعوانا نجد وكيل المدعي بالحق المدني  قام بتحريك هذه الدعوي بطريق الادعاء المباشر بموجب وكاله عامة و هذا ‏بالمخالفة لنص المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية وهي المادة التي ألزمت في جرائم الشكوى ( ومنها جريمتي القذف و السب ) أن يتم تحريك ‏الدعوي الجنائية فيها أما عن طريق المجني عليه شخصيا أو بواسطة وكيله الخاص بموجب وكاله خاصة بعد الواقعة وقبل تحريك الدعوي الجنائية ‏و إلا تكون الدعوي غير مقبولة و في الدعوي الماثلة نجد أن وكيل المدعي بالحق المدني قد حرك صحيفة الجنحة المباشرة بموجب توكيل عام و ‏ليس توكيل خاص و بالتالي تكون الدعوي غير مقبولة الأمر الذي يستتبع الحكم بعدم قبول الدعوتين الجنائية و المدنية لرفعها بغير الطريق الذي ‏رسمه القانون . ‏

أما ما يثار بان هذا القيد هو علي النيابة العامة فقط ، فهذا مخالف لقصد المشرع حيث أن منع النيابة العامة من اتخاذ إجراءات التحقيق إلا بناء ‏علي شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص هذا يسري أيضا علي حق المجني عليه فإذا أراد الادعاء المباشر فعليه أما أن يتخذ هذا الإجراء ‏بشخصه أو عن طريق وكيل خاص أيضا . ‏

وذلك لكون النيابة العامة هي صاحبة الحق الأصيل في أقامة الدعوي الجنائية و أن الادعاء المباشر هو استثناء علي هذا الحق الأصيل و بالتالي ‏يجب عند تطبيقه أن يكون في أضيق نطاق و لا يتم التوسع فيه علي حساب الأصل و من ذلك إذا جاء نص و قيد الحق الأصيل للنيابة العامة في ‏تحريك الدعوي الجنائية إلا بناءا علي شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص بالتالي ينسحب هذا القيد علي الاستثناء و هو الادعاء المباشر . ‏

ولما كانت هذه الدعوي قد تم تحركها بواسطة وكيل عن المجني عليه بوكالة عامة  وبالتالي تكون غير مقبولة لكونها تم تحريكها بغير الطريق ‏الذي رسمه القانون .ولا يؤثر في ذلك كون عريضة الدعوى قد خلت من نص المادة 303 عقوبات وذلك لأن هذا النص هو الوارد به العقوبة ‏فالمادة 302 توصف الجريمة والمادة 303 تتناول العقوبة ‏.

ثانيا : الدفوع الموضوعية :-
1- مقدمة لابد منها

لكي يقوم الصحفي بدوره في البحث عن الحقيقة لابد أن يعرض جميع الآراء التي تظهر أمامه للجمهور وبالأخص الإخبار التي تهم الرأي العام وكذلك الأخبار التي تؤثر  في الصالح العام للمجتمع وهذا هو دور الصحفي في ظل مجتمع ديمقراطي يتقبل الآراء لهدف الصالح العام .

2- عدم انطباق القيد والوصف الوارد في العريضة علي ما جاء بالعريضة محل النزاع .
- أقام المدعي بالحق المدني دعواه بطريق الادعاء المباشر وقد حركت النيابة العامة الدعوى الجنائية قبل المتهم تأسيسا على ذلك بمقتضى نصوص المواد 302، 305 ، 306 ، 308  من قانون العقوبات  وجاء في صدر العريضة إننا بصدد دعوي نشر أخبار كاذبة ومن الناحية القانونية فإنه يجب لقيام المسئولية الجنائية قبل المتهم ثبوت العلاقة بين المتهم والجريمة المنسوبة إليه أي  ثبوت إسناد الجريمة للمتهم فيتعين لمساءلة المتهم توافر النشاط الإجرامي في حقه بإتيانه سلوكا مجرما إضافة إلى توافر النتيجة الإجرامية .


تنص المادة "302 "
يعد قاذفا كل من اسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه .
" ومع ذلك فالطعن فى أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة ، وبشرط أن يثبت المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه ، ولسلطة التحقيق أو المحكمة بحسب الأحوال ، أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق ومستندات معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال.
ولا يقبل من القاذف أقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا فى الحالة المبينة فى الفقرة السابقة .
والنشاط الإجرامي المؤثم هنا هو:-
الإغراء بالقول أو الصياح جهرا على ارتكاب جريمة بأحد الطرق المبينة في المادة 171 والقذف في حق الغير بإسناد له أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه

ونصت المادة "305"
وإما من اخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكور ولم تقم دعوى بما اخبر به .

مادة "306 "

كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه فى الأحوال المبينة بالمادة 171 بغرامة لا تقل عن ثلاثة ألاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشرة ألف جنيه .
وباستعراض ما جاء بعريضة الادعاء المباشر نجد أنها قد خلت من تحديد عبارات محددة يمكن تعريفها بأنها تشكل النشاط الإجرامي للمتهم الذي ينطبق عليه مواد الاتهام وكذا لم يبين لنا في عريضة دعواه الألفاظ والعبارات التي وردت فيما نشر بجريدة الدستور حسب روايته والتي تضمنت ذلك .

أن الأمر لم يتعدى كونه عبارات توضح وجود مخالفات مالية للطالبين بصفتهم قائمين علي أموال عامة وهي أموال الجمعية الاستهلاكية لشركة الغزل والنسيج ولم يقدم لنا المدعي بالحق المدني تحديدا العبارات التي تشكل جريمة السب والقذف من وجهة نظر المدعي بالحق المدني ولم يذكر في عريضة الدعوى ماذا قال المتهم لكي تراقب المحكمة هذا القول من مدى كونه يشكل جريمة من عدمه .

الواقع سيدي الرئيس أننا أمام قضية خلت من كل عناصرها مجرد أقوال مرسلة من الممكن أن يدعي بها أي مواطن قبل أي مواطن آخر غير واضحة المعالم فلا يوجد تحديد للفعل المادي المجرم قانونا والذي نسب للمتهم ارتكابه ولا يوجد ما يمكن أن يؤكد أو ينفي حدوث النتيجة الموجودة في النموذج الإجرامي فضلا عن خلو العريضة من مادة الاتهام الخاصة بتحديد العقوبة لجريمة القذف وهي المادة 303 من قانون العقوبات فعلام يعاقب المتهم ولماذا ؟


كما أن عريضة الدعوي حملت تناقض واضح بان ما تم نشرة أخبار كاذبة في حين أن المدعين قد اقروا في عريضة دعواهم بصدق هذه الوقائع وانه تم صرف هذه الأموال فعلا كما جاء بالخبر وكان الهدف من النشر هو الصالح العام لان أموال الجمعيات أموال عامة " حافظة مستندات رقم 2 " .

3- عدم انطباق المادة 308 عقوبات تحديدا علي واقعة الدعوي .
نصت المادة 308 عقوبات علي أن " إذا تضمن العيب أو الاهانه أو القذف أو السب الذي ارتكب باحدى الطرق المبينة فى المادة ( 171 ) طعنا فى عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معا فى الحدود المبينة فى المواد 179 و181 و182 و303 و 306 و 307 على إلا تقل الغرامة فى حالة النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصى وإلا يقل الحبس عن ستة شهور "..


وطالب المدعون بالحق المدني في ختام عريضة دعواهم بمعاقبة المتهمون بموجب المادة 308 عقوبات ولم يرد بالمقال الصحفي أي عبارة أو جملة تطعن في شرف العائلات فما جاء بالمقال هو مجرد مخالفات مالية داخل الجمعية التعاونية المنزلية للعاملين بشركة الغزل والنسيج وتم نشرها من قبيل النقد المباح حيث أن الموضوع متعلق بأموال عامة وهو ما يهم قطاع عريض من الناس والرأي العام .

ولقد حددت محكمة النقض منذ وقت مبكر المقصود من الطعن في أعراض العائلات تحديدا واضحا إذ قضت بأن : " الطعن في أعراض العائلات معناه رمي المحصنات أو غير المحصنات من النساء مباشرة وغير مباشرة بما يفيد أن أولئك النسوة يفرطن في أعراضهن أي يبذلن مواضع صفتهم بذلا محرما شرعا أو يأتين أمورا دون بذل موضع العفة ولكنها مخالفة للآداب مخالفة تنم عن استعدادهم لبذل أنفسهم عند الاقتضاء وتثير في أذهان الجمهور هذا المعني الممقوت فكل قذف أو سب متضمن طعنا من هذا القبيل يوجه إلي النساء مباشرة أو يوجه إلي رجل أولئك النساء من عائلته ويلزمه أمرهم يكون قذفا أو سبا فيه طعن في الإعراض "

( طعن 863 / 2 ق جلسة26 / 1 /33 مجموعة القواعد ج 2 بند 124 ص 744 ومنشور في مرجع المستشار خليل القذف والسب ص101 ) .

- وفي حكما أخر لها " أن كل ما يتطلبه القانون للمعاقبة علي القذف أو السب بالمادة 308 عقوبات أن تكون عقوبته متضمنة طعنا في عرض النساء أو خدشا لسمعة العائلة . فمتى كانت الألفاظ التي أثبت الحكم أن المتهم وجهها إلي المجني عليه تتضمن في ذاتها طعنا من هذا القبيل فلا يعيبه أنه لم يبين صراحة أن القصد من توجيه عبارات السب إلي المجني عليه كان الطعن في عرضه أو خدش سمعة عائلته" .

( 1/10/1945 مجموعة القواعد القانونية ج6 ق607 ص746 )

4-  حق النقد وإباحة القذف:
إذا كان الدستور قد ضمن المادة (47) منه كفالة حرية التعبير عن الرأي وكفالة حق النقد فإن هذا يعنى أننا إزاء حقين أو حريتين بينهما قدر من التمايز ويقع التمايز فى حدود نطاق حق التعبير العادي مقارنة بنطاق حق النقد فحق النقد يتضمن بالضرورة ليس فقط المساس بأعمال شخص ما، وإنما أيضا المساس بشخصيته. ويرجع ذلك إلى الاستحالة العملية للفصل بين الشخص وعمله، فلا يمكن مثلا تعيب عمل بغير أن يمتد هذا التعيب إلى ذات الشخص صاحب العمل. وذلك نظرا للاتصال الطبيعي بين الشخص وبين عمله، وبذلك يكون النقد فى العادة مكونا لجريمة القذف أو السب أو حتى الاهانه، وهذا هو منطق الأمور وعلة تناول القانون الجنائي لبحثه فى جرائم القذف والسب.


فالقانون الجنائي يعاقب أصلا على القذف، واستثناء أباحه إذا كان فى مواجهة موظفين عموميين ومن فى حكمهم بسبب أعمال وظائفهم.

ومن ثم لا يوجد سنداً تشريعياً يبيح النقد فى مواجهة غير هذه الطائفة، رغم انه من الجائز أن يطرق من ليس موظفا عاما مصلحة عامة أو أمرا عاما سواء فى ميادين عملية أو دينية أو سياسية فلماذا تضيق دائرة النقد، رغم أن الدستور لم ينص على إباحة النقد فى مجال الوظيفة العامة فقط، أن مسلك القانون الجنائي يجعل من دائرة النقد المباحة دستوريا ضيقة بشكل يخالف أحكام الدستور، ومن ثم على المشرع أن يبيح النقد كسبب لإباحة القذف أو السب بشرط أن يكون نزيها ولا يسعى إلا إلى المصلحة العامة.

هو ما دعي واضع الدستور إلى النص عليه صراحة فى صلب الدستور، وهو ما جعل الفقه الحديث يجيز أن يشمل النقد قذفا أو سبا ولكن يباح بشرائط معينة سواء كان فى مواجهة موظف عام أم لم يكن ذلك.

وهل يتصور أن يبيح الشارع القتل والضرب والجرح لحماية المال والأنفس دفاعا شرعيا ولا يبيح ذات الدفاع لخير المجتمع. وان اتخذ ضررا اخف وابسط من القتل وما إليه ويذهب د. النجار إلى أن "حق النقد وهو كما نعتقد يبيح الجرائم القوليه كالقذف تحقيقا للنفع العام يكون بمثابة دفاع شرعي ضد الفساد لصالح المجتمع. ومن ثم يبيح القذف وما إليه لدرء هذا الخطر إذا ما تمت ممارسته طبقا للضوابط التى تكفل له عدم الانحراف عن الغاية المنشودة من شرعته.

5 - ندفع بتوافر أركان و شروط النقد المباح.

تزايد الاهتمام بالشئون العامة وعرض الآراء المتصلة بأوضاعها وانتقاد أعمال القائمين عليها هو أمر تشمله الحماية الدستورية تغليبا لحقيقة أن الشئون العامة وقواعد تنظيمها وطريقة إدارتها ووسائل النهوض بها وثيق الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة حتى ولو أدى ذلك إلى انتقاد القائمين عليها انتقادا مريرا000 فان هذا النقد من خلال الصحافة يظل يتمتع بالحماية التى تكفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية او يجاوز الإغراض المقصودة من رسائلها.

0    وحرية الصحافة بوصفها وجها لحرية التعبير تتضمن عنصرين أولهما:- حرية نشر الأخبار والإنباء وثانيهما:- حريتها فى إبداء الرأي على الوقائع موضوع الأنباء والأخبار ومن صور هذا العنصر الثاني لحرية الصحافة حق النقد أو ما يطلق عليه النقد المباح.

0    وقد نصت المادة 60 من قانون العقوبات على انه "لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة".

0    فهذه المادة تقرر قاعد أصولية والقصد هو احد الحقوق المقررة التى تسرى أحكام قانون العقوبات على الافعال المرتكبة حين ممارستها من سب او قذف أو إهانة او تحريض فحرية الرأي حق مقرر فى الدستور فى المادة 47 منه وعلى هذا فالنقد سبب للإباحة من شأنه أن يبيح اذا توافرت شرائطه بعض الجرائم القولية تقدير المصلحة عليا أولى بالرعاية من المصلحة الخاصة.

والسؤال الذي يتبادر للذهن الآن هل فى دعوانا ما يمثل مصلحة عليا تصح أن تمثل وعاء لنقد مباح حتى ولو استعمل الناقد عبارات قاسية أو مريرة بفرض أنها ليست موجهة إلى شرف شخص وإنما موجهة إلى الفكرة ذاتها وبتطبيق ذلك على واقعات دعوانا نجد أن الموضوع الذي تناوله المتهم هو عبارة عن مقال يوضح وجود مخالفات مالية داخل ميزانية الجمعية التعاونية لشركة الغزل والنسيج وتقاضي الطالبين أجورا مالية عن أعمالهم من الشركة والجمعية في الوقت نفسه من خلال مستندات  تؤكد ذلك وحيث أن مال الجمعيات هو من الأموال العامة ويعتبر من يديرها في حكم الموظف العام  وبالتالي تعتبر من الوقائع التي تهم الرأي العام  لتحقيق مصلحة عليا .

إن الدستور بكفالته فى المادة 47 منه حرية التعبير عن الرأي وعنايته بإبراز الحق فى النقد الذاتي والنقد البناء باعتبارهما ضمانا لسلامة البناء الوطني وليس بعيب أن يلجأ الناقد إلي طرح الموضوع علي الرأي العام  طالما انه قد توخي فيه  تحقيق الصالح العام وليس مجرد التشفي والتشهير أو الانتقام وبإنزال ما تقدم على ما ذكره المتهم نجد أنه لم يتجاوز طرح الموضوع للرأي العام  لتواخي المصلحة العامة .

أركان النقد المباح:-

1- واقعة ثابتة (وعاء النقد)
2- ذات أهمية جماهيرية عامة
3- رأى ملائم أو تعليق نزيه
4- ملائمة الرأي أو التعليق للواقعة وتناسبه معها
5- حسن النية


(1) واقعة ثابتة

والمقصود بذلك وجود موضوع مسلم به يرد عليه النقد إذ من المتعين أن يكون وعاء النقد أو موضوعه ثابتا غير مذكور حتى يكون محلا للرأي والتعليق.

وهذا يقتضى أن يكون الناقد حسن النية لديه الدليل على صحة الواقعة ولكن ليس بذي بال بعد ذلك أن تثبت صحة الواقعة على وجه التحقيق إنما يعوض الناقد عن ذلك بحسن نيته وهو أنه يعتقد صحة الواقعة وأن يكون اعتقاد قائما على أسباب معقولة.

وهو ذات الحل الذي أخذ به القانون الانجليزي للقذف فى سنة 1952 فى المادة السادسة منه حينما اعتبرت هذه المادة أن دعاوى القذف الكتاب أو الشفوي يمكن دفعها بحق النقد النزيه ولو لم يستطع الناقد أثبات كل الوقائع المسندة.

وثبوت الواقعة قد يكون مستفادا من ذيوعها وعندئذ يكون الحق فى نقدها مباحا لوروده على ما أعلن للجمهور بالفعل وبات فى حوزته من وقائع وأحداث إذ أن الواقعة متى أصبحت ذائعة مشهورة ومعلومة وكانت متعلقة بمصلحة عامة أو شأن عام وسقطت فى حوزة الجماهير كان عليهم تدارسها وتقليمها على جميع وجوهها لاختبار الأنسب فيها.

وبتطبيق ما تقدم على دعوانا نجد أن الواقعة محل النقد وهى مسألة ( صرف مبالغ مالية بدون وجه حق للجمعية التعاونية المنزلية للعاملين بشركة الغزل والنسيج وهي أموال عامة وواقعة تهم الجمهور  )فنحن هنا أمام واقعة مخالفة تعليمات مالية طالب المبلغ بالتحقيق فيها ومن السهل أيضا التحقق من صحتها ولم يحوي المقال أية عبارات يمكن اعتبارها أصلا تشكل جريمة القذف .


ونريد هنا أن نلفت النظر إلى أن حق النقد حق عام يمارس فى مواجهته جميع الناس سواء كانوا من عمال السلطة أم ليسوا كذلك ما دامت قد توافرت شرائطه.

- ولكن الواقعة بالنسبة إلى الفاعل لا تنحصر فى كونها ثابتة أو غير ثابتة فحسب فقد تكون واقعة كاذبة ولكن ثبت اعتقاد الجاني فى صحتها أو لم يثبت صحتها ولم يثبت كذبها ولكن الجاني يعتقد فى صحتها عندئذ تجوز تبرئة المتهم على أساس أن حسن النية إذا توافرت شروطها مما يؤدى إلى انتفاء القصد الجنائى0000 وبشرط أن يكون هذا الاعتقاد قائما على أسباب مقبولة وهذه مسألة موضوعية يقدرها قاضى الموضوع غير خاضع لرقابة محكمة النقض فيما عدا ما يتصل بتسبيبها.

(نقض 11/2/46 مجموعة القواعد ج 4 ص 560)
 

(2) الأهمية الاجتماعية للواقعة
وهذا الشرط هو الذي نستبدل به حق النقد فى الوظيفة العامة وشاغلها لأن أباحة القذف فى حق الموظف العام شرع بسبب ما للوظيفة من أهمية الناس ولكن ليس ميدان الوظيفة وحده هو ما يهم الناس فكثير من الميادين يتصل اتصالا وثيقا وحيويا بحياة الناس ولا يتعلق بالوظيفة العامة ومن ثم يباح النقد بشأنه ولو لم يتعلق بالوظيفة العامة أن شاغرها فنقد المرشح فى الانتخابات وتناول حتى حياته الخاصة بالنقد لاستنارة جمهور الناخبين لوقوفهم على حقيقة أمر من يمثلهم تتحقق به الأهمية الاجتماعية اللازمة لقيام حق النقد وإباحته.

لوبداتفان جـ 2 ص 309 بند 747
والواقعة التى تهم الجماهير لا شك تتصل بالصالح العام وكل ما يهم الصالح العام ذا أهمية للجماهير ولذلك لا يقتصر ما يهم الجماهير على نشاط الموظفين العموميين ومن فى حكمهم بل كذلك أصحاب الحرف والمهن الأخرى وذلك بحكم حاجة الجمهور إلى أنشطة هؤلاء يعرضون نشاطهم على الجمهور لسد هذه الحاجة ومن ثم يخضع نشاطهم للنقد لصالح الجماهير.
وبتطبيق ذلك نجد أننا لسنا فى حاجة إلى إثبات الأهمية الاجتماعية والجماهيرية لهذا الموضوع اذا انه يشغل اهتمام الكثيرين إلى ألان لما فيه اتصال بالعمل العام .

(3) - الرأي المناسب أو التعليق النزيه .

الرأي أو التعليق هو جوهر النقد وهو الإضافة التى جاءت بها قريحة الناقد وحرية الناقد حينئذ طليقة من أي قيد طالما توافرت سائر الشروط الأخرى فلا رقابة عليه فيما يبدى من أراء وسلطة القضاء على هذه الآراء أو هذا التعليق لا تصل إلى حد تجريمه رأى أو العقاب على تعليق.

0    والرأي أن النقد هو المقصود بقول الكتاب أنه إذ أبدى بحسن نية فى مصلحة عامة ليس وجها للإعفاء من المسئولية فحسب وإنما هو حق لكل فرد يمارسه مهما كانت قسوة العبارة التى استعملها فى نقده وبناء على ما تقدم يستطيع الناقد وهو يعلق على تصرف شخص أو سلوكه أو نشاطه أو حتى خلقه إذا كان أمرا لازما للتعليق على الواقعة موضوع النقد مهما كانت قسوة العبارة المستخدمة فى النقد وبذلك حكم بأنه متى كان الحكم متضمنا ما يفيد أن المتهم كان فيما نسبه إلى المجني عليه فى الحدود المرسومة فى القانون للنقد المباح فلا يقدم فى صحته أن كانت العبارات التى استعملها المتهم مرة قاسية)

نقض رقم 1728 سنة 18 ق الصادر عليه فى 4/1/1949 مجموعة القواعد القانونية ج 2 ص 738

وبالرجوع إلى ما أورده المدعون بالحق المدنى فى عريضة دعواهم فى قول منسوب صدوره للمتهم أنما جاء في مخالفات مالية للجمعية الاستهلاكية من واقع مستندات وقام المدعون بالحق المدعي بالرد علي هذه المستندات داخل عريضة دعواهم وتوضيح كيف صرفت هذه الأموال مما يتوافر معه النقد المباح ويؤكد صحة الوقائع  .   
أما فيما يتعلق بالتفسير فأنه لكي يكون التفسير موضوعيا فلا عبرة برأي المجني عليه وما يثار فى نفسه من مشاعر أثر سماعه لفظا أو قراءاته عبارة خاصة به وإنما العبرة بالشخص العادي فى مثل هذه البيئة التى حدث فيها القول بما تشمله من أعراف وتقاليد وظروف وأوضاع فالعبرة بالقول كله أو المقال فى مجموعه دفعة واحدة فلا يصح تجزئة المقال أو الرسم واعتبار جزء منه ماس بأحد مع صرف النظر عن باقية وإنما العبرة به ككل 0

4- ملائمة الرأي أو النقد للواقعة واتصاله به

لكي تكون للرأي شرعية لابد أن يكون متصلا بالواقعة التى يستند إليها ويؤسس عليها وإلا ينفصل عنها حتى يكون فى ملازمته إياها وصحبته لها ما يعين القارئ لتكون الواقعة منه بمثابة الأسباب من الحكم تشهد بصحته أو خطئه وبقصده أو شططه.
وفى ضوء هذه القواعد يكون الرأي أو التعليق حين يرد على موضوع قابل له يكون واسع الحدود - حيث يكون الرأي نقدا مباحا ويظل على براءته ولو كان فى ذاته خاطئا من وجهة نظر الغير وتزاد الإباحة على هذه الآراء أيا كان وجه الرأي فى تقديرها طالما كان مخلصا نزيها لم يستهدف به صاحبه إساءة أو تشهير بل قصد الخير والمصلحة العامة.
وبالرجوع إلى دعوانا نجد أن المتهم لم يتجاوز فيما سطره في مقالة  وأن ما سطره يعد ملائما للواقعة محل البلاغ


5- حسن النية

وهو الشرط المنصوص عليه فى المادة 60 عقوبات التى أباحت الجرائم اذا وقعت استعمالا لحق (بنية سليمة" فضلا خصته المادة 302/2 عقوبات بالذكر عندما عبرت عنه بسلامة النية.
ويشترط لقيام حق النقد توافر حسن النية بمعنى أن يتوافر فى الناقد أمران:-
1- توخى النفع العام فيما يبديه من آراء
2- اعتقاده فى صحة ما يبديه من آراء

ولقد أبانت تعليقات الحقانية على المادة 302 عقوبات على شرط حسن النية فقالت "أن شرط حسن النية هو مسألة من المسائل المتعلقة بالوقائع ولا يمكن أن تقرر لها قاعدة ثابتة ولكن على الأقل يلزم أن يكون موجه الانتقاد معتقد فى ضميره صحته حتى يمكن أن يعد صادرا عن سلامة نية وأن يكون قدر الأمور التى نسبها0000 تقديرا كافيا وأن يكون انتقاده للمصلحة العامة لا يسوء قصده".

ومفاد هذا التعليق أن حسن النية يفترض اعتقاد القاذف أن الوقائع التى يسندها إلى المجني عليه صحيحة وأن هذا الاعتقاد كان وليد تحرز وتقدير كافة الأمور ويفترض حسن النية أخيرا أن إسناد هذه الوقائع للمجني عليه كان يهدف تحقيق مصلحة عامة لا مجرد الإضرار بالمجني عليه.

وعلة شرط توخي النفع العام هو انحسار النقد عن الأمور الخاصة التى لا يهم الرأي العام بذل اهتمامه فى متابعتها وعدم جدوى الخوض فيها وعدم الفائدة من متابعتها لأن حق النقد مشرع من أجل صالح الجماعة.

أما الشرط الثاني فهو عنصر أيضا فى حسن النية وقوامه هو انعقاد صحة الرأي الذي يبديه.

وحكم بأنه إذا توافر حسن النية فى جريمة قذف الموظفين وكان موجه النقد يعتقد صحته وأنه يقصد به إلى المصلحة العامة لا إلى شفاء الضغائن والأحقاد الشخصية فغلا عقاب.

بنـــــــــــــــاء علــيه

فإن دفاع المتهم الأول  يلتمس القضاء له :-
أصليا : وقف الدعوي تعليقيا لحين الفصل في الدعاوي الدستورية .


واحتياطيا : ببراءة المتهم مما نسب اليه تأسيسا علي  :-
أولا : عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى
ثانيا : بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون
وفي الموضوع
ثالثا : عدم انطباق القيد والوصف الوارد في العريضة علي ما جاء بالعريضة محل النزاع .
رابعا: عدم انطباق المادة 308 عقوبات تحديدا علي واقعة الدعوي .
خامسا : حق النقد وإباحة القذف:
سادسا : ندفع بتوافر أركان و شروط النقد المباح.


وكيل المتهم
روضة أحمد
محمد محمود
المحاميان

‏ ‏