كلاً من "محمود شاكر" و "لويس عوض" وجهًا أصيل من وجوه ثقافتنا ، وكلاهما للأخر خصمًا لدود ، يخوضان معركة بالغة الضراوة و بمنتهي الصراحة قد تصل أحيانًا حد الأختلاف ، ولكنهم لم يفقدا يومًا أحترامهما الشخصي للأخر . يمثل "محمود شاكر التيار الأصولي أو الديني ، بينما لويس عوض فهو علي رأس التيار العلماني الوطني . وخلال سنوات عمرهما هما الأثنين لم يتراجع ايً منهما عن رأي نادي به او فكرة سعي للترويج لها أيًا كانت الضغوط التي مورست عليهما . من ذلك المنطلق حيث الأختلاف العقائدي والتوافق النفسي ، قدم المؤلف "نسيم مجلي " كتابه هذا محاولاً فض أشكالية دائمة يجسدها الصراع الدائم بين المنادين بالأصالة و بين الساعين إلي عصرنة تلك الأصالة لتواكب عصرهم ، دون أي اجتزاء مخل لها عن سياقها التاريخي ، للمؤلف أيضًا كتاب سابق حول المعارك الأدبية
التي خاضها لويس عوض - صدر عام 1994 - كما أن علاقة المؤلف بالأستاذ محمود شاكر بدأت منذ الصبا حيث كان يقراء له علي صفحات جريدة "الرسالة" وهو يقول في مقدمته للكتاب : أنه صدم من مقالات شاكر العنيفة ضد لويس عوض حول أبي العلاء ورسالةالغفران ، وكان منبع الصدمة هو المنطق الذي أتكاء عليه شاكر ليشن هجومه ..حيث فسر الثقافة و التاريخ من خلال منظور ديني - يصفه المؤلف بالضيق ، و يعد "محمود شاكر أبرز من خصوم لويس و أشدهم قسوة عليه ، ولم يرفض شاكر أطروحات لويس عوض وحده ، فالموقف هنا ليس شخصي بل منهجي و أيديولجي في الاساس ، رافض للثقافة الغربية ومنتصرًا للجذور الدينية التي يراها دعائم ثقافة الشرق ، لذا شملت صراعاته كل رواد الحداثة والتنوير المصريين بدءا من رفاعة رافع الطهطاوي و حتي طه حسين وسلامة موسي .
بلور محمود شاكر موقفه من رواد الحداثة في كتاب نشره عام 1987 عد دار الهلال تحت عنوان "رسالة في الطريق إلي ثقافتنا" ، ويري لمؤلف ان بدايات هذا الموقف قد تشكلت بوضوح في صدامه الأول مع عميد الأدب العربي حول كتابه المثير للجدل حينها : الشعر الجاهلي الكتاب في مجمله أنتصارًا لموقف التنويرين ، محاولا ان يفند ما ذهب إليه شاكر من خلال البحث و التنقيب في بدايات هذا الموقف و بواعثه النفسية ومبرراته ، ورغم هذا فالمؤلف لا يدع فرصة دون ان يعترف بفضل شاكر علي ثقافتنا العربية الإسلامية كوجه أصيل من وجوها ثقافتنا ؛ حاد كالسكين لكنه لا يجامل احد و لا يرديم من أحد أن يجامله.