بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الرئيس حضرات السادة القضاة الإجلاء
التمس من حضراتكم القضاء ببراءة المتهم عبد الكريم سليمان والذي يقف بين أيديكم اليوم متهما بجريمة إهانة الرئيس وفقا لما ورد بقيد ووصف النيابة العامة وهى الجريمة التي تصدت لها المادة 179 من قانون العقوبات
وأقول سيدي الرئيس
إذا كان المتهم وهو شاب في مقتبل العمر 22عاما طالب بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر اعتقد وآمن بأنه في بلد ديمقراطي حر يحترم حرية الرأي ويقدس الحرية ويحترم الأخر، صدق كريم ما اخذ رجالات الحكم في مصر وإعلامها المزيف بأننا في أزهى عصور الحرية والديمقراطية
وأنا أتساءل عن أي حرية يتكلمون ؟
وكان قد امتلأت شوارع مصر بلافتات تعلن عن بدء الحملة الانتخابية لانتخاب رئيسا للجمهورية وما إن بدأت الحملة إلا وقرأ كريم وشاهد زفة الانتخابات الحرة النزيهة تليفزيون وإذاعة وجرائد بيانات كلها تزف إلينا عرس الحرية وأي حرية ؟
خرج كريم عامر مصدقا وبحسن نية ما يطنطون به ليل نهار متفائلا بوطن أكثر حرية
خرج في يومه وفى طريقة إلى جامعته وشاهد في الطريق ما استنفره واستفزه لافتات بعرض الريح مزيلة بتوقيع جماعة أنصار السنة المحمدية تنادى بأن بايعوا الرئيس مبارك أميرا للمؤمنين وتؤكد على حرمانية اى معارضة للرئيس..ويتصفح جريدته فيقرأ على صفحاتها خبرا يؤكد إن شيخ الأزهر قد فشل في استصدار مبايعة مجمع البحوث الإسلامية الذين رفضوا خطته ورغبته في تسييس الدين وقرأ أيضا عن جماعة الجهاد الإسلامية المصرية تبايع من خلف قضبان السجن الرئيس حسنى مبارك أميرا للمؤمنين وتؤكد على وجوب السمع والطاعة للإمام
وقرأ أيضا عن حيرة الأخوان المسلمين في المرشحين العشرة الذين يغازلون الأخوان، هاله واستفزه هذا التحالف الديني السلطوي الذي يعيد نفسه مرة أخرى وتكهن أن موقف الجماعة لن يختلف عن موقف التيارات الإسلامية الأخرى وانه سيكون مؤيدا للرئيس مبارك فكتب في مدونته على الانترنت فضفضة شاب يحلم بالحرية ويؤمن بالديمقراطية واهما انه يعيش في وطنه ومصدقا ما يقولونه ويرددونه ليل نهار
فأيقن إن التحالف الديني السلطوي موجودا منذ زمن بعيد وانه لا يمكن أن ينخدع الناس وهو أولهم في الخلافات المختلقة والمفتعلة بين التيارات الدينية وبين السلطة، فكتب خواطره وانطباعاته عن يوم رأى في عامر والملايين من أبناء مصر الوجه الحقيقي والقبيح للحكومة التي أدمنت التزوير والتزييف والتضييق بالقهر وأمنها الذي هو في كل حارة وفى كل شق
وتحدث سيدي الرئيس عن هذا التحالف المشبوه ما بين رجال الدين والسلطة السياسية واعتبر أنها الصورة المثلي للاستبداد الذي يستند إلى فكرة التفويض الإلهي والذي يعد الدعاية الرئيسية لنظم الحكم الثيوقراطى على مر العصور وأكد على أن الملوك الفراعنة أاستغلوا صلتهم الوهمية بالإله لممارسة الاستبداد على محكوميهم فالحاكم هو المفوض من قبل الإله بالإشراف على شئون الخلق
واستأذن عدالة المحكمة أن اقرأ مقالة كريم عامر المتهم الذي قرر في مقالته
انه بالأمس القريب طالعتنا أحدى الصحف بنبأ مفاده أن جماعة تطلق على نفسها ( أنصار السنة) بمدينة دمنهور تبايع الرئيس مبارك أميرا للمؤمنين وذهبت هذه الجماعة إلى تأثيم جميع المرشحين المنافسين لمبارك مستندة الى الأدلة الشرعي على أنها تحرم معارضة الحاكم ومنافسته في الانتخابات، ويضيف انه منذ عدة أسابيع وبعد محاولات مضنية فشل الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في استصدار وثيقة مبايعة للرئيس مبارك من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين أصروا وبشدة على أن ينأوا بأنفسهم عن إقحام الدين في مثل هذه الأمور، ولكن صاحب السلطة الدينية والذي تربطه بالطبع علاقات حميمية برأس النظام السياسي لم يرق له هذا الموقف وهاجم بشدة أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين نجحوا في منع خطته لتسييس الدين
سيدي الرئيس
أنا إصر على أن انقل أليكم ما قرره هذا الشاب في مقالته ومن خلاله تصيدته كليته أولا ومن بعدها النيابة العامة الموقرة فيما يخص جريمة إهانة الرئيس تطرق كريم عامر إلى البيان الذي أصدرته جماعة الجهاد الإسلامية من خلف أسوار السجن والتي بايعت فيه الرئيس مبارك أميرا للمؤمنين مؤكدة وجوب السمع والطاعة للإمام وتأثيم من بعارضة ويخالفه ، ويصل في نهاية مقالته سيدي الرئيس إلى انه قد بات التحالف بين رجال الدين ورجال السياسة أمرا واقعا، فعلى الرغم من أن رجال السياسة قد يختلفون في توجهاتهم مع رجال الدين إلا أنهم لا يمكنهم بحال من الأحوال الاستغناء عن مساندتهم فالحاكم المستبد يستمد قوته أساسا من مساندة رجال الدين له.
وتسال كريم عامر في دهشة محاولا العثور على إجابة شافية تطمئنه على مستقبل هذا البلد، هل يعد هذا التحالف إعلانا صريحا بأننا دولة ثيوقراطية، وان حاكمنا يعد أميرا للمؤمنين ومفوضا للحكم على الأرض من قبل رب العالمين ؟
هنا يقرر كريم عامر بفرضية انه إذا كان الأمر كذلك وسادت موضة النفاق السياسي والتمسح في الدين لتأييد الحاكم فأنني أنأى بنفسي عن السباحة ضد التيار وابتعد عن الوقوف في وجه القطار وادعوكم معي الى مبايعة حسنى مبارك --- أميرا للمؤمنين ورمزا للاستبداد
سيدي الرئيس حضرات السادة القضاء
هذه هي مقالة كريم عامر التي استندت إليها النيابة العامة الموقرة ومن قبلها كليته التي ينتسب إليها، ولو إنني افترضت أن كريم باعتباره شابا في مقتبل العمر ارتجل هذه العبارات وكان منفعلا مستفزا ثائرا وبروح الشباب مندفعا فجمح لسانه وذل بيانه فانحرف كلامه وانزلق، أليس لعدلكم الكريم أن تلتمسوا له العذر لهذا الانفعال وهذا الجموح الذي أصاب قلمه
لكننا سيدي الرئيس حضرات السادة القضاة لو أمعنا النظر فيما كتبه كريم عامر وحللناه كي نستنبط معانية لانجد سوى حديثا لشاب توهم انه في بلد ديمقراطي يؤمن بحرية الرأي والتعبير وإذا جئنا سيدي الرئيس الى الجريمة وفقا لتعريفها القانوني فلا يوجد أساسا تعريف للإهانة فنحن أمام لفظ عام مبهم فضفاض أخذناه عن القانون الفرنسي نص قادم إلينا من قديم الزمان في 29 بولية 1881 لخدمه لويس السادس عشر الذي كان يربط بين السلطة الدينية والسياسية واخذ عنه القانون المصري الصادر 1883 بعد هوجة عرابي، وما قد يستفاد من مقاله كريم عامر المتهم هي مسألة شائكة فأين هي الإهانة فالإهانة ومعناها اختلفت فيها وجهات الرأي
والمعروف أن الإدانة لا تؤسس إلا على وقائع وعناصر واقعية ثابتة
كريم عامر المتهم الماثل أمام عدلكم
الشاب الطالب الجامعي هذا هو ما كتبه كان ناقدا قد يكون لاذعا في نقد الأعمال العامة المتعلقة بشئون الدولة اليس مواطنا ومن حقه أن يقول رأيه؟؟؟
أن كريم عامر لم يقصد المساس بشخص الرئيس مبارك
وعلماء الشريعة الإسلامية الأفاضل يتحدثون انه إذا كان القذف بطريق التعريض لأحد له أي لا عقاب عليه.
فلا يكفى سيدي الرئيس أن تكون عبارات النقد مشتملا على عدم التوقير اللغوي الذي من شأنه أن يضعف من سلطة الرئيس أو ينتقص الحق الذي يستمده من الدستور بل يجب أن تكون العبارات قد وصلت الى حد الإهانة وهى إسناد واقعة معينة من شأنها العدوان على الشرف أو الاعتبار.
إما نسبة ما يمس الإحساس فأنه لا يكفى الكلمة الغائبة لا تكفى..بل لابد أن يكون هناك سبا بتعبير وحشي أو غليظ.
فانتقاد القائمين بالعمل العام بيانا لحقيقة الأمر في شأن الكيفية التي يصرفون بها عملهم هو في حقيقته حق مباح هو حق النقد
سيدي الرئيس
النقد امتداد للنبوة
ولولا النقاد كما يقول ببرم التونسي لولا النقاد لهلك الناس ولطغى الباطل على الحق
وبقدر ما يخفض صوت الناقد يرتفع صوت الدجال
وانتقاد جوانب الحكم السلبية وتعرية نواحي التقصير فيها وبيان أوجه مخالفة القانون في مجال ممارستها حق لكل مواطن
سيدي الرئيس حضرات القضاء الأجلاء
تنص المادة 47 من الدستور على أن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة والتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير ويشمل التعبير عن الآراء في مجالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والنقد هو ضمانة أكيدة لسلامة البناء الوطني وضرورة لازمة للسلوك المنضبط في الدول الديمقراطية وهو حق مكفول لكل مواطن على قدم المساواة
وان حرية التعبير سيدي الرئيس والتي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي لا يقوم إلا بها واى إعاقة لحرية التعبير هو هدم للديمقراطية وحرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدائها
وانتهى سيدي الرئيس من مرافعتي
الى أن أقرر أن مهمة القاضي في الجرائم الصحفية لا تكون في نسبة الفعل إلى الفاعل لكن مهمة الحقيقية أن يحل نفسه محل الجاني الذي بسط سريرته على الملأ فيتصور نفسه محاطا بظروف المتهمة
ولكنني استأذن عدالة المحكمة
في أن أقدم لزملائي في الإسكندرية هنا اعتذارا واجبا واطلب منهم أن يقدروا دورنا كمدافعين في قضية شائكة مثل هذه القضية متهم فيها شاب في مقتبل العمر وان يقدروا دوري إنني أدافع عن جريمة هو منها برئ
(( أصوات متداخلة غليظة... اعتذارك غير مقبولا ))
وفى نهاية مرافعتي سيدي الرئيس أتسأل في شاب أحاطت به كل هذه الظروف وكل هذه المظاهر الزائفة وشهد أمام عينية كيف تزور إرادة شعب بأكمله وفى هذه التهمة وغيرها من تهم.
يبقى سؤال، هل يستحق كريم عامر العقاب..أم يستحق العلاج ؟
وأشكركم
انتهت المرافعة ورفعت الجلسة وتعالت أصوات وتداخلت لم افهم منها شيئا إلا أننا كهيئة دفاع تعرضنا لاتهامات بالكفر ودفاع عن الذين كفروا، وتأله منهم من تأله على الله سبحانه وتعالى وكادوا أن يوقعوا علينا حد الردة وتقطيع أيدينا وأرجلنا من خلاف لولا لطف الله ورحمته.
خرجت من الإسكندرية حزينا على أحوالنا التي وصلنا إليها!!! وان هناك من لا يتفهم دور المحامى وحقه في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.