مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
تقرير الطعن
انه في يوم الموافق / / 2009
حضر أمامنا نحن مراقب المحكمة الإدارية العليا السيد الأستاذ / المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمة النقض و المحكمة الإدارية العليا بصفته طاعنا عن السيد / أحمد صالح أحمد عبدالله المقيم في شارع 21 بلانة مركز نصر – النوبة – أسوان
وقرر الحاضر عن الطاعن أنه يطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للتعليم وملحقاتها بالقاهرة بجلسة 15/12/2008 في الدعوى رقم 102 لسنة 50 ق والمقامة من النبابة الإدارية ضد الطاعن والتي قضى فيها :
" بمجازاة أحمد صالح عبدالله بالوقف عن العمل لمدة شهرين مع صرف نصف الأجر "
أحالت النيابة الإدارية الطاعن إلى المحاكمة التأديبية بموجب تقرير اتهام قررت فيه أن المحال قي غضون شهر نوفمبر 2007 بمنطقة آثار ميت رهينة التابع للمجلس الأعلى للآثار وبوصفه مدير منطقة آثار ميت رهينة سلك سلوكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب لمقتضيات الوظيفة وأفضى بتصريحات عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف بدون حصوله على تصريح كتابي بذلك بأن :-
أ) أدلى بتصريحات صحفية لجريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 28/11/2007 تضمنتها الصفحة السابعة بعنوان حواس لا يعترف ويشكك في رسالته وصالح يرد يضطهدني واشتكاني 42 مرة قي عامين دون الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من السلطة المختصة .
ب) أدلى بتصريحات صحفية لجريدة المصري اليوم بعددها الصادر بتاريخ 23/11/2007 تضمنتها الصفحة الثانية بعنوان الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساءا وذلك دون الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من السلطة المختصة وذلك كله على النحو الموضح بالأوراق تفصيلا
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحال تأديبيا بمقتضى نصوص المواد 76/1 ، 77/1،7 ، 78/1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته
- تداولت الدعوى بالجلسات على النحو المبين تفصيلا بمحاضر جلساتها وقدم المحال أثناء نظر الدعوى حوافظ مستندات ومذكرة بدفاعه وقد انتهت المحكمة إلى الحكم المطعون فيه.
ولما كان هذا الحكم قد صدر مخالفا لصحيح الواقع و القانون وقضاؤه على خلاف الثابت بالأوراق بالإضافة إلى الخطأ في تطبيق القانون وفي تفسيره و تأويله
ومن ثم فإن الطاعن يطعن عليه الطعن الماثل للأسباب الآتية : -
أسباب الطعن
مقدمة لا بد منها :-
إن قراءة متأنية لأوراق القضية المعروضة أمام عدلكم يبين منها جليا أن هناك محاولة دؤؤبة للنيل من الطاعن من خلال سيل من البلاغات التي قدمت تباعا للنيابة الإدارية فمحاولة منا لتبيان ماهية هذه البلاغات والتي حققت فيها جميعا النيابة الإدارية للوقوف على مدى الرغبة الملحة في النيل من الطاعن نجد الآتي :-
1- البلاغ المقدم من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بتاريخ 14/11/2007 لهيئة النيابة الإدارية والمتضمن إدعاء قيام الطاعن بالإدلاء بتصريحات صحفية لجريدة الجمهورية بالعدد الصادر بتاريخ 5/11/2007 بالصفحة 1 ، 9 وهو البلاغ المقيد برقم 13666
2- البلاغ المقدم من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ضد الطاعن بتاريخ 5/12/2007 والمقيد برقم 14632 والمتضمن إرسال العديد من الأوراق وهي مذكرة السيد/ عطية رضوان رئيس الإدارة المركزية لمصر العليا بشأن ظهور الطاعن ببرنامج تلفزيوني مباشر عن نقل مومياء الملك توت عنخ أمون – ما نشر بجريدة المصري اليوم بتاريخ 21/11/2007 بعنوان ( عالم آثار مصري يتوقع تحول مومياء توت عنخ أمون إلى رماد خلال 30 عاما ) – ما نشر بجريدة الجمهورية بتاريخ 28/11/2007 بعنوان ( الملك توت عنخ أمون أشعل الخلاف بين الاثنين ...) – ما نشر بجريدة المصري اليوم الصادرة بتاريخ 23/11/2007 بعنوان ( الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساء) – بيان حالة للطاعن
3- أرفق بهذه البلاغات كتاب إدارة الدعوى التأديبية بقنا والمؤرخ 9/2/2006 والمتضمن إحالة القضية رقم 169لسنة 2005 أسوان للمحاكمة التأديبية وكذا كتاب إدارة الدعوى التأديبية بشأن الحكم الصادر في ذات الدعوى
- وما طوته أوراق هذه الدعوى ما هو إلا مقتطفات مما قدم في حق الطاعن في مساحة زمنية لا تتجاوز الشهر وعلى الرغم من أن معظم ما طوته هذه الأوراق ثبت عدم صحة صدوره من الطاعن فضلا عن الزج بموضوع قديم من عام 2005 في هذه القضية الأمر الذي لا نرى سند له إلا محاولة التأثير على جهة التحقيق من خلال تصوير هذا الرجل في شكل المشاغب المثير للمشاكل الذي يناطح رؤسائه ويسيئ إليهم وقد أتي هذا النهج ثماره أمام جهة التحقيق وأمام المحكمة التأديبية وليس أدل على ذلك من تصوير المحكمة التأديبية للطاعن بأنه لم يبتغي الصالح العام وإنما ابتغى الشهرة والظهور قي وسائل الإعلام . وبنظرة موضوعية لما طوته هذه البلاغات نجد أنها قد طوت عدة وقائع خاصة بالتصاريح الصحفية والتلفزيونية بلغت حوالي خمسة وقائع قدمت النيابة المتهم بواقعتين فقط واستبعدت الباقي بعدما ثبت لجهة التحقيق انتفاء صلة الطاعن بما تم نشره وهو ما يستخلص منه من وجهة نظرنا أن الجهة الإدارية تحاول جاهدة أن توقع بالطاعن وبشتى السبل وليس أدل على ذلك من واقعة الماجستير والتي أفردت لها محكمة أول درجة مساحة من أسباب حكمها رغم أنها ليست ضمن ما يحاكم بسببه الطاعن ومحاولة الجهة الإدارية في هذا المجال التجهيل فيما يتعلق بحصول الطاعن على درجة الماجستير ليس له ما يبرره إلا الافتئات على مكانة الطاعن العلمية فالثابت من الأوراق أنه قد صدر القرار رقم 1570 لسنة 2000 بمنح الطاعن إجازة دراسية بمرتب لمدة عام للحصول على درجة الماجستير من جامعة مانشستر بانجلترا وقد سافر الطاعن وحصل على درجة الماجستير وقدم الشهادة الدالة على ذلك للجهة الإدارية ولولا ذلك لتم خصم المبالغ التي تقاضاها والتي صرفت على منحته الدراسية ومطالبته فورا بردها وهذه هي القواعد التي تحكم المنح الدراسية فإذا ما امتنعت الجهة الإدارية عن إثبات مؤهل الطاعن العلمي ببيان الحالة الوظيفية الذي قدمته للنيابة الإدارية أنما يثبت تعنت الجهة الإدارية مع الطاعن بعدم اثبات درجته العلمية في بيان حالته الوظيفية والقول بغير ذلك يحمل مخالفة للقانون لأن الطاعن كان في منحة دراسية ومؤدى ذلك إثبات درجته العلمية الجديدة بمجرد انتهاء المنحة وهو أمر يختلف عن حصول العامل على مؤهل أثناء الخدمة فهنا فقط يلزم العامل القيام بعدة إجراءات لإثبات مؤهله العلمي الجديد ومما تقدم يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن سلوك الجهة الإدارية مع الطاعن لا يتصف بالقدر اللازم من الحيادية والموضوعية وبعد هذه المقدمة نتناول المطاعن التي نراها على الحكم الطعين:-
أولا :- الخطأ في تطبيق القانون
استندت المحكمة التأديبية في قضائها الطعين إلى أنه ( ومن ثم فإن ما استقر في يقين المحكمة أن المتهم أخذ من تصريحاته للصحف بدون إذن من رئاسته سوى التمرد على رؤسائه والتطاول عليهم والتشهير بهم الأمر الذي يهز الثقة في السلطة الرئاسية وفاعلتها ونفاذها .
الأمر الذي يكون معه التصريح الذي أدلى به المتهم إلى جريدة الجمهورية بالعدد الصادر بتاريخ 28/11/2007 يمثل خروج من المتهم على مقتضى الواجب الوظيفي وخروجا على حق الطاعة للرؤساء على مرؤسيهم الأمر الذي يستلزم مجازاته عنه تأديبيا).
وبالرجوع إلى التحقيقات نجد أنه عندما سئل الطاعن بتحقيقات النيابة الإدارية عن المخالفتين الذي قدم للمحاكمة بسببهما وهو ما نشر بجريدة الجمهورية وما نشر بجريدة المصري اليوم قرر الآتي :
س : ما قولك فيما تضمنته الصفحة السابعة بجريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 28/11/2007 ؟
ج : أن ما تضمنه هذا العدد كان بشكل مواجهة بيني وبين الأمين العام بالمجلس وذلك بخصوص الأشياء الشخصية التي تتعلق بي وذلك بشأن تشكيك الدكتور زاهي حواس بحصولي على درجة الماجستير وكان يجب الرد في ذلك الموضوع حيث أنني حصلت على درجة الماجستير وكذا قمت بإجراء المواجهة بشأن عدد زوار المومياء .....
- وهنا لا بد أن نوضح أننا أمام أمر مختلف وشديد الغرابة فالأمين العام للمجلس الأعلى للأثار وعلى صفحات الجرائد وهو ما تم نشره في جريدة الجمهورية بالعدد الصادر في 28/11/2007 يقول عن الطاعن ( مين أحمد صالح ده ... إنه موظف صغير قي المجلس)
وهذا يعني أن الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار يعتبر مدير منطقة آثار ميت رهينة شخص نكرة ومجرد موظف صغير . وفي موضع آخر من ذات الموضوع يقرر ( أن صالح يدعي أنه حاصل على شهادة الماجستير من الخارج رغم أننا أرسلناه للدراسة مدة عام ولم يأت بأية أوراق تثبت حصوله على الدرجة ) وهذا يعني أنه يشكك في حصوله على الدرجة العلمية رغم أنه أقر بأن المجلس هو الذي أرسله ورغم أن هذا الكلام لو صح لعرضه للمساءلة القانونية و لصار الأمين العام للمجلس مسئولا عن تبديد المال العام لأن ما أنفق على الطاعن في المنحة من المال العام بغرض الحصول على الدرجة العلمية ولو لم يحصل عليها لصار لزاما عليه أن يرد المبالغ التي صرفت عليه من المال العام والمجلس لم يطالبه بذلك وهذا معناه أنه حصل على الدرجة العلمية وما يثير للغرابة فعلا هو أن بيان الحالة الوظيفية للطاعن الذي قدمته الجهة الإدارية خلا من حصول الطاعن على درجة الماجستير رغم تقديم الطاعن ما يفيد حصوله على الدرجة العلمية فور عودته من البعثة.
- وخلاصة القول مما سبق أننا لسنا أمام حالة إصدر تصريحات من جانب الطاعن ولكننا أما حالة استخدم فيها الطاعن حق الرد المكفول له قانونا إزاء ما صدر من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لأن ما جاء على لسانه يتعرض لشخص الطاعن ومكانته العلمية وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالوظيفة العامة أو بطبيعة عمل الطاعن الأمر الذي ينطبق معه نص المادة 77/1، 7 من القانون 47 لسنة 78 الخاص بالعاملين المدنيين بالدولة لأن الطاعن فيما نشر في جريدة الجمهورية لم يفضي بأي تصريحات أو بيان عن أعمال وظيفته وإنما كان مستخدما لحق الرد المكفول له قانونا للرد على ما قيل بحقه ومساسا بشخصه بل أننا لا نتجاوز إذا قلنا أن ما جاء على لسان الأمين العام للمجلس ليشكل وبحق خروج على مقتضى الواجب الوظيفي والاحترام اللازم بين أرباب الوظيفة العامة .
أما بشأن المخالفة الثانية فقد انتهت المحكمة إلى أنه
( وحيث أنه عن المخالفة الثانية المنسوبة للمتهم حول التصريح الذي أدلى به إلى جريدة المصري اليوم بعددها الصادر بتاريخ 23/11/2007 تحت عنوان " الأثري أحمد صالح – المتهم – يحذر من إطفاء مقبرة توت عنخ أمون من الخامسة مساءا "
جاء به أن المتهم شكر الأمين العام على إضافة مصطلح علمي جديد وهو الجهل العلمي . وذكر أنه أنقذ مومياء توت عنح أمون من خطط الأمين العام .... الإعلامية الغربية .
وحيث أن هذه العبارات تستخلص منها المحكمة أن المتهم لم يكن موضوعيا قي تصريحه إلى الصحف الذي هو في الأصل محظور عليه بحكم القانون إلا بعد الإذن كتابيا من رئيسه وتضمن حديثه التطاول على رئيسه من خلال اتهامه رئيسه بأنه يضع خطط إعلامية غربية للقضاء على موميات توت عنخ أمون .
وحيث أن المتهم قد تجاوز حدود الشكوى التي كفلها له الدستور واتخذ من الصحف منابر له للتطاول على رؤسائه والتشهير بهم فإن الواضح أن المتهم لم يبتغي من ذلك الصالح العام بقدر ما أراد الشهرة والظهور في وسائل الإعلام وعلى صفحات الجرائد بدليل كثرة أحاديثه في الصحف والظهور في التلفاز سعيا وراء الشهرة الأمر الذي يكون معه المتهم قد خرج على مقتضيات الوظيفة العامة وما توجبه من حق الطاعة والتوقير للرؤساء واتخاذ السبل الشرعية السليمة في عرض الشكوى أو إبداء الرأي ويستوجب ذلك مجازاته تأديبيا )
وعن المخالفة الثانية والتي تتعلق بما نشر في جريدة المصري اليوم فقد جاء بتحقيقات النيابة الإدارية :-
س : وما قولك فيما تضمنته الصفحة الثانية من جريدة المصري اليوم الصادرة بتاريخ 23/11/2007 تحت عنوان الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساءا
ج : لقد قمت فعلا بالادلاء بتلك التصريحات في ذلك العدد وذلك للرد على الاتهامات الشخصية الموجهة لشخصي والتي وصفني بها الأمين العام للمجلس بالجهل العلمي .......................
- وهنا لابد أن نبين تفصيلا ما ذكره الطاعن وهو ( إن إغلاق الأنوار يعني أن فلاتر تهوية المقبرة لا تعمل بعد الخامسة مطالبا بتعيين مرمم متخصص في البقايا العضوية والبشرية ليرصد ويسجل التغيرات في درجات الحرارة والرطوبة قي جو المقبرة عموما وداخل فاترينة العرض خصوصا ) وما قرره الطاعن لا يعدو أن يكون رأيا علميا بحتا ولا يمكن أن تعتبر هذا الرأي العلمي المحض هو تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته لأنه من زاوية فإن مقبرة توت عنخ أمون لا تتبع منطقة آثار ميت رهينة التي يتولى الطاعن إدارتها ومن زاوية أخرى فإننا أمام جدل علمي مطلوب للحفاظ على آثارنا وليس أدل على ذلك من أن الواقع فرض نفسه فقد حدد وزير الثقافة عدد زوار المقبرة كما تم إلغاء قرار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بنقل مومياء توت عنخ أمون .
- خلاصة القول في هذه الجزئية أنه لا يمكن أن يعد الرأي العلمي خروجا على مقتضى الواجب الوظيقي وإلا لكان معنى ذلك تكميم الأفواه وما عاد هناك فائدة من ارسال البعثات والدراسات طالما أن الناس يدرسون ويتعلمون ثم يعاقبون إذا عبروا عن وجهة نظرهم العلمية من خلال دراستهم وعلمهم ولكنا أمام مخالفة صريحة لنص المادة 49 من الدستور المصري والتي تنص على أنه ( تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي وتوقير وسائل التشجيع اللازمة لذلك ) فإذا ما استخلصت محكمة أول درجة مما جاء على لسان الطاعن من أنه يشكل مخالفة تأديبية تستوجب العقاب تكون قد أخطأت في تطبيق القانون.
وقد قضي تطبيقا لذلك من المحكمة التأديبية بقنا بجلسة الأحد الموافق 26/11/2006فى الدعوى رقم 98 لسنة 14ق المقامة من/ النيابة الإدارية
ومن حيث أنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أنه بمواجهة ............ مدير إدارة الصيدلة بمديرية الصحة بأسوان – المتهم – بما نسب إليه اعترف بصدور المنشور محل التحقيق منه وقيامه بتوزيعه على المواطنين فى الطرقات العامة بالمحافظة باعتبار أن ذلك حق دستورى له وأن الوقائع المثبتة بالبيان الصادر منه ضد محافظ أسوان صحيحة.
ومن حيث أن الحق فى التعبير يعد من أسمى الحقوق الدستورية التى كفلتها كل الدساتير الديمقراطية لما له من أثر بالغ فى تكوين الرأى العام المستنير والذى يعد أهم ضمانة لكفالة الحقوق والحريات، والذى تتعدد صور ممارسته بلوغا للغاية منه، ومن ثم وإذ قام المحال وبصفته ممثلا لمؤسسة التنمية الصحية والبيئية وهى إحدى مؤسسات المجتمع المدنى التطوعى بتوزيع منشور متعلق بمخالفات صارخة للقانون صادرة من محافظ أسوان تتمثل فى موافقته على التغاضى عن ثلاثة أمتار لإنشاء صيدلة للسيد عبد الرحيم على حسن عضو مجلس محلى المحافظة بالمخالفة للمادة 32 من القانون رقم 127 لسنه 1955 فى شأن ممارسة مهنة الصيدلة هذا فضلا عن غيرها من المخالفات المنسوبة لمحافظ أسوان، ولم يثبت بالمنشور الموزع من المتهم مخالفته للقانون أو انطوائه على أى امتهان أو تجريح لرؤسائه فإنه يكون قد استعمل ما هو مكفول له من حق دستورى ولم يتجاوز جماه ولم يقع فى حمية إساءة استعمال هذا الحق، وبذلك ينتفى عن فعله وصف الذنب التأديبى وينهار من ثم مناط المسئولية التأديبية فى حقه ويتعين الحكم ببراءته لما نسب إليه.
وقضي أيضا من قضاء المحكمة الإدارية العليا أن "الأصل العام المقرر دستوريا والمطلب ديمقراطيا هو وجوب كفالة حماية الموظفين العموميين فى أداء واجباتهم من كفالة حرية الرأى سواء لذات العاملين فى مباشرتهم للنقد رغبة فى الإصلاح وتحقيق الصالح العام أو من غيرهم من المواطنين من رعاية حرية وتوفير حق الشكوى لكل متهم للصحافة وغير ذلك من طرق النشر والإعلام دون مساس بإسرار الدولة وصيانتها، وأن اجتماع حق الشكوى مع حرية الرأى والتعبير عنه يباح كأصل عام لكل مواطن أن يعرض شكواه ومظالمه على الرأى العام شريطة ألا يتضمن النشر ما ينطوى على مخالفة الدستور أو القانون وألا يلجا إلى أسلوب ينطوى على امتهان أو تحريج الرؤساء بما لا يستوجبه عرض وقائع الشكوى "يراجع فى ذلك قضاء المحكمة الإدارية العليا فى الطعنين رقمى 2815، 2872 لسنه 31ق جلسة 18/3/1989 منشور بكتاب شرح قانون العاملين المدنيين بالدولة للمستشار سمير البهى ص 572"
ثانيا : الدفع بعدم دستورية نص المادة77/1،7 من القانون رقم 47 لسنة 1978 والخاص بنظام العاملينن المدنيين بالدولة
كل إنسان يستطيع أن يعبر عن رأيه وفكره بأي وسيلة من وسائل التعبير وهذا ما يطلق عليه حرية التعبير وهي تعد وبحق الحرية الأم مقارنة بباقي الحريات ولذلك كانت هذه الحرية تحتاج إلى الحماية لضمان تمتع الأفراد بحريتهم في الرأي دون قيود اللهم إلا ما يتعلق بضمان حرية الآخرين وعدم الإضرار بهم .
ونحن نستهل الحديث عن الدفع بعدم الدستورية لما نراه في أن المادة المطعون عليها تشكل تغول على حرية الرأي والتعبير وانتقاصا منها يصل إلى درجة حجب هذه الحرية تماما عن المخاطبين بأحكامها دون أن يكون لذلك ثمة مبرر بما ذكره الدكتور / فاروق عبدالبر في كتابه دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات فقد ذكر في ص 596 أنه :-
( ومن حق كل فرد أن يرى ما يشاء وأن يعبر عن رأيه بكافة الطرق المشروعة . بل ومن المصلحة أن تمارس حرية الرأي على أوسع نطاق ، وأن يدور الحوار بين أصحاب الأراء المختلفة على خير وجه ليتضح أفضلها تحقيقا للنفع العام فيمكن الاستفادة منه بغض النظر عن مصدره .
إذن فمن الخير أن ينطلق الفكر ليبحث بحرية وموضوعية عما فيه صلاح البلاد والعباد . ومن الصواب أن تتقابل الأراء المتعارضة وتصطدم ببعضها ليتساقط الرث منها ويظهر ما فيها من عيب أو نقصان . ومن الخطأ البالغ تقييد حرية الرأي بأفكار بشرية معرضة للخطأ والصواب . ومن غير المقبول أن ينظر إلى أي من هذه الأفكار نظرة تقديس أو خوف أو نتظاهر بقبولها من باب التملق والنفاق ، في حين أن الكثير من آيات الخالق جل شأنه تقبل إختلاف الرأي والتأويل بل ومن كرم الله علينا وتكريمه لنا أن دعانا إلى استخدام عقولنا والتفكير حتى في آياته البينات.)
تنص المادة 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 والخاص بنظام العاملينن المدنيين بالدولة تنص على أنه :-
يحظر على العامل :-
1- مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليهما في القوانين واللوائح المعمول بها والتعليمات والنشرات المنظمة لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بالعاملين التي تصدر عن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أو الامتناع عن تنفيذها
7- أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرحا له بذلك كتابة من الرئيس المختص
وسوف نتناول في هذا الدفع المطاعن التي نراها على النص الطعين من عدة وجوه يأتي في مقدمتها المواثيق الدولية التي ترتبط بحرية الرأي والتعبير والحق في تلقي المعلومات أو لنقل الحق في المعرفة ثم نتناول ذات الموضوع من خلال ألدستور المصري وأحكام المحكمة الدستورية العليا وصولا للإجابة على السؤال هل يشكل هذا النص بصورته التي هو عليها إخلالا بحق كفله الدستور من عدمه .
1- المواثيق الدولية والإقليمية وحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات
القانون الدولى كمصدر لحرية التعبير وحق إتاحة المعلومات:
أقر عدد كبير من مواثيق حقوق الإنسان حق إتاحة المعلومات وذلك على النحو التالى:
1- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان:
المادة 19:- "لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أى تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية."
المادة 29:- "1- على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذى يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نموا حرا كاملا.
2- يخضع الفرد فى ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التى يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام، والمصلحة العامة، والأخلاق فى مجتمع ديمقراطى."
المادة 30:- "ليس فى هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أى حق فى القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه."
2- العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية:
المادة 19:- "1- لكل فرد الحق فى اتخاذ الآراء دون تدخل.
2- لكل فرد الحق فى حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أى نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة وسواء كان ذلك فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3- ترتبط ممارسة الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة (2) من هذه المادة بواجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك، فإنها قد تخضع لقيود معينة ولكن فقط بالاستناد إلى نصوص القانون والتى تكون ضرورية:
(أ) من أجل احترام حقوق أو سمعة الآخرين.
(ب) من أجل حماية الأمن الوطنى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق."
3- الميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب:
المادة 9:- "1- كل فرد له الحق فى الحصول على معلومات.
2- كل فرد له الحق فى التعبير ونشر آرائه فى إطار القانون."
المادة 27:- "2- تمارس الحقوق والحريات لكل فرد مع احترام حقوق الآخرين والأمن الجماعى والأخلاقيات والصالح العام."
وهناك أعمال المقرر الخاص للأمم المتحدة المختص بدعم وحماية حرية الرأى والتعبير، والذى يعمل تحت إشراف لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. حيث قدم تفسيرا للمادة 19 يساعد فى تحديد نطاق هذه الحرية . وشدد المقرر فى تقاريره المقدمة أخيراً على الطبيعة المركبة لحرية الرأى والتعبير.
كما شدد المقرر على الحاجة لحماية حرية التماس المعلومات، وحرية تلقيها الخاضعتين للحماية المكفولة بنص الفقرة الثانية من المادة 19. وذهب المقرر إلى حد القول بأنه: "نظراً للدور الاجتماعى والسياسى الذى تلعبه المعلومات فى المجتمعات المعاصرة، فإنه ينبغى الحرص على توفير حماية لحق كل فرد فى تلقى المعلومات والأفكار، إن هذا الحق ليس فقط الوجه الآخر للحق فى نقل المعلومات، وإنما هو حق قائم بذاته، فحق التماس المعلومات وإتاحتها إنما هو عنصر من أكثر عناصر حرية الرأى والتعبير جوهرية. إن تلك الحرية سوف تخلو من أى تأثير إذا لم يتوافر للناس سبيلاً للحصول على المعلومات، لذا تعد إتاحة إمكانية الحصول على المعلومات من الأمور الجوهرية للأسلوب الديمقراطى فى الحياة. ومن ثم ينبغى القيام بمراجعة صارمة للاتجاه الرامى إلى حجب المعلومات عن الجمهور."