مذكرة الشبكة العربية في دعوى سب و قذف ضد رئيس تحرير جريدة الموجز "ياسر بركات "


محكمة جنايات الجيزة

الدائرة العاشرة

مذكرة بدفاع السيد / ياسر بركات بصفته متهم

ضد
النيابة العامة بصفتها: سلطة اتهام
السيد / محمد مصطفي بكري بصفته مدعي بالحق المدني

في الدعوي رقم 14131 لسنة 2008
و المحدد لنظرها جلسة 11 / 11 / 2008

الوقائع :

أقام المدعي بالحق المدني دعواه عن طريق الادعاء المباشر بموجب عريضة دعوي موضحا بها قيام المدعي عليه بنشر مقالات تحمل بين طياتها الفاظا اعتبرها المدعي بالحق المدني تحمل سباً وقذفاً في حقه وطلب في ختام عريضة دعواه الحكم علي المدعي عليه بالعقوبات المقررة بموجب نصوص قانون العقوبات أرقام 102م ، 171، 185، 302، 306، 307، 308 مع الزام المدعي عليه بأن يؤدي اليه مبلغ مليون جنيه تعويضاً كاملا عند الأضرار المادية والأدبية التي أصابته .
نقتصر في سرد الوقائع بما تقدم و نحيلها الي ما ورد بصحيفة الدعوي مراعاة لثمين وقت عدالة المحكمة ، و نبدأ بأبداء الدفوع و الدفاع :-

أولاً : وجود شبهه مخالفة دستورية لمواد الأتهام الواردة بصحيفة الدعوى الماثلة

حيث ان الاختصاص بالرقابة علي دستورية القوانين هو من صميم وظيفة المحكمة الدستورية العليا وحدها طبقا لما ورد بنص المادة 175 من الدستور ، بينما ينحصر دور المحاكم الاخري اذا اتضح لها في اي نص قانوني معروضا امامها شبهة مخالفته لنصوص دستورية او دفع أحد الخصوم في نزاع مطروح امامها بعدم دستورية نص قانوني مطبق في ذلك النزاع ورأت المحكمة جدية هذا الدفع ، كان لها ان تحيل من تلقاء نفسها الدعوي الي المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه .
و لما كانت النصوص القانونية التي تطالب المدعي بالحق المدني بتطبيقها علي المتهم في في دعواه الماثلة قد تم الطعن عليها بثمانية طعون للفصل في مدي دستورية هذه المواد و هي الطعون أرقام 83 لسنة 21 ق ، 25 لسنة 21 ق ، 60 لسنة 22ق ، 149 لسنة 22 ق ، 274 لسنة 23 ق ، 16 لسنة 24 ق ، 82 لسنة 24 ، 102 لسنة 24 ق و طلب الحكم فيها بعدم دستورية المواد 302، 303، 306 ، 307 من قانون العقوبات و هي ذات المواد محل الاتهام في الدعوي الماثلة .
و هذا الامر يشير الي وجود شبهة مخالفة دستورية لهذه النصوص و من المرجح ان يصدر الحكم بعدم دستورية هذه المواد مما يتعين معه طلب وقف الدعوي الماثلة لحين الفصل في دستورية تلك المواد و هو طلب يصادف صحيح الواقع و القانون حيث انه يشترط في المحاكمة ان تكون وفقا لنصوص قانونية متسقة مع الدستور ومباديء حقوق الانسان وهو ما يتنافي بنصوص المواد محل الاتهام في الدعوي الماثلة .

ثانياً : أنتفاء أركان جريمة السب والقذف في حق المتهم .
اذ انه بمطالعة صحيفة الدعوي الماثلة نجد ان ما سطر من عبارات تم اخذها من مقالات المدعي عليه لا يشكل اي جريمة من الجرائم التي نسبت اليه في ختام صحيفة الدعوي .

أ‌. انتفاء الركن المادي لجريمة السب والقذف
حيث يتحقق الركن المادي في جريمة القذف طبقا لنص المادة 302 ع باسناد واقعة معينة الي شخص ما لو صحت لأوجبت عقاب من اسندت اليه او من شأنها احتقاره عند بني وطنه . و أيضا يتحقق الركن المادي في جريمة سب موظف عام أو شخص زي صفة نيابية او مكلف بخدمة عامة وفقا لما جاء بنص المادة 185 ع أو سب احاد الناس كما ورد بنص المادة 306 من قانون العقوبات فان كل سب لا يشتمل علي اسناد واقعة معينة بل يتضمن باي وجه من الوجوه خدشاً للشرف او الاعتبار ، و ذلك مع وجوب تمتع المجني عليه بصفة الموظف العام او من في حكمه عند ارتكاب الجريمة .
كما وان الركن المادي في جريمة خدش سمعة العائلات يتحقق طبقاً لما ورد بنص المادة 308 عقوبات عند اسناد الجاني الي شخصاً معين واقعة يظهر انه يفرط في عرضه اي تفيد انحراف سلوكه الجنسي .
و بمناظرة العبارات التي استند اليها المدعي بالحق المدني بعريضة دعواه بمقالات المدعي عليه بالعدد رقم من جريدة الموجز نجد انها لا تصح للاستناد عليها لتجريم المتهم لخلوها مما اشترطت عليه مواد العقوبات التي طلب المدعي بالحق المدني بتطبيقها علي المدعي عليه بصحيفة دعواه .
و قد جاء حكم محكمة النقض في صدد هذا " بأن أصل المرجع في تعريف حقيقة ألفاظ السب والقذف او الاهانة هو بما يطمئن اليه القاضي من تحصله لفهم الواقع في الدعوي ورقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ، ما دام لم يخطيء في التطبيق القانوني علي الواقعة" .

( نقض 8/4/1982 احكام النقض س33 ق 95 ص 468)

ب‌. انتفاء الركن المعنوي " عدم توافر القصد الجنائي في حق المتهم "

طبقا لما استقر عليه الفقه في جرائم القذف من تعريف القصد الجنائي من انه " علم بعناصر الجريمة و ارادة متجهة الي تحقيق هذه العناصر او قبولها " و كان من المستقر بقضاء النقض انه متي تحقق القصد الجنائي في جريمة القذف بما اثبته الحكم عند قصد التشهير فانه لا محل للبحث في حسن النية او صحة وقائع القذف مادام المجني عليه ليس من الموظفين العموميين او من في حكمهم .

( مجموعة احكام النقض س 22 ق 163 ص 669 )

عدا ان تعلق القذف بموظف عام او زي صفة نيابية يختلف لما يتم تقديره في محكمة النقض اذ جاء في حكمها انه " يشترط قانوناً لأباحة الطعن المتضمن قذفاً و سباً في حق الموظفين ان يكون صادرا عن حسن نية عن اتعتقاد بصحة وقائع القذف و لخدمة المصلحة العامة "

( مجموعة احكام النقض س 20 ق 96 ص 458 ، س 8 ق 37 ص 122 )

اذا فلا بد من توافر القصد لتعيين جريمة القذف فالقصد هنا قصد خاص بغرض الاساءة . اذ انه لا يكفي القصد العام و حده لتتوافر جريمة القذف بل يجب ان يتم اثبات ان المتهم كان دافعه من اسناد الواقعة للمجني عليه الاساءة فقط اليه .
و هذا ما استقر عليه قضاء النقض في ان " كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو ان يكون الطعن عليها صادر عن سلامة نية اي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف و لخدمة المصلحة العامة لا عن قصد التشهير و التجريح شفاء لضغائن او دوافع شخصية .

( مجموعة احكام النقض س 17 ق 19 ص 106 ، و س 21 ق 92 ص 273 )

و عليه فان القصد الجنائي لا يتوافر بمجرد توافر الركن المادي بل يجب البحث في جميع ظروف الدعوي ككل حتي يتبين قصد القاذف من كونه للمصلحة العامة ام لمجرد الاساءة لشخص المجني عليه .
الا ان قانون العقوبات قد اختص من جرائم القذف الطعن الواقع علي الموظف العام او الاشخاص ذوي الصفة النيابية وذلك طبقا لنص المادة 302 منه علي اباحة هذا الطعن عند توافر شروط ثلاثة هي :
الأول: ان يكون الطعن قد وقع بسلامة نية اي لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة الطعن و قت إذاعته .
الثاني : الا يتعدي اعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة .
الثالث : ان يقوم الطاعن باثبات حقيقة كل امر اسند الي المطعون فيه .

( نقض 8/5/1944 مجموعة القواعد القانونية ج6 ق 350 ص 483 ) ، ( نقض 22/5/1939ج4 ق 398 ص 557 ) .

و بتطبيق الشروط السابقة علي وقائع دعوانا الماثلة ينجلي لنا توافرها في حق المتهم وذلك طبقاً لما يأتي :
1. المدعي بالحق المدني شخص ذي صفة نيابية يؤدي اعمالاً اجتماعية تهم المجتمع لذا اباح القانون الطعن علي اعماله ابتغاء تحقيق المصلحة العامة .

2. الوقائع المسندة الي المدعي بالحق المدني من الاعمال المتعلقة بأعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وحياة الموظف العام او من في حكمه تنقسم الي جانبان :
الاول منهما و هو الجانب العام و تعلق باعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة و هو جانب من مصلحة المجتمع معرفته لتاثيره علي المصلحة العامة .

أما الجانب الثاني و هو الجانب الخاص اي المتعلق بحياته الشخصية كونه فردا عاديا في كل ما يتعلق بتنظيم حياته العائلية علي انه يصعب التمييز بين الاعمال – في بعض الاحوال – التي تدخل في نطاق الوظيفة العامة وتلك المصلحة بالحياة الخاصة للموظف العام و من في حكمه لما قد يكون بينهما من ارتباط وثيق .
و تقدير توافر ذلك الارتباط هو امر يدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع تبعا لظروف كل دعوي علي حدة و تحت رقابة محكمة النقض .

3. توافر حسن النية في المتهم ، وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بان " حسن النية ليس بالمعني الباطني بقدر ما هو موقف او حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف يتشوه حكمه علي الامور ، رغم تقديره لها تقديراً كافياً و اعتماده في تصرفه علي اسباب معقولة .

( نقض 11/12/1946 مجموعة القواعد ج 7 ع 22 ص 199 )

و عليه و طبقا لما سبق فانه من الثابت ان المتهم لم يتطرق الي قصد الاساءة الي المدعي بالحق المدني ، و ما قام بنشره كان من قبيل النقد المباح المتوفر فيه حسن النية ولما كانت مواد الاتهام في مجموعها تتطلب قصدا جنائياً خاصا وهو غير متوفر في دعوانا المطروحة .
الامر الذي معه يتعين القضاء ببراءة المتهم لأنتفاء وجود ثمة قصد جنائي لديه في نقده للمدعي بالحق المدني .

ثالثاً : توافر سبب من اسباب الاباحة " النقد المباح " :

حق النقد في اعمال الموظف العام او ذي الصفة النيابية وفقا لنص المادة 302 /2 ع علي الرغم من ان المقال محل الاتهام لم تتوافر به الفاظاً تعد سبا او قذفاً في حق المدعي بالحق المدني و كذلك لم تتجه ارادة المتهم الي اقتراف افعال مؤثمة قانونا في حق المدعي بالحق المدني بل اتجهت نيته في مقالاته التي اعتبرها المدعي بالحق المدني سبا وقذفاً الي توجيه نقدا بناءً لشخص ذي صفة نيابية يمثل بها بني وطنه في مجلس تشريعي برلماني و كانت نية المتهم تتجه الي تحقيق الصالح العام و ليس لوجود مارب شخصية كما اعتقد المدعي بالحق المدني بها في نفسه الامر الذي معه يعفي المتهم من الوقوع تحت طائلة القانون .
كما يمكن ان يكون القذف مباحا حتي لو استعمل فيه قوارص الكلم مادام النقد بناء و تتحقق فيه المصلحة العامة للمجتمع ويرجع ذلك دور الموظف العام او الشخص ذي الصفة النيابية . اذ ترجع علة ذلك في اهمية دور الموظف العام او من في حكمه و من المصلحة العامة وضعهم تحت الرقابة الصحفية وذلك لمنع تواجد ثمة اية انحرافات او فساد في اعمال الموظف العام او من في حكمه .
كما يقصد بحق النقد في اعمال الموظف العام او من في حكمه الحق الطبيعي المقرر لكل فرد في ان يتناول اعمالهم بالنقد والتعليق ابتغاء للمصلحة العامة في حدود حياتهم العامة اياما قست صيغته او اشتدت حدته .
كما وان مفهوم النقد يستبعد فكرة العقاب طالما يلبس الناقد يرسل نقده بين غايتين هما صدق الرواية وشرف الغاية .
( جرائم النشر – نجاد البرعي )

رابعاً : مخالفة مواد الاتهام للدستور المصري و المواثيق الدولية و المادة 19 من العهد الدولي والقانون 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم مهنة الصحافة :
1. عرفت المواثيق و المعاهدات و الاتفاقيات الدولية الحق في حرية الراي والتعبير وتداول المعلومات منذ صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/12/1948 من الجمعية العامة للامم المتحدة والذي يعد المصدر الاول فقد قررت المادة 19 منه علي ان لكل شخص حق التمتع بحرية الراي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الاراء دون مضايقة او قيد وفي التماس الانباء والافكار ونقلها الي الاخرين باية وسيلة ودونما اعتبار للحدود .
و ايضا تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية علي ان " أ. لكل انسان الحق في اعتناق اراء دون مضايقة .
ب. لكل انسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف الضروب والمعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الي الاخرين دونما اعتبار للحدود سواء علي شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او باية وسيلة اخري يخترها " .
و تعد مصر من الدول التي قامت بالتوقيع والتصديق علي تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية و من ثم اصبحت قانونا واجب التطبيق طبقا لنص المادة 151 من الدستور و التي نصت علي أن " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات الدولية ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان و تكون لها قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للاوضاع المقررة " و علي الدولة العمل بها ضمن النظام القانوني المصري .
و عليه يتمسك الدفاع بتطبيق ما ورد من نصوص ومباديء بتلك الاتفاقيات الدولية و تطبيقها والاخذ بها سواء في حالة الاتهام محل الدعوي او كافة قضايا النشر .

2. الدستور يعد القانون الاعلي الذي يرسي القواعد والاوصول ويحدد السلطات العامة ووظائفها و كذا يقرر الحريات و الحقوق العامة و ترتب الضمانات الاساسية لحمايتها .
و قد كفل الدستور المصري الحماية لحرية الصحافة في عدة مواد منه و هي المادة 47 ،48 ، 206 ، 207 ، 210 و التي اشارت جميعها الي ان حرية الراي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رايه و نشره و ذلك لضمانة سلامة البناء الوطني وايضا نصت علي ان الصحافة تمارس رسالتها بحرية و استقلال في خدمة المجتمع وايضا علي ان من حق الصحفيين الحصول علي الانباء والمعلومات و الحق في تداولها بكافة السبل .

3. و قد جاءت نصوص القانون رقم 96 لسنة 1996 للتأكيد علي حرية الصحافة و حقوق وواجبات الصحفيين حيث جاء في المادة الاولي منه و التي نصت علي ان " الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع تعبيرا عن مختلف اتجاهات الراي العام و اسهاما في تكوينه و توجيهه من خلال حرية الراي و التعبير عنه ، وممارسة النقد و نشر الانباء ، وذلك كله في اطار المقومات الاساسية للمجتمع و احكام الدستور وايضا في ظل ديمقراطية حقيقية .
كما نصت المادة (3) علي ان " تؤدي الصحافة رسالتها بحرية وباستقلال و تستهدف تهيئة المناخ الحر لنمو المجتمع و ارتقائه بالمعرفة المستنيرة و بالاسهام في الاهتداء الي الحلول الافضل في كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين .
و اكد في المادة (5) من ذات القانون علي حظر مصادرة الصحف او تعطيلها او الغاء ترخيصها بالطريق الاداري . و ايضا جاءت المادة (6) لتؤكد علي ان الصحفيون مستقلون لا سلطان عليهم في اداء عملهم لغير القانون . و ما جاءت به المادة (7) من انه لا يجوز ان يكون الراي الذي يصدر من الصحفي او المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس به او بامنه ، كما لا يجوز اجباره علي افشاء مصادر معلوماته أيضا ما جاء بنص المادة (8) من ان للصحفي حق الحصول علي المعلومات و الاحصاءات و الاخبار المباح نشرها طبقا للقانون من مصادرها سواء كانت مصادر حكومية او عامة لذلك وطبقا لما سبق فان ما نشر كان استنادا لحق قد منحه الدستور والقانون و متاصلاً بالمواثيق والاتفاقيات الدولية للصحفي و حرية الصحافة .

لـــذلك

نلتمس من عدالة الهيئة الموقرة القضاء ببراءة المتهم من الاتهامات المنسوبة اليه ورفض الدعوي المدنية .

وكيل المتهم
ياسر محمد سامي
المحامي
بوحدة الدعم القانوني
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان