م
حكمة شمال القاهرة
جنح مستأنف النزهة
جلسة 14/1/2008
مذكرة
بدفاع السيدة / هويدا متولي طه متهمة
ضد
النيابة العامة سلطة اتهام
في القضية رقم 1542لسنة 2007 جنح النزهة والمستأنفة برقم 13474 لسنة 2007 جنح مستأنف شرق القاهرة والمحدد لنظرها جلسة السبت الموافق 15/1/2008 أمام محكمة جنح مستأنف النزهة
الموضوع
حركت نيابة أمن الدولة صد المتهمة الماثلة أمام الهيئة الموقرة هذه القضية وذلك على سند من القول أنها في غضون الفترة من 7/12/2006 وحتى 8/1/2007 بدائرة قسم النزهة :-
أولا : باشرت نشاطا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد بأن صورت وسجلت مادة إعلامية دون موافقة الجهات المختصة وبغير إتباع الإجراءات المقررة في ذلك وضمنت تلك المادة مشاهد تمثيلية ملفقة تصور خلافا للحقيقة وقائع تعذيب مواطنين على لأنها باشرها عليهم ضباط من هيئة الشرطة وكذا لقاءات وأحاديث مسجلة تضمنت تعريضا بسمعة الهيئة المذكورة ونزاهتها وذلك بقصد تصدير تسجيلات تلك المادة الإعلامية إلى الخارج – زعم كونها مادة إخبارية وبما من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.
ثانيا: صنعت وحازت بقصد التوزيع والعرض صورا من شأنها الإساءة لسمعة البلاد بأن قامت على إنتاج المادة الإعلامية موضوع الاتهام السابق وحازت تسجيلاتها بما تشتمل عليه من وقائع مخالفة للحقيقة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر بما تبرزه من مظاهر غير لائقة تتعلق بأعمال هيئة الشرطة واحترام ضباطها للقانون قاصدة من ذلك بثها وإذاعتها عبر قناة الجزيرة الفضائية التليفزيونية التي تعمل بها وعلى النحو المبين بالتحقيقات وطالبت عقابها بالمادتين 80(د) فقرة 1، 178مكرر ( ثانيا ) فقرة 1 من قانون العقوبات
وقد تداولت الدعوى بالجلسات على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 2/5/2007 قضت محكمة أول درجة حضوريا بتوكيل بحبس المتهمة ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة ألاف دنيه للتهمة الأولى، وللتهمة الثانية بتغريمها مبلغ عشرون ألف جنيه والمصادرة وألزمتها المصروفات الجنائية
- وحيث أن هذا الحكم لم يلقى قبولا لدى المتهمة فقد طعنت عليه بطريق الاستئناف وقد تداولت القضية أمام محكمة الاستئناف وفقا لما هو مبين تفصيلا بمحاضر جلساتها إلى أن تأجلت لجلسة اليوم للإطلاع على تقرير اللجنة المشكلة بموجب قرار المحكمة لتفريغ الشرائط موضوع القضية
الدفاع
مدخل:
الإطار التشريعى الحاكم لهذه المنازعة:
يحكمها حرية الرأى والتعبير (47 من الدستور) وحرية الصحافة (48 من الدستور) وحرية الإبداع الثقافى (49 من الدستور) والحق فى المعرفة
أولا: مواثيق حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير:
1- المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان:
"لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أى تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية".
2- المادة 19 من العهد الدولى بشأن الحقوق المدنية والسياسية:
"1- لكل فرد الحق فى اتخاذ الآراء ودن تدخل
2- لكل فرد الحق فى حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أى نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود ….."
3- المادة 9 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الشعوب:
"1- لكل فرد الحق فى الحصول على معلومات
- كل فرد له الحق فى التعبير ونشر آرائه فى إطار القانون "
ثانيا: التطبيقات الدولية لبعض جوانب حرية الرأى والتعبير:
قدم المقرر الخاص للأمم المتحدة المختص بدعم وحماية حرية الرأى والتعبير - والذى يعمل تحت أشراف لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة - تفسيرا للمادة 19 يساعد فى تحديد نطاق هذه الحرية وشدد المقرر فى تقاريره المقدمة أخيراً على الطبيعة المركبة لحرية الرأى والتعبير.
كما شدد المقرر على الحاجة لحماية حرية التماس المعلومات وحرية تلقيها الخاضعتين للحماية المكفولة بنص الفقرة الثانية من المادة 19. وذهب المقرر إلى حد القول بأنه: "نظراً للدور الاجتماعى والسياسى الذى تلعبه المعلومات فى المجتمعات المعاصرة، فانه ينبغى الحرص على توفير حماية لحق كل فرد فى تلقى المعلومات والأفكار، أن هذا الحق ليس فقط الوجه الآخر للحق فى نقل المعلومات، وإنما هو حق قائم بذاته، فحق التماس المعلومات وإتاحتها إنما هو عنصر من أكثر عناصر حرية الرأى والتعبير جوهرية. أن تلك الحرية سوف تخلو من أى تأثير إذا لم يتوافر للناس سبيلاً للحصول على المعلومات، لذا تعد إتاحة إمكانية الحصول على المعلومات من الأمور الجوهرية للأسلوب الديمقراطى فى الحياة. ومن ثم ينبغى القيام بمراجعة صارمة للاتجاه الرامى إلى حجب المعلومات عن الجمهور."
وأكدت مراراً المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على الدور البارز الذى تلعبه الصحافة فى مجتمع تخضع دولته لأحكام القانون. وبينت بوضوح الحماية القوية التى تضمنتها الاتفاقية الأوربية لحرية التعبير وهذا الموقف إنما يرتكز أساساً على المبدأ الرئيسى المتمثل فى حق الجمهور فى المعرفة. حيث قضت المحكمة فى أكثر من مناسبة أن الموضوعات التى تحظى باهتمام عام مشروع إنما تخضع للحماية الكاملة الواردة فى المادة 10 من الاتفاقية الأوربية.
كما أعلنت المحكمة وهى بصدد فحص مسألة حق الجمهور فى المعرفة من إنه:
"بينما على الصحافة إلا تتجاوز الحدود الموضوعة... ومع ذلك يجب عليها نقل المعلومات والأفكار فى الموضوعات ذات الاهتمام العام؛ وليس القيام بمهمة نقل مثل هذه المعلومات والأفكار واجبا ملقى على عائق الصحافة فحسب، وإنما ينطوى أيضاً على حق الجمهور فى تلقيها. ولو كان الأمر على خلاف ذلك فلن يكون بمكنة الصحافة القيام بدورها الحيوى كحارس مخلص لمصالح الجمهور .
وقد تضمنت القوانين الوضعية للعديد من الدول الديمقراطية حماية قانونية لحرية التعبير ولحرية الوصول إلى المعلومات التى تلازمها بشكل حتمى بوصفهما من الحريات العامة. ويتوافر عدد هائل من الدعاوى التى تسنى فيها للمحاكم الدستورية المختلفة أن تتصدى لفحص حرية التعبير مجلية أهم المبادئ الدستورية المرتبطة بها وعلى رأسها ما استقر فى أحكام هذه المحاكم من أن حرية التعبير تحتوى. بطريقة ضمنية - على الحق فى إتاحة الوصول للمعلومات. وتكفى أمثلة قليلة هنا لتجسيد هذه النتيجة فالمجلس الدستورى الفرنسى ذهب مثلاً إلى إقرار أن حرية التعبير وحرية الصحافة لا يقتصر معناهما على حق أولئك المشتغلين
بالكتابة والتحرير والنشر فحسب وإنما يتسع ليتضمن حق القراء. كما أكدت المحكمة اليابانية العليا على أهمية دور الصحافة فى خدمة حق الجمهور فى المعرفة، ولذلك شددت على أن الصحافة يجب أن تمتلك حق تجميع الأخبار. ورغم التمايز الواضح بين الحريتين إلا أنهما متلازمتان تماماً.
ومن ابرز وأهم التطبيقات القضائية ذات الصلة بموضوعنا التفسير الذى تبنته المحكمة الهندية العليا، حيث قضت: تشكل الصحافة السلطة الرابعة فى الدولة ومع أن الدستور الهندى لم يتضمن نصاً صريحاً يقضى بكفالة حرية الصحافة إلا أن المحكمة قررت امتداد الحماية الدستورية إليها بطريقة ضمنية وذلك استناداً إلى الحماية والكفالة الدستورية الممنوحة لحرية التعبير، وذهبت المحكمة إلى إجلاء الأغراض الاجتماعية التى تحققها حرية التعبير وحددتها المحكمة فى أربعة أغراض عريضة هى:
1- مساعدة الفرد فى التحقيق الكامل لذاتيته.
2- المساعدة فى كشف الحقيقة.
3- تعظيم قدرة الفرد على المساهمة فى المجتمع الديمقراطى.
4- توفير آلية لتحقيق توازن معقول بين الاستقرار والتغيير الاجتماعى.
ثالثا: الدستور المصرى وحرية التعبير:
للإلمام بموقف المشرع الدستورى من المصادرة الإدارية للمطبوعات يلزمنا بسط خطته فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير، ومن ثم يلزمنا استعراض عدة مواد دستورية وقراءاتها معا، إعمالا للمبدأ الدستورى القائل بأن نصوص الدستور متساندة ومتكاملة:
1- المادة 47:
"حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى".
يلاحظ على النص أنه قد نص صراحة على حماية الحريات والحقوق التالية:
1- حرية تبنى الآراء.
2- حرية التعبير.
3- حرية النشر.
4- حق النقد الذاتى.
5- حق النقد البناء.
6- الحق فى اختيار وسيلة التعبير.
وفيما يتعلق بالحريات الثلاث الأولى فالحماية الدستورية الممنوحة لها، العبرة فى ممارستها هو صفة الإنسان بغض النظر عن صفة المواطنة حيث استخدم تعبير "لكل إنسان" ومن ثم فهذه الحماية ليست قاصرة على المواطنين فقط.
وأحال النص للقانون مهمة تنظيم هذه الحريات والحقوق وتحديد تخومها، ولا ينبغى أن يفهم هذا النص على أنه يمنح المشرع العادى سلطة مطلقة فى فرض الحدود ذلك أنه يحدها أربعة قيود:
1- على التنظيم التشريعى ألا يصادر الحق أو الحرية.
عليه ألا ينتقص من الحق أو الحرية.
3- عدم جواز فرض قيود باهظة على الحرية أو الحق.
4- مراعاة القيود الواردة فى الدستور التى تحد من نطاق سلطته.
2- المادة 48:
"حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناءا فى حالة إعلان الطوارئ أو فى زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقا للقانون".
تضمن هذا النص صراحة أربع حريات متمايزة وعلى صلة مباشرة بحرية التعبير هى:
1- حرية الصحافة.
2- حرية الطباعة.
3- حرية النشر.
4- حرية وسائل الإعلام.
كما لم يتضمن النص أى قيد يتعلق بجنسية الصحافة مثلا، ومن قراءة النص بدقة يتضح أن موقف الدستور المصرى هو: أن هذه الحريات فى الأصل غير خاضعة للرقابة إطلاقا إلا فى أحوال استثنائية (زمن الحرب أو حالة إعلان الطوارئ)، كما أن هذه الرقابة الاستثنائية إنما تتقيد بقيد موضوعى مضمونه أن تقتصر الرقابة على الأمور المتصلة بالسلامة العامة أو أغراض الآمن القومى، وأحال النص تنظيم هذه الحريات وتلك الرقابة الاستثنائية إلى المشرع العادى بعد أن قيده فى الأحوال العادية بحظر الرقابة وحظر التدخل الإدارى (إنذار، وقف، إلغاء)
3- المادة 49:
"تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمى والإبداع الأدبى، والفنى، والثقافى، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك."
يتضمن النص أربع حريات هى:
1- حرية البحث العلمى.
2- حرية الإبداع الأدبى.
3- حرية الإبداع الفنى.
4- حرية الإبداع الثقافى.
لم يحل النص إلى المشرع العادى تنظيم هذه الحريات وفرض النص على الدولة التزام إيجابى مضمونه؛ توفير الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الحماية، ويلاحظ أن النص استخدم هنا تعبير "للمواطنين" على خلاف المادة السابقة.
رابعا: حرية الرأى والتعبير من واقع أحكام المحكمة الدستورية:
1- تلتزم الدولة فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية بالحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية:
استقرت المحكمة على:
وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى.
وحيث أن مؤدى هذه النصوص - مرتبطة بالمادة 65 من الدستور - أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة، وفى هذا الإطار، والتزاما بأبعاده، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى تعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة."
وعند قراءة الحكم السابق بدقة يتبين لنا بيسر أنه يرسى القاعدة الجوهرية ثلاثية الأبعاد؛ حيث تنحل إلى ثلاثة قواعد بالغة الأهمية؛ فتختص القاعدة الأولى بمستوى الحماية القانونية لحرية ما، فى حين تتمحور القاعدة الثانية حول نطاق القيود المقبولة على هذه الحرية، وأخيرا تعالج القاعدة الثالثة نطاق الحريات المشمولة بالحماية القانونية.
وحيث أن حرية التعبير تندرج ضمن الحريات الأساسية، فإن تنظيم المشرع لها يخضع لهذه القاعدة بأبعادها الثلاثة ومن ثم تضحى كافة الحقوق الفرعية المنضوية فى حق التعبير مشمولة ب
.