أعده المحاميان
رديف مصطفى و خليل معتوق
مقام محكمة النقض الموقرة
الدائرة الجزائية – الغرفة الجنائية
الجهـة الطاعنــة : مشعل التمو – يمثله
المحامون خليل معتوق ورديف مصطفى وعبد
الحميد التمو وابراهيم حكيم ومهند الحسني ميشيل شماس ومصطفى أوسو ، بموجب وكالات ودعة في اضبارة الدعوى . المطعـون ضــده : الحـق العـام – ممثلاً
بمقام النيابة العامة . القرار المطعون فيه :
القرار الصادر عن محكمة الجنايات الأولى في دمشق برقم /300/ ساس /547/ تاريخ 11/5/2009 والمتضمن الحكم تجريم المتهم الطاعن :
1- بجناية إضعاف الشعور القومي وإيقاظ لنعرات العنصرية والمذهبية المعاقب ليها بالمادة /286/ عقوبات عام ومعاقبته سجن الاعتقال المؤقت ثلاث سنوات .
2- تجريمه بجناية نقل الأنباء الكاذبة عن لده سوريا وقادتها من شأنها أن توهن نفسية لأمة المعاقب عليها بالمادة /285/ عقوبات ام ومعاقبته بوضعه في سجن الاعتقال لمؤقت ثلاث سنوات .
3- جمع العقوبتين وتنفيذهما معاً بحيث يصبح لمتهم محكوماً في سجن الاعتقال المؤقت دة ستة سنوات وللأسباب المخففة التقديرية نـزيل عقوبته إلى ذات السجن مدة ثلاث نوات ونصف السنة فقط وحساب مدة توقيفه من
أصل محكوميته .
4- حجره وتجريده مدنياً وعفوه من تدبير منع لإقامة .
5- تضمينه الرسم والمجهود الحربي . أسـباب الطعـن : لما كان القرار المطعون فيه جاء مشوباً علة مخالفته لقواعد الأصول والقانون ، غير قائم على أساس من الواقع ، ولا على أي ليل ثابت وجاء مجحفاً بحق الموكل الطاعن ،
لذلك جئنا نطعن فيه للأسباب التي سنبينها احقاً .
أولاً - في الشـكل :
حيث أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 11/5/2009 والطعن مقدم ضمن مهلته القانونية مستوفياً كافة الشرائط الشكلية ، فهو جدير بالقبول شكلاً .
ثانياً - في الموضـوع :
من الواضح بأن القضية موضوع هذه الدعوى ضية عامة تخص كل مواطن سوري وتخص سوريا أسرها حاضراً ومستقبلاً أرضاً وشعباً موحدةً قضية سياسية بامتياز وهي لا تتعدى حق التعبير عن الرأي وحق الاختلاف في كيفية
توجيه الشأن العام على وجه أنفع وأفضل لوطننا وأجيالنا القادمة والمصان بالدستور السوري وبالاتفاقيات والعهود
والإعلانات والمبادئ الدولية المصادقة عليها سوريا . كل ذلك بواسطة الكلمة الجريئة والنزيهة وبالأسلوب المدني السلمي الذي هو أحوج ما نكون إليه جميعاً لجعل حياتنا أفضل مما هي عليه في مواجهة الأخطار والتحديات ( داخلية
وخارجية ) .
وكل ما قام به الموكل هو أنه تلمس مسائل حياتية وطنية معاشة بدرجة أعلى من الحساسية والمبادرة المسؤولة تجاه بلدنا وكون أشكال الحكم والسياسة ليست شيئاً منزلاً ومقدساً بل هي شأن بشري يمكن إخضاعه للنقاش وتطويره للأفضل بما يليق بقيمة الإنسان وحرمة الأوطان ومستقبل الأجيال .
بناء على ذلك فإن ما قام به الموكل فضلاً عن قيمته الإيجابية بحد ذاته التي تنفي عنه اي صفة جرمية ويستوجب حمايته من طرف العدالة قبل غيرها فهو يحمل قدراً مماثلاً من الباعث الوطني الشريف والمسؤولية الوطنية والأخلاقية التي تستحق التكريم وليس التأثيم والتجريم ، خلافاً لما ورد في القرار المطعون فيه . مقام المحكمة الموقرة : إن مطالب الموكل التي يحاكم من أجلها لاتتعدى ضرورة التحول السلمي المدني التدريجي على صعيد الوطن والمطالبة بالحرية والمساواة بين أطياف المجتمعالسوري ، وبإحلال الديمقراطية وتأصيلها وإلغاء حالة الطوارئ واستقلالية القضاء والاعتراف بوجود الشعب الكردي وإعطائه حقوقه وعدم التمييز وإنصافه ورفع العبن عنه وإعادة الجنسية للمحرومين منها .
ولا تتعدى الدفاع عن الحراك السياسي والاجتماعي الذي نشأت بفضله القوى والأحزاب السياسية وتمكن بعضها من بلوغ السلطة بواسطته ومن خلاله وليس العكس .
وهذه المطالب تستدعي قدراً ضرورياً من حرية التعبير والاختلاف السلمي والحضاري وذلك ليس عيباً أو نقيصة بل هو فضيلة ببلوغ مجتمعنا سن الرشد وكسب احترامه في نفوس الأعداء والأصدقاء .
في الوقائع : الموكل كاتب وناطق رسمي لتيار المستقبل الكردي في سوريا الذي أسسه ورفاقه منذ عدة سنوات ، وهو يعتقد أن الشعب الكردي في سوريا يحتاج إليه للدفاع عن مصالحه بجرأة وصدق وصراحة وحقوق جميع السوريين من خلال مطالبته بشكل سلمي وبعيد عن العنف :
1- برفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية .
2- بسيادة القانون وتعزيز سلطة القضاء والقيام بالإصلاحات الضرورية لضمان استقلاله فعلياً عن أي تدخل .
3- ملاحقة الفاسدين ومحاربة الفساد والهدر بكل أشكاله .
4- رفع أيدي بعض المسؤولين وأبنائهم عن خيرات هذا الوطن من أجل توزيعها بالعدالة والمساواة على كل فئات الشعب .
5- الحد من تدخلات الأجهزة الأمنية في الحياة اليومية للناس وأن يقتصر عملها على الأمور التي تخص أمن الوطن .
6- إعادة الجنسية السورية لمن جُرد منها واحترام حقوق الشعب الكردي كأحد مكونات المجتمع السوري في إطار الوحدة الوطنية للبلاد بما يؤدي من حيث النتيجة إلى ضمان حرية الوطن والمواطن .
7- تحقيق بناء نظام ديمقراطي فعلي ودولة مدنية حديثة قائمة على المساواة والشراكة وحقوق المواطنة وعدم التمييز .
8- إصدار قانون عصري للأحزاب والجمعيات ينظم الحياة السياسية بالبلاد ويضمن حقوق الناس بتشكيل أحزابها للدفاع عن مصالحها .
- ضمن هذا الواقع يعمل الموكل ورفاقه ضمن تيارهم وبشكل علني وسلمي وبعلم السلطة منذ عدة سنوات مثل عشرات الأحزاب والجمعيات بسوريا حيث لا يوجد قانون للأحزاب ينظم عملها .
- وبتاريخ 15/8/2008 وبينما كان الموكل في طريقه إلى حلب وبسيارته وبعد مغادرته مدينة عين العرب اعتقلته السلطات الأمنية بدون أي فعل ارتكبه يجرمه القانون وبدون أي مذكرة قضائية بحقه .
- وتم إحالته إلى القضاء بتاريخ 26/8/2008 وكان بحوزته منشورات وبيانات باسم تيار المستقبل.
- إن الأجهزة الأمنية التي اختلقت هذه القضية من أساسها قد صورت أن كل ما ورد بهذه الوثائق على العكس تماماً من الغاية المنشودة منها فرأت أنها تستهدف :
- النيل من هيبة الدولة وترويج الأنباء الكاذبة إلى آخر ما هنالك من تصورات معكوسة ، لم يقم أي دليل على مدى صحتها .
- ومع أن الأجهزة الأمنية لا تعد من موظفي الضابطة العدلية الذين حددتهم وعلى سبيل الحصر المادتان 7-8 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فإن النيابة العامة ودون أي تمحيص في مدى قانونية وسلامة هذه الضبوط سرعان ما عمدت إلى تنظيم ادعائها بالارتكاز إلى هذه الضبوط الباطلة للادعاء على الموكل وزادت عليها مواد أخرى مثل
المادة /298/ التي لا ينص عليها الضبط الأمني.
- لكن المؤسف حقاً أن يعمد قاضي التحقيق ومن بعده قاضي الإحالة إلى اتهام الموكل باقتراف الجرائم المنصوص عليها بالمواد 285-298-307-287-288/ عقوبات .
- فهل في هذه القضية المختلقة من أساسها ما يشير من قريب أو بعيد على أن الموكل قد اقترف أو قام بأي فعل أو عمل من الأفعال أو الأعمال التي تشكل الجرائم المعاقب عليها بمقتضى المواد القانونية التي حكم بها ؟؟!!! ... في القـانون :
- لقد صدر القرار المطعون فيه خلافاً للأصول والقانون وذلك للأسباب التالية :
1- بالعودة إلى القرار المطعون فيه وفي حقل الوقائع وبالتدقيق بها ظننت بأن هذه المقدمة لدعوى أخرى غير دعوى الموكل كونها لا تمت بصلة إلى ما قام به الموكل من كتابات وأقوال هو وتياره وهذا مخالف لنص المادة /310/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تقضي بأن يشتمل الحكم على ملخص الوقائع الواردة بقرار الاتهام والمحاكمة العلنية ويجب أن يتضمن سرداً للوقائع المدعى بها والتي تمت إقامة دعوى الحق العام من أجلها .
وترى محكمة النقض المصرية أن تاريخ وقوع الجريمة من البيانات الواجب ذكرها في الحكم لما يترتب عليه من نتائج قانونية وخصوصاً في صدد الحق برفع الدعوى العامة حيث جاء في حقل الوقائع في القرار المطعون
فيه :
(( تتحصل وقائع هذه القضية بأنه وبعد مرور أكثر من سنتين على غزو الإدارة الأمريكية العراق .... )) .
فما هو تاريخ الجرائم التي قام بها الموكل وأين مكانها ؟؟!! ... كل هذا النقص يعرض القرار المطعون فيه للنقض .
2- الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان وليس من المحتمل أن تتسم المحاكمة بالإنصاف ولن يرى الناس أنها منصفة إذا كان المسؤولون عن إصدار الأحكام والعقوبات غير حياديين ومستقلين وقد وضعت
هذه المعايير في وثيقة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية للأمم المتحدة التي تتضمن المعايير اللازمة
لضمان الحفاظ على استقلال السلطة القضائية واختصاصاتها .
ومعنى اشتراط الحياد في المحاكم أن على القضاة أن لا يكون لهم آراء مسبقة عن أية قضية ينظروها ، وإلا تكون لهم مصلحة في النتيجة التي ينتهي إليها نظر القضية . كما يجب أن تتاح لهم فرصة العمل بعيداً عن أي تأثير كي لا يختل ميزان العدالة .
وإن قانون السلطة القضائية قد نص على القضاة أن لا يعملوا في السياسة ، فهل المحاكمة عادلة في هذه القضية وهي سياسية بامتياز وأكثرية الهيئة الحاكمة ينتمون الى حزب البعث الحاكم؟!!... وهذا يتعارض مع استقلالهم أو مع متطلبات المنصب لوقت كامل .
فأين الحيـاد ؟؟!! ... ومن الواضح وبعد قراءة الحكم المطعون فيه وإجراءات المحاكمة التي جرت بطريقة بأن
الموكل مذنب سلفاً والمسألة محسومة وما على المحكمة إلا أن تصدر حكمها وهذا ما حصل كل هذا يعرض قرارها للنقض أيضاً .
3- عدم قدرة الادعاء على تقديم دليل واحد للإدانة سوى الوثائق المحفوظة بملف الدعوى وما تضمنته بعيداً كل البعد عن الاتهامات الموجهة ضد الموكل . وحيث أن النيابة والحالة هذه كان حرياً بها أن تطالب في مطالبتها إعلان براءة
الموكل بعدم توافر الدليل عملاً بالقاعدة القانونية : (( النيابة العامة خصم شريف )) . تسعى وراء الحقيقة لا أن تطالب بالتجريم وتزيد عن مطالب الأجهزة الأمنية وحتى لايفسر تصرفها مع فقدان الأدلة على أنه إخلال بوظيفتها التي تتلخص بالسعي وراء إظهار الحقيقة والحقيقة فقط .
4- إنكار العدالة : إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أنكرت العدالة حينما حرمت الموكل من حقه في
الدفاع وانتهكت حقاً مقدساً مصاناً بالدستور والقانون .
لقد ذكرت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه في متن قرارها وتحت بند ( في الدفاع ) بأن وكيل المتهم تلى مذكرة دفاع شرح فيها الواقعة المنسوبة للموكل وناقش كافة الأدلة الواردة فيها وطلب سماع شهود الدفاع وإجراء خبرة لغوية لبيان فيما إذا كان ما ذهبت إليه النيابة العامة وفق قرار الاتهام ينطبق على أقوال وأفعال المتهم كما طلب إعلان براءته . وهذا ما جانب الحقيقة و الصواب حيث لم تتقدم هيئة الدفاع بأية مذكرة دفاع تتناول الوقائع المنسوبة للموكل ولم تطلب البراءة
كما زعمت المحكمة ولم تناقش الأدلة الواردة في الاضبارة كما خلصت المحكمة محتفظين بحقنا بإقامة دعوى تزوير بحق
المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه . فالذي طلبناه فقط من مقام المحكمة طلب سماع شهود الدفاع حول وقائع تم تحديدها منقبلنا وفق طلب المحكمة وطلب إجراء الخبرة اللغوية على الوثائق لبيان دلالاتها ومقاصدها اللغوية على خلاف ما ذهبت إليه النيابة العامة .
وفي جميع الأحوال احتفظنا بحقنا في إبداء مذكرة دفاع خطية بعد سماع شهود الدفاع إلى ما بعد الفصل في طلباتنا ، ولكن المحكمة مصدرة القرار لم تفصل في الطلبات وذهبت بعيداً وفي مخالفة دستورية وقانونية واضحة إلى الفصل في الدعوى بأكملها دون أن تتيح لنا فرصة تقديم مذكرة دفاع عن موكلنا بمواجهة التهم الخطيرة وبذلك أكدت عدم حياديتها واعتبرت الموكل خصماً ثقافياً وسياسياً وبشكل واضح حرمته من حق الدفاع والذي يعد حقاً مقدساً لا يجوز الالتفاف
عليه بأي حال من الأحوال وبذلك تكون المحكمة قد أصدرت قراراً مشوباً بعيب كبير وخطأ قانوني جسيم وهو حرمان الموكل من حق الدفاع .
مما يستوجب ويجعل قرارها المطعون فيه عرضة للنقض لهذا السبب .
5- من الواضح أن استعراض الأقوال المدلى بها من قبل الموكل أمام القضاء في جميع المراحل القضائية وأمام المحكمة نفسها مصدرة القرار ما يؤكد أنه ليس في أي منها دليل أو اعتراف بأن الموكل قد اقترف أي فعل
من الأفعال المنسوبة إليه في ادعاء النيابة العامة .
مما كان يستوجب عدالة إعطاء القرار بتبرئة الموكل مما نسب إليه لعدم قيام أي دليل . خاصة وأن المحكمة حكمت عليه بجرم لم تحركه النيابة العامة وفقاً للمادة /286/ وبعبارة أوضح فإذا كانت الأقوال المنسوبة إلى الموكل الطاعن المأخوذة أو المنتزعة أمام الأجهزة الأمنية لا يعول عليها وفقاً للمعايير والمبادئ المستقرة فقهاً واجتهاداً وكانت الأقوال المدلى بها من قبل الموكل أمام قاضي التحقيق هي أدلة تؤكد البراءة .
فكان على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن تقرر اعتبار هذه الأدلة أدلة براءة لا أن تعتبرها أدلة تجريم !! . ولقد استقر الاجتهاد القضائي العربي المقارن على أنه : (( يجب أن تبنى الأحكام الجنائية على الجزم واليقين وأن يؤسس هذا الجزم على الأدلة التي توردها المحكمة والتي يجب أن تبين مؤداها في الحكم بياناً كافياً فلا يكفي مجرد ذكر الدليل بل ينبغي بيان مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة )) .
وفيما يخص الكتابات المبرزة في ملف الدعوى والتي هي عبارة عن مقالات ووثائق تخص تيار المستقبل الكردي الذي هو تيار فكري ثقافي سياسي يعبر عن رأي مجموعة فكرية ثقافية تدعو لأن تكون سوريا وطناً أجمل من جميع السوريين وطناً ديمقراطياً تحترم فيه جميع الحقوق دون أي تمييز باعتماد الأسلوب السلمي التدريجي للنضال من أجل المطالبة
بالديمقراطية وبمزيد من الحرية ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة والمساواة المجتمعية بالقطع مع كافة المشاريع العنفية في إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً وجميع الكتابات المبرزة تندرج في إطار النص الدستوري وفقاً للمادة /38/ من الدستور
السوري النافذ والتي تنص على أن : ((لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي)). يكفي أن نعلق هنا بأن المحكمة ابتعدت كثيراً عن الحقيقة والعدل عندما اعتبرت في قرارها بأن ذكر الموكل بأنه هناك أكراد سوريين محرومين من حق المواطنة كذب ويسيء إلى سوريا وقادتها ... غريب هذا التفسير وعجيب ... خصوصاً وأن هذه القضية بالذات نوقشت على المستوى الرسمي في سوريا .
فكيف استنتجت المحكمة بأن المطالبة بالجنسية كحق من حقوق المواطن الثابتة جرماً لا ندري ؟!! وبالمناسبة فحرمان قسم كبير من الأكراد من حقوقهم في المواطنة حقيقة وتعرضهم للاضطهاد وعدم الاعتراف بحقوقهم أيضاً وحرمانهم من حقوقهم الثقافية وجميع هذه الحقائق يؤمن بها موكلنا ويعمل بأسلوب سلمي وحضاري من أجلها ولمصلحة سوريا وأبنائها في إطار متحدها الوطني .
وبذلك يغدو القرار المطعون فيه مشوباً بعلة الاستدلال وبعدم قيامه على أي دليل يثبت اقتراف الموكل الطاعن لما ينسب إليه ،مما يجعله عرضة للنقض لهذا السبب .
6- لو افترضنا جدلاً – ومع التحفظ التام – صحة الأدلة التي اعتمدتها المحكمة في إثبات التهم بحق الموكل ، فإنه ليس في الوقائع التي اعتبرتها المحكمة أدلة ثابتة ، مما يشكل الأفعال المعاقب عليها بمقتضى المادتين 285-286 من قانون العقوبات : لقد بنت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ما انتهت إليه في قرارها على افتراض أن الموكل المدعى عليه الطاعن قد اقترف جنايتي إضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية ونقل الأنباء الكاذبة التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة المعاقب عليها بالمواد 285 و286 من قانون العقوبات .
ولو أجرينا مقارنة بسيطة فيما بين الأفعال المنسوبة للموكل اقترافها ، وبين نصوص المواد القانونية التي اتهما بمقتضاها ، فإننا لا نجد أي أثر يشير إلى أن الأفعال المنسوبة للموكل ، تنطبق عليها أحكام تلك المواد المدعى عليه باقترافها : إذ تنص المادة /285/ من قانون العقوبات على أنه : نصت المادة /285/ على : (( من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوى ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال
المؤقت )) . لا يوجد فعل أو شبه فعل حتى أقدم عليه المتهم يرمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات الطائفية أو العنصرية ، وإن النيابة العامة / جهة الادعاء / لم تثبت ، بل لم تلمح حتى إلى وجود هذا الجرم ، ولا يوجد
عبارة واحدة في استجواب المتهم أمام السيد قاضي التحقيق تشعر أو حتى تشير إلى ذلك وكذلك في جميع الوثائق المبرزة في الدعوى .
مما يجعل الادعاء حسب هذه المادة مثيراً للاستغراب والدهشة .
( نقض سوري – جناية أساس 219 قرار 203 تاريخ 12/3/1956 ) .
وأركان هذه الجريمة المعاقب عليها ، كما يتضح من مقاربة سريعة :
أولاً : القيام بدعاوة : ( وقد استعمل المشرع عبارة الدعاوة ، وهو يقصد بها الدعاية ، لأن الأولى " الدعاوى " أصح
اشتقاقاً في حين أن الثانية "الدعاية" أو في دلالة وأدق تعبيراً في إفهام الناس ) .
ثانياً : أن يكون الغرض من الدعاوة أن ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية والشعور القومي هوإحساس كل فرد بانتمائه إلى أمته وولائه العميق لها وإيمانه بأن لها من خصائص الأصالة ومن الروابط المادية والمعنوية ما يجعلها أن تكون أمة وحدها وأن تحيا سيدة قدرها ومصيرها وأن تؤلف دولة تتمتع بجميع
خصائص السيادة والحرية والاستقلال . ويقصد الشارع بالدعاوة التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي تلك الدعوات الشعوبية التي تهدف إلى الانتقاص من ولاء العربي لأمته أو تثبيط عزيمته عن العيش المشترك مع سائر أبناء قومه من العرب في دولة واحدة . ولكن موكلنا ليس عربياً أصلاً فهو كردي سوري ، ولا ينتمي إلى القومية العربية ، فكيف له أن يضعف شعور أمة هو ليس منها ؟!!
والقانون قصد أبناء الأمة الذين يهدفون إلى إضعاف شعورها . رغم أن موكلنا رجل وطني سوري وبامتياز ويحترم القومية العربية . وأما إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية فهو إثارة العصبيات العنصرية بمختلف الجماعات العرقية والسلالات التي تتألف منها الأمة وإثارة التفرقة بين مختلف الطوائف والفرق الدينية التي ينتمي إليها المواطنون وما تفرع عنها من مذاهب .
ويشترط قانوناً أن يكون فعل المادة المكونة لهذه الجريمة قد ارتكبه فاعله :
آ- إما في زمن يكون فيه خطر الحرب محدقاً بالبلاد السورية . أو في زمن تكون فيه الحرب – أي الاشتباك المسلح قد نشبت فعلاً بين قوات الدولة السورية وقوات أي دولة أجنبية أخرى . الدكتور محمد الفاضل – الجرائم الواقعة على أمن الدوله - الجزء الأول .
ب- لو فرضنا جدلاً وجود الجرم وهو ما ننكره فإنه غير معاقب عليه إلا في زمن الحرب ، وهذه الحالة غير متوفرة في سوريا ، حيث صدر وعلى لسان قادتها بأننا نسعى من أجل السلام .
وبذلك يتضح عدم توفر الحالة المنصوص عنها في المادة /285/ ق.ع فيتوجب استبعاد هذه المادة من ملف القضية . المادة /286/ عقوبات عام . تنص المادة /286/ على :
(( 1- يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية في الأحوال عينها أبناء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة
. 2- إذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل . )) . بداية نود توضيح نقطة في غاية الأهمية ألا وهي : أن النيابة العامة لم تحرك أصلاً الدعوى ضد الموكل بموجب هذه المادة ، والمحكمة مصدرة القرار خالفت القانون بالحكم عليه علماً بأنها لم تقم حتى بتغيير الوصف الجرمي ، مما يستدعي استبعاد هذه المادة
أيضاً من ملف هذه القضية كون النيابة العامة لم تحرك الجرم سنداً للمادة /286/ أصلاً .
واستطراداً نبدي ما يلي : أين هذه الأخبار الكاذبة أو المبالغ فيها التي نقلها الموكل وإلى من نقلها ؟؟!!! ... هل الدعوة للديمقراطية ولاحترام حقوق الإنسان ورفع الغبن عن كاهل الشعب الكردي والمطالبة بالجنسية السورية لمواطنين
سوريين جردوا منها ظلماً هي أخبار كاذبة ومبالغ فيها ؟؟!! .... إنها دعوة لا يقدم عليها إلا المواطن السوي الذي يسعى لتطوير بلده وأمته وإن الأمة التي تحترم مثل هذا المواطن لا يمكن أن يوهن في نفسيتها بل يزيد في تماسكها
وطمأنتها .
كان يتوجب على النيابة أن تثبت صدور أنباء كاذبة عن الموكل وبيان أنها أثرت على الأمة ونفسيتها بالوهن وعرض نماذج وحالات هذا الوهن لأن القضية تتعلق بحرية شخص وحول وهن نفسية الأمة لا بد من إيضاح عدة نقاط وبشكل
سريع . من المعلوم أننا في سوريا وعلى المستوى الرسمي لا نعترف بالأمة القطرية ، أي أن الجهات الرسمية في سوريا وحزب البعث الحاكم لا يعترفون بالأمة السورية واللبنانية والأمة العراقية والمغربية بل يعترفون بالأمة العربية . مما يعني أن الموكل أوهن نفسية الأمة العربية ، وهذا يعني منطقياً بأنه عندما نشر المقالات أو أسس تياره شعر مواطن مغربي أو سعودي أو لبناني أو عراقي بوهن في نفسيته ، هل هذا معقول أو منطقي ؟!! وكيف علمت المحكمة بهذا الوهن ؟! ... وهل تلقت شكاوى من هؤلاء المواطنين ؟ وهل هذا فعلاً يشكل جرماً يعاقب عليه القانون ؟ خصوصاً
إذا ما خضنا قليلاً في أركان جريمة وهن نفسية الأمة .
الركن المادي : يتجلى في نقل الأنباء الكاذبة أو المبالغ فيها والتي من شأنها إضعاف نفسية الأمة .
الركن المعنوي : ويتجلى في علم الفاعل بكذب الأنباء التي نقلها أو بمدى المبالغة فيها وبأن من شأنها إضعاف نفسية الأمة .
الدكتور محمد الفاضل – المرجع السابق .
ومن الواضح بصورة جلية أن هذه الوثائق التي هي مناط هذه الدعوى ليس فيها على الإطلاق ما يشكل جناية إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية . ويبقى السؤال المطروح :
هل في هذه الوثائق أية عبارة يستفاد منها أنها ترمي إلى إضعاف الشعور القومي ؟ أم أن ما فيها يذكي نخوة الانتماء إلى الوطن ، وهل فيها عبارة واحدة من شأنها أن توقظ النعرات العنصرية أو المذهبية أم أن ما فيها يدعو إلى نبذ أية تفرقة ويدعو إلى اللحمة الوطنية الصادقة . وهل فيها أية أنباء مهما كان شأنها - صحيحة أو غير صحيحة - من شأنها أن توهن نفسية الأمة ؟؟!!! ... أما أنها تدعو وبكل جرأة وإخلاص إلى ضرورة نبذ العنف وإلى الالتزام بالوسائل السلمية
والديمقراطية ؟! . وكيف فصلت هذه الوثائق من قبل المحكمة مصدرة القرار الطعين على خلاف وعلى عكس
مضمونها . ولا ريب أن ما ذهبت إليه المحكمة مصدرة القرار يفتقر إلى سلامة التكييف القانوني ، حين اعتبرت أن ذلك يشكل جريمتا المادتين 285 و286 من قانون العقوبات .
مما يجعل قرارها مشوباً بعلة الخطأ في تفسير القانون وتأويله وعرضة للنقض لهذا السبب .
لما سبق بيانه من أسباب ولما تراه محكمتكم الموقرة من أسباب نلتمس :
(1) قبول الطعن شكلاً .
(2) قبوله موضوعاً ونقض القرار المطعون فيه وإعادته لمرجعه .
(3) وفي حال ما لو وجدت محكمتكم الموقرة أن الدعوى جاهزة للفصل في موضوعها ، فإعلان براءة الموكل مما نسب إليه .
وفي ذلك عدل
بكل احترام
دمشق في 10/6/2009م المحامي الوكيل