محكمة جنايات الجيزة
الدائرة : الثامنة عشر
مذكرة بـدفـاع / عادل محمد إبراهيم حمودة متهم أول
محمد عبد الحفيظ البار النادي متهم ثان
ضــــــــــد
النيابـــة العامــــة سلطة اتهام
وآخر مدعى بالحق المدني
في الجنحة الصحفية رقم4673لسنة 2007إداري العجوزة والمقيدة برقم 368لسنة 2007 حصر تحقيق العجوزة
والمحدد لنظرها جلسة السبت الموافق
11/10/2008 أمام الدائرة 18 جنايات
مقدمة لابد منها:-
رأيت قبل الخوض في إبداء دفوعي ودفاعي عن المتهمين أن أوضح أنه ليس الهدف من هذه الدعوى هو تطبيق نصوص عقابية علي وقائع تمت فالمتهمان ليسا مجرمين ولكنهما متهمان بأنهما صحفيين معارضين ويحاكمان بسبب الكلمة التي هي عملهما وما قاما به هو تأدية واجبهما الوظيفي فدور الصحفي المعارض هو النقد المباح البناء لكل ما يهم المجتمع حتي يرقى بالمجتمع إلي اعلي الدرجات.
وحين تنازل الأفراد عن بعض حرياتهم وحقوقهم وصنعوا لأنفسهم دولة ،كان مقصدهم الأساسي هو حماية الضعيف من بطش القوي ، فاختاروا بعضا منهم أوكلوا إليهم هذه المهمة ، وخصصوا له جانبا من مواردهم ، فإذا بالسلطة تطغي الحكام وتنسيهم مهمتهم ، فيدعون أنهم مفوضون من الله في حكم الناس ، بل أن الفراعنة أدعوا أنهم هم أنفسهم آلهة وعلي أفراد الشعب أن يعبدوهم ، وإذا بموارد الدولة تصبح بمثابة أموال الحكام ، وهكذا امتلأت الأرض ظلما وطغيانا وفساد إلي أخر ما هو معروف ، فكان أن ابتكرت الشعوب مبدأ الفصل بين السلطات .. لتحد السلطة السلطة ، كما كان حرص الشعوب علي تذكير الحكام بأنهم بشر ، حتي أن الإمبراطورية الرومانية عينت موظفين تكون مهمتهم نقد الإمبراطور بالحق والباطل ، وتذكيره في كل لحظة بأنه بشر ، ذلك هو السر في حرص الأمم الراقية علي وجود معارضة قوية ، وتلك أيضا هي مهمة الصحافة .
وقد قال بومارشية في مسرحيته الشهيرة "زواج فيجارو" : "لقد قيل لي أنه وضع نظام خاص لحرية الصحافة ، بشرط ألا أتكلم في كتاباتي عن الطباعة أو الديانة أو عن السياسة أو عن الأخلاق أو عن ذوي المناصب أو عن الأوبرا ولا عن أي شخص له مكانة ما ، وبخلاف ذلك أستطيع كتابة كل شيء بحرية .. ولهذا تراني في منتهي السعادة ".
مخالفة مواد الاتهام للدستور المصري والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
نصت المادة 47من الدستور المصري علي أن ( حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره ... والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني ) .
وأكدت علي ذلك محكمتنا الدستورية العليا حين نصت علي أن :-
" وحيث أن من المقرر كذلك أن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها ، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها ، بل يتعين أن ينقل المواطنين من خلالها – علانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم . فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزما ، ولو عارضتها السلطة العامة – أحداثا من جانبهم – وبالوسائل السليمة – لتغيير قد يكون مطلوبا،فالحقائق لا يجوز إخفائها ، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في القوانين.التعبير ، كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها ، بل كذلك اختيار الوسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها أو نشره ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها ، ولعل أخطر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإحساس بها شكليا أو سلبيا بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها ، وألا يفرض أحد علي غيره صمتا ولو بقوة القانون "
( حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 6 لسنة 15 قضائية دستورية في 15/4/1995 )
وبذلك تتعارض نصوص المواد محل الاتهام مع المادة 47 من الدستور المصري وحيث أنه في حالة تعارض مادة من مواد القانون الخاص يثار دفع بعدم دستوريتها لتعارضها مع نص في الدستور وبذلك يعلو القانون الدستوري علي كافة القوانين .
وتتعارض مواد الاتهام كذلك مع نص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية والتي صادقت مصر علي هذا العهد بموجب القرار الجمهوري رقم 5المقررة.981 وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/4/1982 وبذلك أصبح تشريعا وطنيا بموجب المادة 151 من الدستور المصري و التي نصت علي:
(رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يتناسب من البيان ويكون لها قوه القانون بعد إلزامها و التصديق عليها و نشرها وفقا للأوضاع المقررة ...)
وقد قرر الدكتور / علي عبد القادر القهوجي في كتابة ( المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي ص 26 ) بان قرر ( المعاهدات الدولية بعد إبرامها و التصديق عليها ونشرواحد.ن لها قوه القانون فإذا تضمنت نصا يكفل حقا من الحقوق أو يقرر حرية من الحريات وكان هذا الحق أو تلك الحرية موضوع حظر من قبل فان هذا يعني أن المعاهدة وقد أصبحت قانونا نافذا في النطاق الداخلي قد سحبت أو أزالت صفه التجريم عند استخدام هذا الحق أو تلك الحرية إذ لا يعقل اعتبار الفعل حقا وجريمة في نفس الوقت ولا سبيل لرفع هذا التناقض إلا عن طريق الاعتراف بقوه المعاهدة الدولية التي أدمجت في التشريع الوطني في أزاله صفه التجريم عن هذا الفعل ) .
ومن التطبيقات القضائية لذلك هو حكم محكمة امن الدولة العليا طواري في قضية إضراب عمال السكة الحديد المقيدة برقم 4190 لسنه 86 الأزبكية ( 121 كلي شمال ) الصادر بجلسة الخميس الموافق 16/9/1987 و التي قضت ( القاضي الوطني لا يطبق المعاهدة تأسيسا علي أن دولته قدح التزمت دوليا بتطبيقها بل يطبقها باعتبارها جزءا من قوانين الدولة الداخلية إذا ما تم استيفاؤها للشروط اللازمة لنفاذها داخل الإقليم ).
وكذلك الحكم الصادر في الدعوي رقم 1120 لسنه 17ق المحكمة التأديبية بطنطا بتاريخ 10/3/1991 و الذي قرر ( ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن الاتفاقية المشار إليها قد جاءت لاحقه لقانون العقوبات ومن ثم فانه يتعين اعتبار المادة 124 من قانون العقوبات و التي تحظر الإضراب قد نسخت ضمنا بالمادة 8 فقرة د من الاتفاقية المذكورة ).
وبإنزال ذلك علي المادة التاسعة عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية نجد أنها قد أباحت حرية التعبير عن الآراء و المعلومات و الأفكار و نقلها للآخرين دونما الاعتبار لأي حدود ( أي دون فرض قيود عليها ، وبأي شكل سواء كان مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني و بالتالي فان القيود و العقوبات التي فرضها المواد 178، 302/1 ،303/1 ،306،307،308 مكرر من قانون العقوبات المصري ( الصادر عام 1937 م ) تعتبر مخالفة لهذه المادة من الاتفاقية ( و التي اعتبرت تشريعا داخليا في عام 1981م) مما يجعل هذه المادة بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية تزيل صفه التجريم عن هذه الأفعال المنصوص عليها في هذه المواد من قانون العقوبات و بالتالي أزالت صفه التجريم عما هو منشور من المتهمين الأمر الذي يستتبع الحكم ببراءتهم .
الوقائع
نحيل بشأنها لملف الدعوي حتي لا نضيع ثمين وقت المحكمة
الدفوع
• الدفوع الشكلية :-
يتمسك الدفاع بكافة الدفوع بالمذكرة المقدمة منه بجلسة 6/9/2008
• الدفوع الموضوعية :-
أولا : انتفاء أركان جريمة سب هيئة نظامية
أسندت النيابة العامة إلي المتهمان إنهما أهانا علنا وبطريق النشر هيئة الأزهر الشريف وذلك بأن نشر في العدد رقم 93 من جريدة الفجر والصادرة بتاريخ 19 /3/2007 مقالا تحت عنوان "شيخ الفاتيكان الأكبر "مضمنين إياه صورة لرئيس الهيئة متشحا بزي لا يتفق وأصول رئاسته لتلك الهيئة وأورد عنوانا بالصحيفتين من جريدة الفجر ذاكرين به عبارة " شيخ الفاتيكان الأكبر " مصورين إياه تابعا لرئاسية دينية أخري بما لا يتفق وطبيعة تلك الهيئة مما الحق بها والاهانة علي النحو المبين بالتحقيقات
ونصت المادة 184 من قانون العقوبات علي أنه " يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنية ولا تزيد علي عشرة ألاف جنية كل من أهان أو سب بأحدي طرق النشر المنصوص عليها في المادة 171 مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو غيرهم من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة " .
وهنا نجد أن النيابة أخطأت فيما أسندته إلي المتهمين حيث أن نقد شخص من الشخصيات العامة لا يعني بالضرورة أهانه للجهة التي يمثلها مادام الهدف من النقد هو الصالح العام فتوجيه النقد إلي عضو مجلس الشعب أو الشورى لا يعني بالضرورة توجيه والاهانة إلي المجلسين ويتضح ذلك من عبارات المقال أنه نقد موجه إلي شخص شيخ الأزهر عن واقعة حقيقية يتداولها الكثير والكثير من وسائل الإعلام وعن عدم إعلان شيخ الأزهر عن موقفه من تلك الواقعة وهي قبول زيارته لبابا الفاتيكان أو عدم قبوله .
وحيث أن الهيئة النظامية هنا تطلق علي فريق من المجلس سواء أكان هذا الفريق لأكثرية أو أقلية لأنه حين وضع هذا النص كان القصد منه هو حماية كرامة الهيئة نفسها وليس شخص واحد .
ونجد أن الصورة التي تم وضعها علي المقال وهي صورة شيخ الأزهر وهو يرتدي زى بابا الفاتيكان لا توجد فيه إهانة لهيئة الأزهر ولا إهانة لشيخ الأزهر في شخصه ولا يقلل من شأن ديانة أو يرفع من شأن الأخرى ولكن الموضوع كله يتعلق بواقعة زيارة شيخ الأزهر لبابا الفاتيكان التي تناولتها وسائل الإعلام المختلفة .
وان المحكمة حين وجهت سؤالها لشيخ الأزهر
س- هل وجه السب أو القذف لفرد أو جماعة من أفراد هيئة الأزهر خلافك ؟
ج- الذي أعرفه السب موجه لي شخصيا ولمؤسسة الأزهر في شخصي
وهو ما يؤكد علي انتفاء علاقة المتهمان بإهانة هيئة الأزهر حيث لا توجد أي عبارات موجهة لمؤسسة الأزهر الأمر الذي تنتفي معه الجريمة المنصوص عليها في المادة 184 عقوبات .
وقد ذهبت محكمة النقض في حكم لها أن عبارة الهيئات النظامية الواردة في نص المادة 184 عقوبات لا يجوز أن تطلق علي فريق من الهيئة النظامية باعتبار أن علة التجريم هي حماية كرامة الهيئة نفسها كشخصية معنوية بعيدا عن أعضائها الذين تتناولهم بالحماية نصوص أخري حيث يصح أن يبدي الناقد أعظم مظاهر الاحترام إلي الهيئة بينما يطعن في أعمال بعض أعضائه فإذا كانت العبارة المشينة موجهة إلي بعض الإفراد الذين يعملون بالهيئة فلا تقع الجريمة المنصوص عليها في المادة 184 طالما لا تتناول هذه العبارات الهيئة بحكم اللزوم .
ويدخل في ذلك تقدير محكمة الموضوع فإذا كانت العبارات موجهة إلي شخص بعينة دون الهيئة لا تقع الجريمة محل البحث
(جرائم النشر والإعلام – الكتاب الأول "الإحكام الموضوعية " الدكتور طارق سرور ص 578، 579)
ثانيا : انتفاء أركان جريمة السب والقذف
أسندت النيابة العامة إلي المتهمان أنهما قذفا علنا وبطريق النشر موظفا عاما وهو فضيلة شيخ الأزهر بأن اسندا إليه أمورا لو كانت صادقة لأوجبت احتقاره عند أهل وطنه وذلك بان أورد المتهم الأول بالصحيفة الأولي من العدد رقم 93 من جريدة الفجر اسند فيها إلي شيخ الأزهر عبارات " انه قد افقد المنصب هيبته وقد تدني بدور الأزهر وانه قد جعل الأزهر مطية يركبها الحاكم في الوقت الذي يشاء بالشكل الذي يريد وانه لا يعرف أبدا كلمة لا يقولها في وجه سلطان جائر لأنه مستعد لإصدار إي فتوى متي طلب منه ذلك وهي أمور لو صدقت لأوجبت احتقاره بين أهل وطنه وكان ذلك بسوء قصد وبلا سند لكل مقالة أسندها إليه علي النحو المبين بالتحقيقات وطالبة محاكمته بالمواد 302 ،303/2 ،306 ،307 من قانون العقوبات .
وقد أخطأت النيابة العامة فيما أسندته إلي المتهمان حيث أن ما تم نشرة هو مجرد راي عن واقعة صحيحة تداولتها الكثير من وسائل الإعلام المختلفة وهو دعوة بابا الفاتيكان لشيخ الأزهر لزيارته في الوقت الذي وجه فيه إساءته إلي الإسلام والمسلمين ممثلة في شخص الرسول مما أثار غضب المسلمين في كل مكان وكانت هذه الدعوة بمثابة إشعال غيرة المسلمين و كان يجب علي شيخ الأزهر أن يعلن رسميا عن رفضه لتلك الزيارة مع إيضاح أسباب هذا الرفض حتي يهدأ غضب المسلمين في كل مكان ومن خلال هذه الدعوي يتضح لنا أن عدم زيارة شيخ الأزهر هو نتيجة لما تناولته وسائل الإعلام عن طلب الزيارة وهذا هو دور الإعلام في المجتمعات الديمقراطية نقد الشخصيات العامة بغرض الصالح العام
حيث نجد أن شيخ الأزهر حينما وجهت له المحكمة سؤال بجلسة 6/9/2008
س- ما تصرفاتك تجاه إساءة بابا الفاتيكان للرسول والإسلام ؟
ج- أنا كتبت خمس مقالات ونشرت في جريدة الأهرام والمقالات اللي نشرتها ترجمة للغة الانجليزية والفرنسية والألمانية وموجودة .
كانت إجابته انه رد علي الإساءة بكتابة مقالات توضح موقفة وهذا هو المفترض عمله أن يرد علي الكلمة بكلمة وما تم إذاعته في وسائل الإعلام المختلفة عن زيارة بابا الفاتيكان كان يجب الرد عليه رسميا من شيخ الأزهر بنفسه حتي تنتهي تلك الشائعات التي بزعمها وينتهي الأمر.
وكذلك في سؤال المحكمة لشيخ الأزهر بجلسة 6/9/2008
س- تضاربت الإخبار في الصحف عن رفضك لزيارة بابا الفاتيكان وعن قبولك إياها ؟
ج- هي إشاعات كاذبة والزيارة إشاعات ولا أصل لي بها .
فهنا نجد انه من المفترض وانه يعلم بتناول وسائل الإعلام لموضوع الزيارة أحيانا بالقبول وأحيانا أخري بالرفض أن يتم الرد علي هذه الشائعات كما يزعم حتي يهدأ الموضوع وينحس الموقف
وقد أكدت علي ذلك محكمة النقض في أحكام عديدة لها حيث نصت في حكم كان قد صدر بمعاقبة صحفي في تهمة إهانة مجلس النواب و الشيوخ لنشره مقال نسب فيه إلي فريق الأغلبية انه ( يعبد الحكومة و لا يحب الوطن و عبيد لشهواتهم ، و أنهم جائعون ومنحطون ، و أن وظيفتهم هي التهام الوطن و حب المال ، ومن السهل استرضاؤهم ، و أنهم غير مخلصين في خدمة وطنهم .)
(نقض 6/11/1942)
و اعتبرت كلامه بأنه من قبيل النقد المباح لان كان هدفه المصلحة العامة.
و في عام 1926 نقضت محكمة النقض أيضا حكما لمحكمة جنايات مصر موضوع أن صحفيا أهان رئيس الوزراء في مقال و نسب فيه إليه ( الجهل وقصر النظر و البعد عن الفطنة ) و نسب إلي أعضاء مجلس النواب ( الانحطاط و الدناءة في أخلاقهم و الطمع و الجشع ) فنقضت الحكم و برأت الصحفي و حملت كلامه علي محمل النقد المباح وقررت ( انه وان كان قد استعمل في النقد شيئا كثيرا من الشدة ومن قوارص من الكلم إلا أنها جاءت من باب المبالغة و الرغبة في التشهير بالفعل ذاته كما هي خطة المتهم في كتاباته المستفادة من عباراته عن المبالغة ).
( ويجب أمام مناقشة أمر من الأمور الهامة و الحيوية أن يدلي كل صاحب رأي برأيه حتي يبين الغيث من الثمين و تبين الحقيقة واضحة فإذا اشتد الجدل وخرج اللفظ في مثل هذه الحالة من اللين إلي النقد المر العنيف و إلي القول اللاذع غير الكريم مما قد يثيره الجدل و الاندفاع في القول وجب أن يغتفر ذلك لصاحب الرأي مادام وجهته المصلحة العامة( محكمة جنايات مصر جلسة 28يناير سنه 1948 - )
وفي النهاية نجد أن المصلحة العامة هي الهدف الأول والأساسي في تطبيق النصوص العقابية وان المشرع الجنائي لا يتواني عن حماية هذه الحقوق والحريات وأوضح انه لكي تتم الحماية الجنائية للحقوق والحريات من خلال التوازن فيما بينها من ناحية ، وفيما بينها وبين المصلحة العامة من ناحية أخري .
فلا يجوز أن تكون حماية المصلحة العامة أو حماية حقوق الغير وسيلة للعصف بالحقوق والحريات ، مثل حرية التعبير ، وحق نشر الأخبار ، وحرية البحث العلمي ، وحق النقد وحق مخاطبة السلطات العامة ، وحق الدفاع فالتوازن بين الحقوق والحريات المحمية يحدد سلطة المشرع الجنائي في التجريم والعقاب . مثال ذلك أن تجريم المساس بالحق ف- الدكتورلاعتبار لا يجوز أن يمس حرية الرأي والتعبير.
“ انظر القانون الجنائي الدستوري - الدكتور أحمد فتحي سرور - ص 10 طبعة 2006 دار الشروق "
ومما سبق يتضح انتفاء علاقة المتهمان بما ورد بالقيد والوصف الذى قررته النيابة العامة ،ومن ثم يكون الدفع بانتفاء أركان الجريمة في محله.
ثالثا:- ندفع بانتفاء مسئولية رئيس التحرير " المتهم الأول
"
أسندت النيابة للمتهم اأن “بصفته رئيس تحرير جريدة الفجر وحال كونه مشرفا علي النشر بالجريدة اخل بأداء واجباته الوظيفية المنوط به أدائها وذلك بأن تقاعس عن أداء واجب الإشراف علي المقال آنف البيان ولم يباشر بشأنه اختصاصه ومكانته الوظيفية من حذف وتعديل لازمين
ونصت المادة 200 أ علي أن "
وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامة في الإشراف عن النشر مسئولية شخصية ويعاقب علي إي من الجرائم المشار إليها في الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنية و لا تجاوز عشرة آلاف جنية ، وذلك إذا ثبت إن النشر كان نتيجة . إخلاله "بواجب الإشراف
وهنا اشترطت المادة لكي يسأل رئيس التحرير عن واجبه في الإشراف علي النشر أن تثبت النيابة العامة. أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف وبالتالي يقع عبء الإثبات علي النيابة العامة.
وهنا لابد من الإشارة إلي الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 195 وتدخلوا هنا المشرع الجنائي لإلغائها صراحة .
وجاء القانون رقم 147 لسنة 2006 الذي أقر المسئولية غير العمدية في حالة الخطأ في الرقابة بإضافة (المادة 200 مكررا "أ" )
وأن مجرد إثبات إهمال رئيس التحرير في الرقابة غير كاف لمساءلته عن جريمة النشر، إذ أن الإهمال صورة من صور الخطأ غير العمدى ، وجرائم النشر عمديه تتطلب توافر القصد الجنائي . فالقصد الجنائي يتعين أن يكون فعليا ولا يصح أيضا افتراضه ، وإن جاز مساءلته عن الجريمة الخاصة المستحدثة بموجب المادة 200 مكررا أ وهي جريمة قوامها الخطأ حيث قرر مساءلة رئيس التحرير إذا ثبت أن النشر كان نتيجة أخلاله بواجب الإشراف .ولا يعني ذلك أن مسئولية رئيس التحرير تنحصر في تلك المادة ، فلا يجوز تفسير ذلك بعدم إمكان مساءلته إضافية قررت في حالة توافر الخطأ في الرقابة .
وبتطبيق ما سبق علي دعوانا نجد عدم قيام النيابة العامة بإثبات توافر الإهمال والخطأ العمدى ويكون اتهامها في غير محله .
رابعا : انتفاء الركن الشرعي للجريمة لتوافر سبب من أسباب الإباحة وهو النقد المباح
من المستقر عليه قضاء و فقها انه إذا توافرت شروط النقد المباح في المقال الصحفي تنعدم جريمتي القذف و السب في حق الكاتب و اتفق أنفا علي أن شروط النقد المباح هي :
1- أن يرد النقد علي واقعة صحيحة:
وهذا متوافر في هذا الموضوع الصحفي حيث أن ما تم نشره بالمقال الصحفي هو واقعة صحيحة تداولتها الكثير من وسائل الإعلام المختلفة عن زيارة شيخ الأزهر لبابا الفاتيكان وكذلك تردد الكثير من الآراء حول قبول ورفض شيخ الأزهر لهذه الدعوة ويرجع ذلك لغير ة المسلمين وموقفهم من إهانة بابا بالفاتيكان للرسول والمسلمين وإنهم يجدوا في هذه الزيارة قبول تلك والاهانة وتقليل من قدر المسلمين وشأنهم
وبذلك يرد النقد علي واقعة صحيحة .
2- أن تكون للوقائع أهمية لدي الجمهور:
لما كانت زيارة شيخ الأزهر إلي بابا الفاتيالجمهور.وقت الذي وجه فيه بابا الفاتيكان أهانته للرسول والمسلمين من الموضعي التي تشغل الرأي العام بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة وحقهم في معرفة موقف شيخ الأزهر من هذه الزيارة هل سوف يقابلها بالرفض أم بالقبول هو من الأمور التي تهم عدد كبير من جمهور الناس خاصة أننا في دولة إسلامية حيث نص الدستور المصري في مادته الثانية أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.
وبذلك نجد أن هناك أهمية لهذه الوقائع لدي الجمهور .
3- استخدام الألفاظ الملائمة:
يشترط في إباحة النقد أن يستخدم الناقد عبارات ملائمة ومتناسبة مع الواقعة التي يعلق عليها و هذا متوافر في المقال محل الدعوي الماثلة حيث إننا بمطالعة المقال نجد انه لم يتم استخدام عبقاسية).ة أو شائنة في حق المدعي بالحق المدني ولكن لكل ما ابدي هو ذكر الوقائع و التعليق عليها بموضوعيه ولم يتم استخدام ألفاظ تخرج عن وصف للوقائع التي ذكرت و إبداء تعليقا عليها و هذا لا يتوافر فيه استخدام عبارات غير متناسبة .
و الفيصل في كون العبارات ملائمة أو غير ملائمة هو ضرورتها للتعبير عن فكره الناقد بحيث يتبين انه لو كان قد استعمل عبارات اقل عنفا فان فكرته لم تكن لتحظى بالوضوح الذي يريده وان راية لن يكن له التأثير الذي يهدف إليه و قد قضت محكمة النقض
( بأنه متي كان الحكم متضمنا ما يفيد أن المتهم فيما نسبه إلي المجني عليه في الحدود المرسومة في القانون للنقد الذي لا عقاب عليه فلا يقدح في صحته أن كانت العبارات التي استعمالها مرة قاسية) .
( نقض 4 يناير 1969 مج جزء 17 بند رقم 776 ص 728)
وقضت أيضا : ( يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم بها وتبين مناحيها فإذا ما اشتمل المقال علي عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة و أخري يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة في نفس الناشر ) .
( نقض 24/10/1993 س 404 – نقض 5/1/1989س 40 ص ، نقض 28/1/1985 س 36 ص 77 ، نقض 33 لسنه 35 ق جلسة 2/11/1965 س 16 ص 787 )
ومن كل ذلك يتضح عدم وجود أي تجريم فيما نشره المتهمان حيث أن النشر قد جاء علي واقعة صحيحة أكد عليها المدعي بالحق المدني وهي زيارته لبابا الفاتيكان .
4- حسن النية:
لما كان حسن النية هو سبب عام للإباحة ولما كانت جريمتي القذف و السب من الجرائم العمدية فانه إذا توافر حسن النية فانه ينتفي القصد الجنائي للجبه. وقد قضت محكمة النقض
(أن حسن النية سبب عام لإباحة الجرائم عموما ومنها جريمة القذف إذا صدقت نية الفاعل و اعتقد بمشروعية فعله )
(نقض 11/11/1946 مج جزء 7 ص 199)
إن حسن النية يتألف من شقين الأول توخي النفع العام أي الرغبة في إفادة الجمهور بإرشاده إلي الصواب ليتبعه وتنبيهه للباطل ليتجنبه و الثاني اعتقاد الناقد صحة الرأي الذي يبديه لا صحة الواقعة التي يؤسس عليها هذا الرأي . ( جرائم الفكر و الرأي ص 414 الأستاذ / محسن فواد )
كما أن الألفاظ المستخدمة كانت متناسبة مع الوقائع التي تم إبداء الرأي فيها ولم تستخدم أي ألفاظ شائنة تنال من المدعي بالحق المدني أو التشهير به . كل ذلك يؤكد حسن نية فيما تم نشره .
كما أن الأصل العام هو أن الناقد حسن النية فيما يبديه من أراء و علي المجني عليه أن يثبت أن الناقد كان سيئ النية وهذا ما لم يثبته المدعي بالحق المدني.
ومن كل ذلك يتضح توافر كافه أركان وشروط النقد المباح في المقال محل هذا الدعوي الأمر الذي تنتفي معه جريمتي القذف و السب بركنيها المادي و المعنوي في حق المتهم الأمر الذي يستتبع الحكم ببراءته .
وتعد سلامة النية دفاعا آخر يوجد في عدد من البلدان. ففي عدد من البلاد وتشمل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا، لا يدان المتهم حتى وأن كانت الوقائع خاطئة إلا إذا أخفق الصحفي في القيام بواجبه في مراجعة الوقائع بشكل مناسب. وفى ألمانيا يلزم المدعى بإثبات أن الإخفاق كان مقصودا أو ناتجا عن الإهمال. فالأهمية المعطاة لحق الجمهور في الحصول على المعلومات المتعلقة بالمصلحة العامة تصل إلى درجة أنه حتى عندما تكون الوقائع خاطئة من المرجح ألا يعاقب المتهم الصحفي بشرط ألا يكون مهملا أو سيئ النية في أفعاله. وفى الولايات المتحدة على المدعى، إذا كان شخصية عامة، أن يثبت أن الإخفاق كان عن علم أو نتيجة إهمال، وفى السويد يلزم المحررون المسئولون بالبرهنة على كون النشر مبرراً وأن المعلومات صحيحة أو نشرت بسلامة نية. وفى فرنسا يتحمل المتهم عبء إثبات سلامة النية، بكون أن الصحفي قد تابع بعناية، وراجع الوقائع، وهكذا. وفى بعض الحالات يبدو أن هناك افتراض بسوء النية والذي يوازن بالمصلحة العامة. وفى الممارسة تميل المحاكم إلى عدم منح ميزة الشك للصحافة، فيفرض القانون الفرنسي عموما، على سبيل المثال، عبئاٌ تقيلاُ على الصحافة، غير أنه من المفيد الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية قد حكمت : “رغم أن الاعتقاد بصحة الوقائع المزعومة وانعدام العداء بسبب المصلحة الشخصية ليس كافيا لاستبعاد افتراض سوء النية، فإن البواعث المشروعة النابعة من الحق والواجب في نشر المعلومة يسمح للصحفي بالتذرع بحسن نيته، بقدر ما يثبت ليس فقط جدية استفساره، ولكن أيضا منطقيته وموضوعيته " أن توافر حسن النية لدى المتهم يكفى،على نحو ما استقر عليه الفقه والقضاء الفرنسيان،لإباحة القذف.وهذا من الناحية القانونية يعد تطبيقا للقواعد العامة في الإباحة. وقد مر القانون الفرنسي بتطور انتهى في سنة 1944 إلى أن إثبات الحقيقة يعتبر سببا لإباحة القذف سواء كان متعلقا بموظف عام أم بشخص عادى، ولم يستثن من هذه القاعدة إلا إذا كانت الوقائع المنسوبة للشخص تتعلق بالحياة الخاصة فلا يجوز إثبات صحتها. فالحق في الإعلام حقق توسعا هاما في نطاق القانون الفرنسي، حيث اعتبرت الحقيقة سببا للإباحة.
وبتطبيق ذلك علي دعوانا
نجد أن ما قام به المتهمون هو من صميم واجبهم المهني كصحفيين وكان يجب علي شيخ الأزهر أن يدلي بتصريح رسمي عن موقفه من طلب زيارته لبابا الفاتيكان حتي يهدأ الموقف بين المسلمين المتعصبين والذين أثارهم صمت شيخ الأزهر وعدم وضوح موقفه من دعوة البابا، فاتجاه الصحفي لكتابة موضوع يهم الرأي العام هدفه الأساسي هو التنوير وبناء المجتمع وتوضيح الموقف لكي يعرف كل مهتم بما يدور في مجتمعه.
لذلك ما فعله شيخ الأزهر هو الرفض دون الإعلان عن ذلك وتعامل كما لو أنه مستقل عن هيئة الأزهر وبذلك نجد أن هيئة الأزهر ليست هي المقصودة في المقال موضوع الاتهام، وإنما اختيار شيخ الأزهر للصمت وعدم التصريح بموقف الهيئة أو موقفه الشخصي من دعوة بابا الفاتيكان مما تنتفي معه أركان الجريمة ويتوافر بالتالي شرط النقد المباح.
لذلك
يلتمس دفاع المتهمين من عدالة المحكمة الحكم ببراءة المتهم مما هو منسوب إليه..
وكيل المتهمين
روضة أحمد سيد
المحامية