مذكرة بدفاع الشبكة العربية في دعوى نشر أخبار وبيانات كاذبة ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم

محكمة جنح مستأنف الخليفة
الدائرة :

مذكرة
بـدفـاع دكتور/ سعد الدين محمد ابراهيم متهم
ضــــــــــد
النيابـــة العامــــة سلطة اتهام
وآخر مدعى بالحق المدنى

فى الجنحة رقم21416لسنة جنح الخليفة والمقيدة برقم لسنة 2008 جنح مستأنف جنوب القاهرة
والمحدد لنظرها جلسة الاثنين الموافق 13/10/2008 أمام الدائرة جنح مستأنف الخليفة

الوقـــــائـــــع

أقام المدعي بالحق المدني بطريق الادعاء المباشر الدعوى الماثلة بموجب صحيفة طالبا في ختامها الحكم على المتهم بمقتضى نص المادة 80/د من قانون العقوبات مع إلزام المتهم بأن يؤدي للمدعي المدني مبلغ وقدره 2001 جنيه على سبيل التعويض المؤقت
تداولت الدعوى بالجلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 2/8/2008 حكمت المحكمة حضوريا :-
أولا : بحبس المتهم سنتين مع الشغل وكفالة عشرة آلاف جنيه وألزمته المصروفات وخمسون جنيها أتعاب محاماة ، وإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات
ثانيا : برفض الدعوى المدنية المقابلة وألزمت رافعها بمصروفات وخمسون جنيها أتعاب محاماة
- وحيث أن هذا الحكم لم يلقى قبولا لدى المتهم فقد طعن عليه بطريق الاستئناف وقد تحدد لنظر الاستئناف جلسة اليوم

الــدفـــــــــــــــــــاع

أولا : مقدمة لابد منها


تعاني بلدنا وبحق من وطأة الترسانة التشريعية المعادية لحقوق الإنسان ، تلك الترسانة التي تكونت من تراكمات عبر عصور مختلفة من تاريخ مصر. وتزداد حدة هذه الوطأة في عصرنا الذي يشاهد تقدما مذهلا في أدوات ووسائل الاتصال الجماهيري ، وشبكات نقل المعلومات ، في الوقت الذي ما زالت فيه بنيتنا التشريعية تسد كافة المنافذ أمام الجمهور لتحجب عنه المعلومات والأفكار والآراء فها هي قنوات العمل السياسي مسدودة بشكل يكاد يكون تاما والنشاط النقابي مصادر والنشاط الأهلي تحت الهيمنة الإدارية ، وحرية الصحافة الصادرة داخل مصر تعاني من الإطاحة بأعمدتها الرئيسية .(1)
والدعوى المنظورة أمام الهيئة الموقرة ما هي إلا أحد التداعيات للقوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير بل أن الأمر في دعوانا تعدى الدولة بأجهزتها ليمارس الأفراد القيام بدعاوى الحسبة في زماننا هذا من خلال محاولتهم ترويع أصحاب الرأي بسيل الدعاوى التي ترفع لملاحقتهم جنائيا .
والدفاع الحاضر عن المتهم إذ يعبر بداية عن إيمانه بحرية الرأي والتعبير بحسبانها الحرية الأصل في الأنظمة الديمقراطية فضلا عن أن هذا الحق مستمد مباشرة من الدستور المصري كما سيرد تفصيلا بهذه المذكرة وأن كل الصور التي تمارس لوضع القيود أو الحد من ممارسة هذه الحرية تعتبر مخالفة صريحة للدستور فضلا عن أنها وبحق تعد ردة للخلف ونحن نسعى ونحاول أن نحيا الديمقراطية من خلال الممارسة .

ثانيا : الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون
وهذا الدفع له محورين وكلاهما يؤدي لنفس النتيجة من وجهة نظر الدفاع :

المحور الأول : اختصاص نيابة أمن الدولة دون سوها بتحريك الدعوى الجنائية :

السؤال الذي يفرض نفسه هل يجوز تحريك الدعوى الجنائية في الجريمة المنصوص عليها في المادة 80/د من قانون العقوبات عن طريق النيابة العامة ؟

والإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا أن نوضح التالي :-
تنص المادة 80/د من قانون العقوبات والصادرة بمقتضى القانون 112لسنة 1957 والتي تنص على أنه:
(يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية للدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأي طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد).
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 80/د أنها مادة جديدة تعاقب كل مصري يذيع عمدا في الخارج أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية في البلاد إذا كان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر أي نشاط يترتب عليه الإضرار بالمصالح القومية وقد رؤى العقاب على هذا الفعل لما قد ينشأ عنه من نتائج سيئة تصيب سمعة الدولة في المحيط الخارجي فضلا عن دلالته على مروق المواطن من واجبات الولاء الوطني ، وقد اقتبس هذا النص من المادة 269 من قانون العقوبات الايطالي وهي تعاقب في جميع الأحوال على الجريمة بالسجن وإنما رؤى في النص المقترح النزول بالعقوبة إلى حد يتناسب مع العقوبات المقررة للجرائم الشبيهة بها في القانون المصري .
وعلى الرغم من أن هذه المادة لم يعد لها وجود بهذا الشكل في القانون الإيطالي إلا أنها ظلت كما هي في قانون العقوبات المصري منذ عام 1957 وحتى الآن وما يعنينا في هذا المقام أن المادة 80/د موضوع الاتهام قد جاءت ضمن مواد الباب الأول من الكتاب الثاني في قانون العقوبات والخاص بالجنايات والجنح المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج والكتاب الثاني يتعلق بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية .
وكان وزير العدل قد أصدر قراره بإنشاء نيابة أمن الدولة العليا في 8 مارس 1953 والمنشور بالعدد 22 من الوقائع المصرية الصادر في 12 مارس 1953 وقد عدل هذا القرارات بقرارات وزارية لاحقة وما يستخلص من هذا القرار والقرارات اللاحقة أن وزير العدل قد أسند إلى نيابة أمن الدولة العليا اختصاصا شاملا ومنفردا في التصرف فيما يقع في جميع أنحاء الجمهورية من الجرائم المحددة حصرا في القرار وتعديلاته كما تختص اختصاصا وجوبيا بأعمال التحقيق في هذه الجرائم التي تقع بدائرة محافظتي القاهرة والجيزة ولها اختصاص جوازي بالتحقيق في هذه الجرائم والتي تقع خارج محافظتي القاهرة والجيزة .
ونيابة أمن الدولة تختص على سبيل المثال بالجرائم الواردة في الباب الأول والثاني والثاني مكرر والثالث والحادي عشر والرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وبذلك تتضمن الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ومن جهة الداخل وجرائم المفرقعات والرشوة والجنح المتعلقة بالأديان .
ومؤدى ما تقدم أن نيابة أمن الدولة تختص وحدها دون غيرها بتحقيق الجريمة موضوع دعوانا والمنصوص عليها في المادة 80/د من قانون العقوبات والتي هي من مواد الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهو اختصاص منفرد ووجوبي لنيابة أمن الدولة العليا على اعتبار أن الجريمة من الجرائم التي تقع في نطاق اختصاصها وفقا لقرار وزير العدل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن الدعوى منظورة أمام محكمة تقع في نطاق محافظة القاهرة وبتطبيق ذلك على دعوانا نجد أنها قد تم تحريكها بطريق الادعاء المباشر وذلك لا يتم إلا من خلال النيابة العامة حيث أنه لا يجوز تحريك الدعوى المباشرة عن طريق نيابة أمن الدولة كما وأنه لا يجوز الإدعاء المدني أمامها فضلا عن أن هذه الجريمة كان الاختصاص بنظرها ينعقد لمحكمة جنح أمن الدولة قبل إلغاءها وهي أيضا لا يجوز الادعاء المدني أمامها وعلى ذلك تكون الدعوى غير مقبولة شكلا لأن اتصال المحكمة بها كان من غير الطريق الذي رسمه القانون لأن الذي حرك القضية هي النيابة العامة بطريق الادعاء المباشر ولم تتصل نيابة أمن الدولة صاحبة الاختصاص الو جوبي بهذه القضية

المحور الثاني :
عدم قبول الدعوى لتحريكها بالمخالفة لنص المادة 4 من قانون العقوبات


يشترط في الجنحة أو المخالفة موضوع الادعاء المباشر أن تكون قد ارتكبت داخل القطر المصري فلا يجوز رفع الدعوى المباشرة من المضرور عن مخالفة أو جنحة ارتكبت في الخارج .
إذ تنص المادة الرابعة من قانون العقوبات في فقرتها الأولى بأنه ( لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل بالخارج إلا من النيابة العامة )
فإذا رفعت الدعوى عن مخالفة أو جنحة وقعت في الخارج من المدعي المدني بطريق تكليف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة وجب الحكم بعدم قبول الدعوى لا الحكم بعدم الاختصاص.
وبتطبيق ذلك على دعوانا نجد أنه وحسبما ذكر المدعي بالحق المدني في دعواه أن وقائع النشر موضوع القضية كلها وقعت خارج مصر ليس هذا فقط بل أن المتهم أصلا يقيم خارج مصر ومن ثم وجب إعمال نص المادة 4/1 من قانون العقوبات فإذا حركت الدعوى الجنائية عن جريمة وقعت بالخارج بطريق الادعاء المباشر تكون غير مقبولة شكلا .

ثالثا : أما عن موضوع الدعوى

مدخل للموضوع

الإطار التشريعي الحاكم لهذه المنازعة:
يحكمها حرية الرأي والتعبير (47 من الدستور) وحرية الصحافة (48 من الدستور) وحرية الإبداع الثقافى (49 من الدستور) والحق فى المعرفة
أولا: مواثيق حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير:
1- المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان:
"لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أى تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية".
2- المادة 19 من العهد الدولى بشأن الحقوق المدنية والسياسية:
"1- لكل فرد الحق فى اتخاذ الآراء ودن تدخل
2- لكل فرد الحق فى حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أى نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود ….."
3- المادة 9 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الشعوب:
"1- لكل فرد الحق فى الحصول على معلومات
2- كل فرد له الحق فى التعبير ونشر آرائه فى إطار القانون "

ثانيا: التطبيقات الدولية لبعض جوانب حرية الرأى والتعبير:

قدم المقرر الخاص للأمم المتحدة المختص بدعم وحماية حرية الرأي والتعبير - والذى يعمل تحت أشراف لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة - تفسيرا للمادة 19 يساعد فى تحديد نطاق هذه الحرية وشدد المقرر فى تقاريره المقدمة أخيراً على الطبيعة المركبة لحرية الرأى والتعبير.
كما شدد المقرر على الحاجة لحماية حرية التماس المعلومات وحرية تلقيها الخاضعتين للحماية المكفولة بنص الفقرة الثانية من المادة 19. وذهب المقرر إلى حد القول بأنه: "نظراً للدور الاجتماعي والسياسي الذي تلعبه المعلومات فى المجتمعات المعاصرة، فانه ينبغي الحرص على توفير حماية لحق كل فرد فى تلقى المعلومات والأفكار، أن هذا الحق ليس فقط الوجه الآخر للحق فى نقل المعلومات، وإنما هو حق قائم بذاته، فحق التماس المعلومات وإتاحتها إنما هو عنصر من أكثر عناصر حرية الرأى والتعبير جوهرية. أن تلك الحرية سوف تخلو من أى تأثير إذا لم يتوافر للناس سبيلاً للحصول على المعلومات، لذا تعد إتاحة إمكانية الحصول على المعلومات من الأمور الجوهرية للأسلوب الديمقراطى فى الحياة. ومن ثم ينبغى القيام بمراجعة صارمة للاتجاه الرامى إلى حجب المعلومات عن الجمهور."1
وأكدت مراراً المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على الدور البارز الذي تلعبه الصحافة فى مجتمع تخضع دولته لأحكام القانون. وبينت بوضوح الحماية القوية التي تضمنتها الاتفاقية الأوربية لحرية التعبير وهذا الموقف إنما يرتكز أساساً على المبدأ الرئيسي المتمثل فى حق الجمهور فى المعرفة. حيث قضت المحكمة فى أكثر من مناسبة أن الموضوعات التى تحظى باهتمام عام مشروع إنما تخضع للحماية الكاملة الواردة فى المادة 10 من الاتفاقية الأوربية.

ثالثا: الدستور المصري وحرية التعبير:

يلزمنا استعراض عدة مواد دستورية وقراءاتها معا، إعمالا للمبدأ الدستوري القائل بأن نصوص الدستور متساندة ومتكاملة:
1- المادة 47:
"حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني".
يلاحظ على النص أنه قد نص صراحة على حماية الحريات والحقوق التالية:
1- حرية تبنى الآراء.
2- حرية التعبير.
3- حرية النشر.
4- حق النقد الذاتي.
5- حق النقد البناء.
6- الحق فى اختيار وسيلة التعبير.
وفيما يتعلق بالحريات الثلاث الأولى فالحماية الدستورية الممنوحة لها، العبرة في ممارستها هو صفة الإنسان بغض النظر عن صفة المواطنة حيث استخدم تعبير "لكل إنسان" ومن ثم فهذه الحماية ليست قاصرة على المواطنين فقط.
وأحال النص للقانون مهمة تنظيم هذه الحريات والحقوق وتحديد تخومها، ولا ينبغي أن يفهم هذا النص على أنه يمنح المشرع العادي سلطة مطلقة فى فرض الحدود ذلك أنه يحدها أربعة قيود:
1- على التنظيم التشريعي ألا يصادر الحق أو الحرية.
2- عليه ألا ينتقص من الحق أو الحرية.
3- عدم جواز فرض قيود باهظة على الحرية أو الحق.
4- مراعاة القيود الواردة في الدستور التي تحد من نطاق سلطته.2
رابعا: حرية الرأى والتعبير من واقع أحكام المحكمة الدستورية:

1- تلتزم الدولة فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية بالحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية:
استقرت المحكمة على:
"وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى.
وحيث أن مؤدى هذه النصوص - مرتبطة بالمادة 65 من الدستور - أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة، وفى هذا الإطار، والتزاما بأبعاده، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى تعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة."3
وعند قراءة الحكم السابق بدقة يتبين لنا بيسر أنه يرسى القاعدة الجوهرية ثلاثية الأبعاد؛ حيث تنحل إلى ثلاثة قواعد بالغة الأهمية؛ فتختص القاعدة الأولى بمستوى الحماية القانونية لحرية ما، فى حين تتمحور القاعدة الثانية حول نطاق القيود المقبولة على هذه الحرية، وأخيرا تعالج القاعدة الثالثة نطاق الحريات المشمولة بالحماية القانونية.
وحيث أن حرية التعبير تندرج ضمن الحريات الأساسية، فإن تنظيم المشرع لها يخضع لهذه القاعدة بأبعادها الثلاثة ومن ثم تضحى كافة الحقوق الفرعية المنضوية فى حق التعبير مشمولة بالحماية القانونية المبسوطة على حرية التعبير، أى أن حق المعرفة وحق التماس المعلومات والأفكار وحق إتاحة الوصول الميسر لها..الخ تستظل بتلك الحماية، كما أن مستوى الحماية المقرر فى القانون المصرى لحرية التعبير يخضع للمراجعة استنادا إلى البعد الأول ويسرى البعد الثانى عند مراجعة القيود الواردة فى التشريع المصرى على حرية التعبير.
2- حرية التعبير هى الحرية الأصل:
ذهبت المحكمة إلى:
"وحيث أن ضمان الدستور - بنص المادة 47 منه - لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها، سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا.
وحيث أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، وتلقيها عن الغير ونقلها إليه، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصراً فى مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها"4
ونخلص من كل ذلك إلى أن الدستور المصرى يبسط حمايته على الحق حرية التعبير وباقى الحقوق الفرعية المكونة لحرية التعبير.
خصص الدستور المادة 49 منه لكفالة أربع حريات هن: حرية البحث العلمى، وحرية الإبداع الأدبى، وحرية الإبداع الفنى، وحرية الإبداع الثقافى. والمطبوعات هى إحدى الوسائل والأدوات الفعالة فى مجال ثلاث (الإبداع الفنى والثقافى والادبى) من هذه الحريات الأربع على الأقل.
3- مبدأ خضوع الدولة للقانون المقرر بالمادة 65 من الدستور:
استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن على أن:
"وحيث أن الدستور إذ نص فى المادة 65 منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها - وأيا كانت طبيعة سلطاتها - بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولئن ثم القول بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية وتعبيرا عنها، إلا أن انبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة وارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة أن من يمارسها مقيدة بقواعد قانونية تكون عاصما من جموحها وضمانا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها، وكان حتما بالتالى أن تقوم الدولة فى مفهومها المعاصر - وخاصة فى مجال توجيهها نحو الحرية - على مبدأ مشروعية السلطة مقترنا ومعززا بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدأن متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية، وهى ضمان يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورا لكل تنظيم، وحدا لكل سلطة، ورادعا ضد العدوان "

خامسا: الحق في المعرفة:
نقصد به حق الإنسان فى أن توفر له الدولة كافة السبل الملائمة لتتدفق من خلالها المعلومات والآراء والأفكار، ليختار من بينها وفقا لإرادته الحرة وعليها أن تحمى نفاذه الميسر إليها بعيدا عن تدخلها أو تدخل الغير الذى من شأنه إعاقة أو الحد أو الانتقاص أو منع تمتعه بهذه الحرية.
الحق فى المعرفة وحرية التعبير:
يعتبر الحق فى المعرفة الوجه الآخر لحرية التعبير، فحرية التعبير فى معناها المباشر: حق الأشخاص فى أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم وهو ما يحتوى ضمنيا على حق متلقى هذه الآراء والأفكار والمعلومات فى وجود سبل ومنافذ تتدفق من خلالها بعيدا عن التدخل من قبل الحكومة أو غيرها من الأفراد.
إن حرية التعبير لا تقتصر فقط على حرية الأفراد فى التعبير عن آرائهم، وإنما تشمل أيضا حق تلقى الآخرين لهذه الآراء المعبر عنها فى حرية.
السند التشريعى للحق فى المعرفة:
الدستور على نحو ما سبق ايضاحه
موقف التشريع العادى:
1- المادة 19/2 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 536/1981 تمت الموافقة على العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، ونشر بالجريدة الرسمية. وأضحى له ما للقانون الداخلى من قوة نفاذ ويمكن استخدامه مباشرة أمام المحاكم المصرية ليس بوصفه اتفاقية دولية، وإنما بوصفه قانون داخلى ينسخ ما سبقه ومن ثم يصلح البند الثانى من المادة 19 منها ليكون سندا تشريعيا للحق فى المعرفة ولسائر الحقوق الفرعية المكونة للحق فى التعبير وجاءت صياغة النص كما يلى:
"لكل إنسان حق فى حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها."
2- قانون 96/96 بشأن تنظيم الصحافة:
المادة 9:
"يحظر فرض أى قيود تعوق حرية تدفق المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف فى الحصول على المعلومات أو يكون من شأنها تعطيل حق المواطن فى الإعلام والمعرفة، وذلك كله دون إخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا."
نص المشرع فى هذه المادة صراحة على حرية تدفق المعلومات وحق المواطن فى الإعلام وحق المواطن فى المعرفة وحق الصحف فى الحصول على المعلومات، ومن ثم فإن هذا النص يشكل أساسا قانونيا واضحا للحق فى المعرفة، صحيح أن قانون تنظيم الصحافة يسرى على الصحف المصرية ومن الصحيح أيضا انه قصر الحقين المشار إليهما على المواطنين، لكن قد يتضح من مراجعة الأعمال التحضيرية للنص أن دلالته تتجاوز هذا خاصة إذا تضمنت الأسانيد الدستورية لتأصيل هذه الحقوق.
بعد أن بين النص أن الأصل هو حظر القيود المعيقة لحرية تدفق المعلومات أو المقيمة تمايزاً فى الحصول على المعلومات أو المعطلة لحقي الإعلام والمعرفة عاد ليتبنى قيد مقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا.
وبتطبيق ما تقدم على دعوانا :-
نجد أن إحالة المتهمة الماثل إلى المحاكمة بموجب مادة الاتهام بطريق الادعاء المباشر لتشكل وبحق حلقة من حلقات تكميم الأفواه التي تقوم بها الأجهزة الشرطية في مصر في الآونة الأخيرة من خلال الأفراد التابعين لها أو الذين يسعون لكسب ودها والتي نتوقع أنها لن تتوقف فالمتهم عالم اجتماع وخبي في مجال تخصصه يشار اليه بالبنان وناشط في مجال حقوق الإنسان وهو أحد المجالات التي تثير قلق الحكومة تجاه من يعمل به وتكون في حالة تربص دائم له وحالة التربص هذه تبين جليا مما جاء في عريضة الادعاء المباشر والتي جاءت بلا سند من واقع أو قانون إلا رغبة النيل من المتهم خاصة وأن ما تم تقديمه لتأييد دعواه ما هو إلا عبارة عن مقالات تحمل وجهة نظر صاحبها ورؤيته التحليلية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجرم وذلك لأن التعبير عن الرأي لا يمكن تجريمه وادعى أن ذلك قد أضر بالأوضاع الداخلية للبلاد دون أن يقدم لنا دليلا على ذلك حتى تقرير الخارجية قرر أن ما نشر كان تقييم من المتهم للتطورات على الساحة السياسية في البلاد وانتهى إلى أنه من الصعب أن يتم إرجاع أي تطور في علاقات مصر بدول العالم إلى عامل وحيد وعلى ذلك فيصعب تحديد أو توصيف الحجم الحقيقي لتأثير مقالات الدكتور سعد الدين ابراهيم على علاقات مصر الخارجية وعلى ذلك فتكون الأوراق قد خلت من ثمة دليل يدين المتهم

رابعا: الدفع بتجهيل عناصر الاتهام
قدمت النيابة المتهم للمحاكمة وفقا لعريضة الجنحة المباشرة وحسبما سبق أن بينا بمقتض نص المادة 80/ د من قانون العقوبات
وهنا لابد أن نوضح أن المادة الإعلامية موضوع الاتهام وهي المقالات بما حوته وفقا لما تم ذكره بعريضة الادعاء المباشر وما قدمه المدعي بالحق المدني بحوافظ مستنداته ولم يحدد لنا المدعي بالحق المدني ولا محكمة أول درجة أي المقالات والعبارات مما تقدم هي التي تمثل إضرار بالمصالح القومية للبلاد وإساءة لسمعتها
وختاما فإن دفاع المتهم لا يجد أروع مما قالته المحكمة العليا الامريكية يوم عربدت المكارثية فى الولايات المتحدة فلقد حذرت المحكمة العليا يومها ونبهت الي أن :
ان مخالفة حرية القول ولو كانت استحياء من حالة هستيرية فان تقييدها يمثل تدهورا في حق المواطن ولا يمكن التذرع بتقييدها ضد الشيوعيين والا خلقنا قطعة من جهنم داخل اراضينا
حكم القاضيين بلاك وود وجلاس مشار الية في كتاب الدكتور عماد النجار في النقد المباح ص368
وها نحن فعلا نعيش في هذه الأيام محاولات خلق قطعة من جهنم داخل أراضينا هنا في مصر ويوما بعد يوم يحس شعبنا بأسره بان كل التشريعات الاستثنائية التي تصدر تباعا تهدد حريات أبنائه جميعا لقد بلغ بنا الحال انه
كلما أقدم مواطن علي أن يعمل فكرة صار هداما وكلما حاول مواطن أن ينفتح علي الفكر العالمي بات عميلا يستورد الأفكار الهدامة وكلما جاهر مواطن برأي حر أضحي مثيرا للفتن والقلاقل وكلما ابتلع مواطن لسانه في جوفه وقبع في عقر داره مؤثرا السلامة أصبح متآمر يحيك المؤامرات من منازلهم في الظلام نعم يا حضارات المستشارين هكذا أصبح حالنا اليوم وإذا كانت كل الطرق أضحت تسوق المواطن المصري إلى قفص الاتهام .. بحيث لم يبقى أمام المواطن لتفادي هذا القفص اللعين سوى التبرؤ من ملكة التفكير والتخلي عن حاسة النطق
والتجرد من الآدمية
والتنصل من الإنسانية
ففي الأوقات العصيبة يتطلع شعبنا دائما .. إلى القضاء ,. وإلى القضاء يرى فيه ويتوسم فيه . صمام الأمان .. وطوق النجاة وطالما بقى في مصر قضاء عادل .. جرئ في الحق .. جرئ على الباطل ؟؟ فلنطمئن جميعا فلن يتخلى مواطن مصري عن آدميته .. وسيظل الإنسان في مصر إنسانا ولو كره الكارهون

بناء عليه
فإن دفاع المتهم الماثل أمام هيئتكم الموقرة يلتمس القضاء له

البراءة

وكيل المتهم

طاهر أبوالنصر
المحامي